وتعتقد أطراف عديدة في تونس أن رجال الأعمال لا يساندون بالقدر الكافي جهود الدولة لإعادة التوازن للدورة الاقتصادية، بل يذهب كثيرون إلى اتهامهم باستغلال الأزمات من أجل الحصول على مكاسب إضافية. في حين يعتبر رجال الأعمال ذلك اتهاماً باطلاً، وأن القطاع الخاص تحمل خلال الفترة السابقة قدراً هاماً من الأعباء، وأن هناك حملة تشويه تدار ضده، وتقدمه في صورة سيئة، مما ستكون له انعكاسات خطيرة على مستقبل القطاع ووظيفتيه الاقتصادية والاجتماعية.
وفي آخر إطلالة إعلامية له، عاد رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى رأيه القديم الذي عبر عنه بعد ثورة 2011 مباشرة، وطالب من جديد بضرورة استرجاع "الأموال المنهوبة التي لم يستردّها الشعب"، وذلك من أجل توفير الموارد الضرورية لتمويل مجهود الحرب على وباء كورونا. واعتبر أن الوقت قد حان لفتح ملف "المال الفاسد الذي طغى على تمويل الانتخابات في بلادنا".
ما أن أتم قيس سعيد كلمته، التي افتتح بها اجتماع "مجلس الأمن القومي"، حتى توجست أوساط رجال الأعمال وتململوا وتخوفوا من احتمال أن تتعرض أموالهم ومؤسساتهم إلى المصادرة. وأن يقع تحميلهم لوحدهم مسؤولية مواجهة وباء كورونا أو يتهمون بخيانة الوطن والشعب. وهو ما دفع برئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان في اليوم ذاته، أوضحت فيه أنه "لم ترد في الخطاب أي إشارة إلى المصادرة"، وأعادت التذكير بتفاصيل المبادرة التي طرحت قبل ثماني سنوات.
رغم هذا التوضيح استمر الجدل حول هذه المسألة بالذات، لأنه منذ أن طرحها سعيد، بصفته الأستاذ الجامعي، تغيرت مياه كثيرة، وحصلت في الأثناء تسويات مختلفة، كانت آخرها مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، والتي صادق عليها البرلمان بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2017 تحت عنوان "قانون المصالحة الإدارية". وهو القانون الذي استفاد منه "الموظفون العموميون بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية". لكن مع ذلك سيبقي الملف مفتوحاً لأنه لم يشمل المئات من رجال الأعمال المحسوبين على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والذين لا يزالون مطالبين بإعادة القروض التي حصلوا عليها من دون ضمانات من بنوك الدولة، والتي قدرها البعض بحوالي 7 آلاف مليون دينار(أي ما يعادل 2,410,053,000 دولار أميركي) من البنوك العمومية، حصل عليها 127 رجل أعمال خلال المرحلة التي سبقت الثورة.
يعتقد الرئيس سعيد أن تحريك هذا الملف ممكن الآن، لكن المؤشرات الواقعية تقتضي التعامل معه بدقة متناهية، حتى لا تتعمق أزمة الثقة مع القطاع الخاص الذي يشكو من ضغوط كبيرة وتعرض لهزات واضحة خلال السنوات الأخيرة. لهذا السبب، حاول رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ امتصاص أزمة الثقة هذه، عندما أعلن عن رفضه "شيطنة رجال الأعمال"، وأكد أمام مجلس النواب أن تونس "في حاجة إلى رجال الأعمال اليوم وغداً، وسيتم التعويل عليهم في المستقبل بعد مرور الأزمة من أجل الاستثمار الخاص وتدارك نتائج أزمة فيروس كورونا، خاصة أن الوضع سيكون صعباً". كما دعاهم إلى "ضرورة الوقوف مع تونس".
لم يكتف الفخفاخ بطمأنة القطاع الخاص على مستوى الخطاب السياسي، وإنما اتخذ عدداً من الإجراءات المالية لصالح القطاع، مثل تعليق، وبشكل وقتي، تتبعات الجرائم المالية ودعم المؤسّسات الاقتصادية، خاصة منها الصّغرى والمتوسّطة والنّاشطين الاقتصاديين للحساب الخاص وأصحاب المهن الحرّة، الذين تضرروا من تباطؤ نشاطهم، وهو ما جعل اتحاد منظمة الأعراف تعبر عن ارتياحها، وتعلن أنّ مؤسّسات القطاع الخاص "ستعمل على دفع أجور أعوانها وموظفيها في هذه الفترة من العزل الصحّي الشامل"، وأنّها "ستسهر على عدم اللجوء إلى البطالة الفنية إلا عند الضرورة القصوى".
رغم أن عدداً من شركات القطاع الخاص تحركت في الفترة الأخيرة، وساهمت بتبرعات هامة لصالح دعم مجهود الدولة من خلال صندوق 1818 الذي أنشئ لهذا الغرض، إلا أن رئيس منظمة الأعراف سمير ماجول طالب بمنح رجال الأعمال إعفاءات وتخفيضات من الضرائب مقابل التبرع، نظراً لأوضاعهم المالية الصعبة، إلا أن وزير أملاك الدولة غازي الشواشي، من حزب "التيار الديمقراطي"، أجابه أن "على جميع الناس أن يدفعوا ما عليهم وخاصة الشركات الكبيرة". واعتبر أنّ "الإعفاءات من الضرائب تعني أنّ ما ستأخذه الدولة باليمين، ستعيده بيسارها إلى الجهة نفسها"، وأضاف أن "لا إمكانية لإجبار المؤسسات والشركات الكبيرة على الدفع".
كما أن الهجوم المضاد الذي قررته أجهزة الدولة ضد المحتكرين، الذين ازداد نشاطهم بكثافة خلال الأيام الأخيرة، والذين اعتبرهم رئيس الدولة "مجرمي حرب"، فتح الجدل للخوض مجدداً في معضلة التهرب الضريبي، الذي بلغ حسب بعض التقديرات، حدود الـ25 مليار دينار (أي ما يعادل تقريباً 8,607,333,448 دولارا أميركيا)، حسب تصريح لفيصل دربال، المستشار المالي السابق برئاسة الحكومة، أي (أكثر من نصف ميزانية الدولة، وكفيل بتسديد المديونية الخارجية).