كان أمس الجمعة آخر يوم في حياة الممثلة الجزائرية فتيحة بربار التي بدأت عام 1945 في حي القصبة في الجزائر العاصمة، وهو العام الذي شهد مجازر أيار/ مايو التي حصدت 45 ألف شهيد؛ أي أن طفولة الفنانة كانت مُعدّة منذ البداية للنزوع نحو خطاب الحرية والاستقلال.
هذه النزعة جعلتها تتمرَّد على النظرة المحافظة لأسرتها في ما يتعلق بالفن، وتعلن عن موهبتها في الغناء والتمثيل عام 1959، عندما التقاها عرّاب الفنانين الشباب محي الدين باشتارزي، وقدّمها على الخشبة، بالموازاة مع التحاقها بفرقة رائدة الغناء الشعبي فضيلة الجزائرية.
جمعت الفنانة مطلع ستينيات القرن العشرين، بين الدراسة في المعهد البلدي للمسرح، وجمع الأدوية خفية لمجاهدي الثورة، والتمثيل إلى جانب وجوه كبيرة مثل كلثوم ونورية وعلي عبدون، وهو ما جعل المخرج مصطفى بديع يختارها لتمثل في فيلمه "أمهاتنا" عام 1965.
الكفاءة التي أظهرتها في المسرح والسينما جلبت لها عروضاً نوعية منها مسرحية "بني كلبون" لولد عبد الرحمان كاكي الذي كان واحداً من أعمدة المسرح الاحتفالي في الجزائر، وفيلم "المرأة المثالية" لفاروق مزران عام 1969.
مطلع السبعينيات، كانت بربار قد أصبحت نجمة، وتكرست هذه النجومية من خلال مسلسل "أحداث متنوعة" لمحمود عصمان عام 1973، ثم من خلال الثنائي الذي جمعها برائد الكوميديا الشعبية أحمد عياد المعروف برويشد (1921 ـ 1999)، ووفاء لهذه الشراكة بادرت بربار إلى تأسيس جمعية "أحباب رويشد" عام 2001.
لم ينس الجزائريون الوجوه التي رافقتهم من خلال الشاشة، سنوات العنف المسلح في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت الحياة تتوقف عند الساعة الخامسة، ومن هذه الوجوه فتيحة بربار التي كان حضورها مميزاً في مسلسلات وأفلام رسخت في الذاكرة الشعبية، مثل "عايلة كالناس" لعمار تريباش و"الكاتبة والغزالة" لجمال فزاز.
مطلع القرن الوحد والعشرين، انتقلت الفنانة إلى خوض تجربة في الأفلام الطويلة، شارك معظمها في مهرجانات وازنة في الخارج، منها فيلم "العالم الآخر" لمرزاق علواش، حين التقت بوجوه جديدة، كانت تقول عنها إنها تمثل أمل المسرح والسينما في الجزائر.
هذه العلاقة الحميمة التي تجمعها مع الوجوه الجديدة من المسرحيين والسينمائيين، تجلت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي اشتعلت بصورها معها، وسرد الذكريات والمواقف التي جمعتها بها، أثناء فترة علاجها في باريس، ومباشرة بعد إعلان خبر رحيلها.
يقول لنا فتح النور بن إبراهيم المكلف بالإعلام في "المسرح الوطني الجزائري" إن الفقيدة، رغم أنها تركت الخشبة منذ مدة، إلا أن الجمهور ما زال يتذكر حضورها مثلاً في "جحا والناس" لمحمد بن قطاف، و"أغنية الغابة" لحميدة آيت الحاج.
فتح النور أشار إلى أن الجيل الجديد من الفنانين وجد في الفقيدة الحب الحقيقي للفن، والرغبة الصادقة في تشجيع أهله، إذ وضعت الفنانة "خبرتها وعلاقاتها في خدمة الوجوه الجديدة، ولم يحدث أن رأت فيها منافسة أو بديلاً لها".