رحلة إلى الرب

01 يناير 2015
ولم يخرج كالمعتاد لأداء الصلوات (Getty)
+ الخط -

كان يرى أباه "البواب" يصلي بشكل دائم طيلة الليل والنهار، اللهم باستثناء ساعة إحضار طلبات لسيدة في العمارة، أو غسيل سيارة أحد السكان، أو إرشاد غريب ما إلى عمارة أخرى في المنطقة الراقية، كان يتعجب رغم كثرة عبادة والده إلا أن حالته لم تتحسن أبداً!

خرج من مدرسته بعد الإعدادية ليعمل ميكانيكيّا، لم يركع في حياته ركعة واحدة، كان يرى أباه ينحني على السجَّادة، وأمام طلبات سكان العمارة.

في طفولته كان يعتقد أن الفقراء، ذوي الهيئات الرثة، لا تتجاوز أدعيتهم السماء الثالثة، حيث ترفضها الملائكة لعدم الرضا منهم عن أشكالهم أو ملابسهم القذرة، ومن ثم لا تصل للإله، فيما تخترق أدعية الأغنياء الذين يقومون بإطعام القطط، إرضاءً للرب والملائكة، إلى هناك حيث يحقق لهم اللهُ أمانيهم الكبرى.

قرر أن يكون غنياً، ترك مهنته واحترف تجارة الحشيش، بعد خمسة أعوام قرر أن يذهب لأداء العُمرة.

*****

عزلة

ظل على حاله هذه أكثر من تسع ساعات كاملة، يده اليمنى تجمدت تماماً فوق "الكليك الأيسر" لفأرة "اللاب توب" الصغيرة، فيما اتكأ بوجهه على باطن يده اليسرى، يجلس أمام موقع "فيسبوك" يحملق بشرود في شاشة جهازه، يحاول طُوال الليل عمل "أنفريند" لنفسه.

*****

طقس مازوشي

ذات مساء لم يجد شيئاً يلعقه، ازدادت عليه أعراض الانسحاب بشكل كبير، في خُطَى بطيئة وعلى أطراف قدميه تسلل إلى "بدروم" منزله حيث يُخبِّئْ حذاء أسود عملاقا، ضمه إلى حضنه ثم أخذ يشمه طوال الليل، هدأ قليلاً، عاد إلى سريره وهو يشعر بالنشوة الشديدة، تناول حبتين من حبوب "القوادة"، استلقى على بطنه حيث الوضع المحبب الذي يفضله على الدوام، تخيل مخيلات محببة لعقله الباطن، الخدر الشديد يتسلل إلى جسده، بعدها غرق في النوم.. واللذة.

*****

عزازيل قصة الخروج

كان عزازيل ملكاً مطيعاً يؤدي صلواته للرب بكل أريحية وامتنان، كان "ملاكاً" وقوراً طيباً، اتخذه أقرانه من الملائكة في السماء السابعة قدوة لهم في حسن تنسكه وعظم عبادته.

أحياناً كثيرة كان يتم تصديره كمتحدث عنهم هناك.. عند سدرة المنتهى؛ حينها ينتظره الملائكة بتلهف وشغف، بعدها يرجع وقد رسم علامات العبوس على وجهه، يتوترون للحظات قبل أن يبتسم هو ابتسامة وقورة تمتزج بكثير من الحنو وهو يقول: "اطمئنوا.. الرب استجاب طلبكم بفضل دعائكم".

ترد الملائكة في جَذل وفرح طفولي وهم ينظرون إليه بامتنان بالغ: "بل بفضل وساطتك أيها الملاك الطيب".

في يوم ما قابل عزازيل الرفيق "هيكل"، مكث معه مدة طويلة خرج بعدها الملاك وقد تغيرت سحنته، وانقلبت طبيعته كأنه لم يكن يوما ما هنا، كأنه لم يطأ السماء بقدميه من قبل، كأن أجنحته كلها تحولت إلى مخالب.

بعدها دخل "عزازيل" معكفه الصغير، ولم يخرج كالمعتاد لأداء الصلوات.

حتى وحينما حاول "ميكائيل"، الملاك والرفيق الأقرب لعزازيل، أن يطرق عليه خلوته لم يفتح له، سمع دمدمة غاضبة، ثم رجع بعدها "ميكائيل" وقد أطرق رأسه يتساءل ماذا حلَّ بصديقه.

بعد ثلاثة أيام، سمع الجميع الشجار الذي رجَّ السبع السماوات هناك عند "الملكوت"، ترقبت الملائكة الحوار بين الرب و"عزازيل" وتساءلوا: "لماذا تغير الملاك الطيب هكذا؟".

في مساء نفس اليوم، انطفأت السماء لوهلة قبل أن يفتحوا أعينهم ليجدوا "عزازيل" مختفياً، عرفوا أن لعنة "الطرد" طالت أطيبهم وأخيرَهم إلى الأبد.

على الأرض وفي اللحظة ذاتها، كان عزازيل هناك يجلس في صمت مهيب يستمع بشغف لـ"هيكل"، والأخير يستعرض له وثائق أرشيفية لمعركة دارت يوماً في زمن أزلي.

*****

خرج ولم يعد

على الدائري.. وبالقرب من نزلة "قليوب" فتح حاسوبه المحمول الذي تنطبع عليه علامة "أبل" الشهيرة ثم دخل الإنترنت بواسطة فلاشة "مودم"، قام بتشغيل برنامج التحدث (سكايب) أغرورقت عيناه بالدموع وهو يحادث أمه التي لم يرها منذ خروجه من المنزل للعمل قبل ثلاث سنوات تقريباً.

*مصر