قامت ثورة 25 يناير لإسقاط نظام أشاع فساداً في البلاد، والثورة على حزبه الحاكم الذي ظل يحترق ليومين متتالين في مشهد لن ينساه المصريون. وبعد مضي أربع سنوات، يحاول الكثير من وجوه الحزب الوطني، بشكل مباشر أو غير مباشر، العودة إلى مسرح الأحداث السياسية، وبقوة، مع فتح باب الترشح وانطلاق ماراثون الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار المقبل، لاختيار أول برلمان بعد 30 يونيو/حزيران، لتسود حالة من التخوف من عودة نظام مبارك في وجه جديد.
فهل عودة " الفلول" ظهرت فجأة، أم أنهم لم يختفوا بعد من المشهد السياسي منذ ثورة 25 يناير؟!
بتتبع الأحداث، نجد أنه، وفور نجاح الثورة، ظهرت الكثير من الأحزاب السياسية التي ولدت من رحم الحزب الوطني، وأخذت تبحث عن دور جديد لها، ومن هذه الأحزاب، حزب الاتحاد، الذي أسسه حسام بدراوي، أمين عام الحزب الوطني، وحزب مصر القومي، الذي أسسه طلعت السادات، وحزب مصر الحديثة، ومؤسسه محمد سليمان دعبس، وحزب الحركة الوطنية، الذي أسسه الفريق أحمد شفيق، وانضم إليه صفوت النحاس ليتولى منصب الأمين العام للحزب، وكذلك حزب "المصريين الأحرار" الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، وانضم إليه هاني سري الدين، أحد رجال أمانة السياسات في الحزب الوطني المنحل.
إعادة إنتاج الحزب الوطني
حكومات الثورة هي الأخرى، تولى رئاستها شخصيات من الحزب الوطني، وارتبطت جميعها، حتى الآن، بشخصيات سياسية بارزة فيه، بداية من حكومة الفريق أحمد شفيق، في عهد المجلس العسكري، والمحسوب على نظام مبارك (يناير/كانون الثاني- فبراير/شباط 2011)، والذي سلم تسع حقائب وزارية لرجال الوطني، ومنها حقيبة الإعلام التي تولاها أنس الفقي، والأسرة والسكان لمشيرة خطاب، والشؤون القانونية والبرلمانية لمفيد شهاب، في حين تولى الاتصالات طارق كامل.
وبعد استقالة حكومة شفيق في مارس/آذار 2011، انخدع الثوار في شخص الدكتور عصام شرف، عضو المجلس الأعلى للسياسات في الحزب الوطني المنحل، ووزير النقل والمواصلات في حكومة نظيف، من يوليو/تموز 2004 حتى ديسمبر/كانون الأول 2005، وضمت حكومة شرف خمسة وزراء ينتمون إلى الحزب الوطني المنحل، وأبرزهم الدكتور حازم الببلاوي وزيرا للمالية.
وبعد استقالة حكومة شرف، كلف المجلس العسكري كمال الجنزوري، أحد رجال مبارك، والذي تولى عدة مناصب قيادية في عهده، بتشكيل حكومة جديدة برئاسته (نوفمبر/تشرين الثاني 2011 حتى يوليو/تموز 2012)، حتى تولى الإخوان الحكم.
لم يختف النظام القديم في عهد الإخوان، بعد أن ضمت حكومة قنديل اللواء أحمد ذكي عابدين وزيرا للتنمية المحلية، والمهندس محمود بلبع رئيس الشركة القابضة للكهرباء، وزيرا للكهرباء.
وظلت القيادات الإخوانية على علاقة بأعضاء الحزب الوطني المنحل، ومن الوقائع، اصطحاب الدكتور سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب آنذاك، لسامي مهران، أحد أعمدة نظام مبارك والذراع اليمنى لفتحي سرور، في زيارته للكويت، رغم التحفظ على أمواله وقتها بموجب قرار جهاز الكسب غير المشروع. وتناولت الأخبار وقائع عقد صفقات مصالحة بين الإخوان ورجالات الحزب الوطني المنحل. كما اصطحب الرئيس المعزول في زيارته للصين وفدا من رجال الأعمال يضم العديد من رجال أعمال الوطني المنحل، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين وقتها.
في 9 يوليو/تموز 2013 تشكلت حكومة حازم الببلاوي لتسيير المرحلة الانتقالية في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وضمت حكومته وزيرا واحدا تابعا للحزب الوطني، وهو المهندس إبراهيم محلب، وزيرا للإسكان، والذي أسندت إليه الحكومة في 25 فبراير/شباط 2014 بعد استقالة الببلاوي، وظلت حكومته حتى الآن، بعد أن حاز ثقة عدلي منصور والسيسي.
30 يونيو.. عودة روحهم
حالة الخلاف والهجوم الحاد على الرئيس محمد مرسي، أبعدت الشعب كثيرا عن جرائم نظام مبارك، وانتهز رجال الحزب الوطني موجة 30 يونيو للعودة إلى الميدان، وكانوا من أهم الداعمين والمشاركين في حملة السيسي الانتخابية.
نجاح الانقلاب العسكري أعاد الروح إلى رجال الوطني المنحل، وأصبحت الظروف مواتية للإعلان عن تحالف يضم كبار شخصياته، ويجمع الشمل من جديد، وتمثل هذا التحالف في تدشين جبهة "مصر بلدي"، وظهروا بكثافة في الجرائد، وفتحت الفضائيات المختلفة، والمملوكة في الأساس لرجال أعمال الوطني، ذراعيها لهم لتلميع صورتهم من جديد، وتناقلت ندوات يحاضرون فيها.
ومع أول تصريح للسيسي فور نجاحه "لا إقصاء لأحد وأيدينا مفتوحة للجميع"، أصبح رجال الوطني جزءا أساسيا في اللعبة السياسية، وترسخت أقدامهم أكثر بعد اقتراحه فتح حساب "صندوق تحيا مصر" لدعم الاقتصاد المصري، وتسابقوا في وضع تبرعات بالملايين، حتى كان التركيز عليهم إعلامياً واضحا، وكان السيسي قد أصدر قرارا بتعيين أمناء صندوق تحيا مصر، ومن بينهم رجل الأعمال نجيب ساويرس، ومحمد الأمين مالك قنوات سي بي سي، ومفتي الجمهورية السابق علي جمعة.
برلمان خادم للسلطة
كمحطة أخيرة، جاء القضاء ليسدل الستار على كل ما تبقى من ثورة 25 يناير، بإعلانه براءة المخلوع وابنيه ووزير داخليته وستة من مساعديه. وعلى الفور وبعد خروجه مباشرة، أعلن "أحمد عز" خوضه الانتخابات البرلمانية المقبلة لتقديم المساعدة لأهالي دائرته "السادات"، وسط فرحة من العاملين في مصنع الجوهرة للسيراميك أثناء لقائه بهم.
وكما هو معلن، أصبح أعضاء الوطني منتشرين في كافة الدوائر والمحافظات، ويعلقون الدعاية الخاصة بهم، مصرّين على دخول المعركة الانتخابية بكل قوتهم للفوز بأغلبية البرلمان. وتشهد محافظات الصعيد اجتماعات مكثفة لرجال الحزب للترتيب فيما بينهم لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، يدعمهم في ذلك نفوذهم المالي وانتماؤهم لعائلات قوية، وكذلك حالة التشرذم والتفرقة التي تعاني منها القوى السياسية، حتى إن بعض الأحزاب وضعت مصالحها الحزبية فوق مصلحة الثورة، وتسعى إلى ضم أعضاء من الحزب الوطني على قوائمها، لما لهم من نفوذ وخبرة ودهاء في إدارة المعارك الانتخابية.
*مصر