للمرة الأولى، يفتح اتحاد الصناعات في مصر، الذي يضم كبار رجال الأعمال والمصنعين في البلاد، النار على البنك المركزي، وينتقد، بشدة، السياسة النقدية التي تنتهجها السلطات المصرية، وعدم تلبية البنوك لاحتياجات المستوردين من النقد الأجنبي، خاصة الدولار.
ويعد اتحاد الصناعات المصرية من أكبر منظمات الأعمال في مصر، وأقوى ممثل للمصنعين المصريين، حيث يتكون من 16 غرفة صناعية.
وليس هذا الهجوم الأول الذي يتعرض له البنك المركزي المصري والحكومة من جهة تمثل رجال الأعمال. فقد سبق أن تلقى انتقادات لاذعة من الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية.
لكن هجوم رجال الأعمال الداعمين للنظام ازدادت حدته مؤخرا، حتى إنهم أجبروا الحكومة على التراجع عن قرارات قالت إنها نهائية ولا رجعة فيها.
انتقادات لاذعة
انتقد محمد البهي، مسؤول المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات المصري، ما وصفه بإصرار هشام رامز، محافظ المركزي المصري، على عدم التراجع عن السياسات والإجراءات الأخيرة الخاصة بالدولار وسوق الصرف.
ولفت البهي إلى أن تصريحات رامز، مؤخرا، بشأن عدم التراجع عن سياسته النقدية والتضحية بالاحتياطي النقدي، بعد أن ارتفع إلى 20 مليار دولار لاستيراد سلع ترفيهية يكشف أن المركزي يعمل بشكل منفصل عن واقع الاقتصاد المصري.
وشدد البهي علي أن الصناعة تعاني منذ تطبيق السياسة النقدية الحالية من العجز عن استيراد الخامات اللازمة للإنتاج، ما انعكس سلباً على الصادرات الصناعية بنسبة 28% في المتوسط، وهي نسبة تصل إلى 40% في بعض القطاعات.
وأشار محمد البهي إلى أن اتحاد الصناعات المصرية يتلقى منذ تطبيق السياسات النقدية الجديدة الشكاوى من المصانع، بسبب عدم قيام البنوك بتدبير العملة لاستيراد الخامات اللازمة للإنتاج، مؤكدا أن هذه الشكاوى لا تشمل استيراد سلع ترفيهية أو أكل للكلاب.
ندرة الدولار
وكان اتحاد الصناعات المصرية قد أصدر مؤخرا بيانا شديدا يهاجم فيه السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي بخصوص عدم توفير الدولار، لكن محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصري، وهو من أكبر رجال الأعمال الداعمين للنظام الحالي، قال لـ"العربي الجديد" إن "البيان لا يمثل الاتحاد، ولا يعبر عنه، وإن مشاكل نقص الدولار محدودة".
وأضاف: "هناك تنسيق بيننا وبين البنك المركزي لتجاوز هذه المشاكل".
أما الدكتور شريف الجبلي، رئيس غرفة الصناعات الكيمائية باتحاد الصناعات، فأكد لـ"العربي الجديد" وجود مشاكل نقص الدولار في السوق، مشيرا إلى أن هناك تأخرا من البنوك في فتح الاعتمادات البنكية للمستوردين.
وأفاد بأن "بعض البنوك الكبيرة مثل البنك الأهلي المصري، أكبر بنك في البلاد، تكون لديها حصيلة جيدة من الدولار تساعد المستوردين، بينما هناك بنوك أخرى قد لا تمتلك نفس الحصيلة؛ وهو ما يسبب تأخير فتح الاعتمادات البنكية للمستوردين".
وأقر الجبلي أيضا بأن نقص الدولار يؤثر على استيراد المواد الخام اللازمة للمصانع.
رأيٌ أيده أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، حيث أكد وجود تأخير في تدبير احتياجات المستثمرين من العملة الصعبة والدولار نتيجة الظروف الاقتصادية الحالية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على استيراد المواد الخام اللازمة للمصانع، غير أنه رفض في الوقت نفسه إبداء رأيه بشأن السياسة النقدية الحالية لمصر، مكتفيا بالقول إن "مصر بحاجة إلى ثورة تشريعية وإجرائية".
سوابق
اللافت أن هجوم اتحاد الصناعات سبقه هجوم متواصل من اتحاد الغرف التجارية، الذي يمثل كبار التجار والمستوردين والمصدرين في مصر، ويضم أيضا عددا من رجال الأعمال الداعمين للنظام المصري الحالي. اتحاد الغرف غاضب من سياسة الحكومة المصرية في التعامل مع أزمات عدة.
اقرأ أيضاً: الجنيه المصري يخسر 7% في أول عام للسيسي
فقد هاجم الاتحاد الحكومة عدة مرات، الأولى بمناسبة فرض ضريبة جديدة على البورصة قبل أن تتراجع عنها السلطات المصرية بتأجيلها عامين.
وقال الاتحاد وقتها إن "الحكومة تسعى إلى فرض سياسات طاردة للاستثمار المحلي والأجنبي، وتسعى إلى فرض سياسات عفا عليها الزمن في العالم أجمع، وتعود بنا إلى عقود ماضية".
أما الهجوم الثاني، فكان موضوعه قرار الحكومة فرض رسوم وقائية على واردات الحديد، وهو القرار الذي رأى الاتحاد أنه "يخدم حفنة من المستفيدين".
ضغوط رجال الأعمال
تنبئ اللهجة الحادة لبيان المسؤول التنفيذي لاتحاد الصناعات، وقبلها اتحاد الغرف التجارية برفض رجال الأعمال الداعمين للنظام لسياساته الحالية، نتيجة الخسائر التي يتكبدونها بسبب هذه السياسات.
وفي حين أجبرت ضغوط رجال الأعمال الحكومة على التراجع عن بعض قراراتها، مثل ضريبة البورصة، فإنها تواصل، في المقابل، تقليص دعم الفقراء وتصعيد الإجراءات التقشفية.
في مجال الضرائب دائما، نجح رجال الأعمال الموالون للنظام في إجباره على إغلاق ملفات قضايا تهرب ضريبي عدة، كانت فتحت في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ومن المتورطين في هذه القضايا محمد الأمين، مالك قنوان "سي.بي.سي"، ونجيب ساويرس.
وأجبر رجال الأعمال النظام المصري الحالي أيضا على إغلاق ملف أراضي الدولة المنهوبة، الذي حاول حكومة هشام قنديل فتحه، قبل أن تقبره الحكومة الحالية بشكل نهائي.
الخسائر تؤجج الغضب
شن رجال الأعمال العاملون في القطاع السياحي أيضا هجوما على النظام المصري، متهمين إياه بعدم التنسيق معهم عند بلورة القرارات السياحية وإصدارها.
كما وصف عدد من رجال الأعمال، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، الإدارة الاقتصادية الحالية للبلاد بـ"الأسوأ على الإطلاق"، منتقدين عدم توفرها على رؤية لحل مشاكل المصنعين والتجار.
ورأى بعضهم، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنه "لا يمكن للحكومة الحالية والنظام الاستمرار في نهج نفس السياسات الحالية، خاصة مع تنامي خسائر الاقتصاد المصري وزيادة الديون وتراجع الاستثمارات، وهو ما يحتم على النظام الحالي تغيير سياسته حتى لا تشهد مصر ثورة ثالثة"، على حد تعبيرهم.
اقرأ أيضاً: 6 مشاريع "عملاقة" وهمية في العام الأول للسيسي