ويرجع الباحثون الظاهرة إلى "تطور الصحة النفسية والجسمانية بفضل دولة الرفاهية في النظام الاجتماعي الاسكندنافي"، ووفقا لأرقام "الإحصاء الدنماركي" الرسمي، فإن هناك زيادة ملحوظة في أعداد المسنين المستمرين في سوق العمل، بينهم 6195 ممن تجاوزوا الثمانين سنة، فيما كان الرقم قبل 10 سنوات نحو 4800، وهذه الفئة تمثل 2.5 في المائة من كبار السن الدنماركيين.
ووفق الإحصاء الدنماركي، فإن 50 شخصا فوق الـ95 عاما لا يزالون يرفضون مغادرة سوق العمل، فيما تجذب سياسات سوق العمل آلافا من كبار السن للبقاء، وبذات الوقت يستمتعون بحياتهم دون توتر أو ضغوط أو مخاوف من المستقبل، بعكس أقرانهم في الدول الأخرى الذين ينتهي بهم الأمر في دور رعاية كبار السن.
وترفض المعالجة الفيزيائية، بيرتا كارستنسن (92 سنة)، ترك مهنتها، وتصر على أنه "لا يزال هناك الكثير لتعلمه"، وهي تشارك في مؤتمرات حول العالم تتعلق بالعلاج الطبيعي، إلى جانب معالجتها للمرضى في بلدها، كما أن نشاطها لا يتوقف على العمل، بل لا تزال تستمتع بالموسيقى والرقص وتزور المتاحف ومعارض الفنون. وتقول "النشاط وملء الفراغ من الأمور المحفزة ليكون للحياة معنى، ولكي يحافظ الإنسان على القوة والمهارة".
على المستوى الدولي، يعتبر الباحثون في سوق العمل أن الدنمارك لديها مكانة مميزة في ثقافة بقاء كبار السن في وظائفهم، ويربط المتخصص في علاقة الناس بسوق العمل في جامعة ألبورغ، بيير ينسن، بقاء هذه الفئة في أعمالها "بقبول الناس لهم في السوق، وهي ثقافة مميزة في الدنمارك".
وتشير أبحاث ينسن، إلى أن "أولئك الذين يواصلون العمل في أعمار متقدمة غالبا درسوا حتى مستويات عالية، ومنهم أكاديميين، وبعضهم يعمل لحسابه الخاص في عيادات أو شركات، كالمهندسين والمصممين والمزارعين والمستشارين والمعالجين، بحيث يقررون بأنفسهم كيفية انجاز أعمالهم. ويمنحهم ذلك تدفق مزيد من الدماء إلى قلوبهم، ما يفيد في امتداد الحياة، لكنهم أيضا باتوا يشكلون تحديا مجتمعيا لجيل آخر يخرج مبكرا من العمل".
ويشير الباحثون في الدنمارك إلى أن التفاوت في معدلات الوفيات بين المسنين يلعب دورا في هذه التطورات، فخلال السنوات الماضية شهدت الدنمارك زيادة أعداد المتقدمين بالسن الذين ينخرطون في نشاطات عديدة بفعل تطور المجال الصحي والرعاية تحت مسمى "دولة الرخاء" المنتهجة في دول اسكندنافيا كنموذج أوروبي يراه البعض فريدا من نوعه.