وساعدت الفوائض النفطية على تحقيق فائض في موازنة العام الماضي، 2013، بنحو 55 مليار دولار، ما أسهم في زيادة أصول الصندوق السيادي للمملكة، أقوى اقتصادات الشرق الأوسط، إلى ما يقارب 676 مليار دولار في نهاية العام الماضي، وفق تقديرات معهد صناديق الثروة السيادية الأميركي، وهو ما يجعل الحديث عن الفقر والنفط في المملكة العربية السعودية نوعاً من المفارقة.
إذ من شأن هذه الإيرادات النفطية المتدفقة، ولسنوات طويلة، أن يؤدي إلى تجربة تنموية عمادها الإنتاج، والانتقال من تصنيف الدول النامية إلى تصنيف أفضل، ولكن ذلك لم يحدث.
ويكتسب الاقتصاد السعودي العديد من السمات الخاصة بالاقتصادات النامية، من حيث الاعتماد على الاقتصاد الريعي، وتراجع نصيب القطاع الإنتاجي في الناتج المحلي الإجمالي، ومحدودية مساهمة الصناعات التحويلية كذلك في الناتج المحلي الإجمالي.
وفي نظرة للأرقام، نجد أن تقديرات البنك الدولي للناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية لعام 2012 بالأسعار الجارية بلغ 711 مليار دولار، ويزيد نصيب الفرد في المتوسط من الدخل القومي إلى 22 ألف دولار سنوياً، ولكن في الوقت نفسه تشير دراسات مجلس التعاون الخليجي إلى وصول معدلات البطالة في السعودية إلى 11%.
وتندر المصادر الرسمية المباشرة التي تتناول مشكلة الفقر في السعودية، ولكن من خلال قراءة الأرقام لبعض البنود التي يمكن من خلالها رصد مظاهر مشكلة الفقر هناك، نجد أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى نسبة فقراء في المملكة تصل إلى 25% من السعوديين، البالغ عددهم نحو 20 مليون مواطن.
وإذا كان الفقر نسبياً، ويختلف من بلد إلى آخر، لكن تبقى حاجات الإنسان الأساسية التي من دونها يعدّ فقيراً، ليس فقط فقر الدخل، ولكن هناك الفقر متعدد الأبعاد، الذي يعد مؤشراً مركّباً يضم جوانب العجز في مجالات التعليم والصحة والدخل.
ومن خلال مطالعة تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2013، نجد أنه لا يحوي أي بيانات عن الفقر في المملكة العربية السعودية، سواء ما يخص فقر الدخل أو فقر الإمكانات، على الرغم من أن التقرير يتناول كافة البيانات الأخرى عن المملكة، والتي جاء ترتيبها على مؤشر التنمية البشرية للعام نفسه في المرتبة 57 من بين دول العالم التي شملها التقرير وعددها 186 دولة.
ومن المفارقة أن الرقم الذي يمكن إسناده إلى جهة ويتعلق بالفقر في الدولة الخليجية الثرية، يخص تقريراً لوكالة الاستخبارات الأميركية، نقلت عنه جريدة الرياض السعودية، يقول إن نسبة الفقر في المملكة العربية السعودية في حدود 12.5%، وذلك عن بيانات عام 2003، أي قبل ما يزيد على عشر سنوات.
• شواهد على الفقر
من البيانات الموثّقة عن وجود الفقر في السعودية، ما جاء في بيان الموازنة العام للمملكة عن العام 2014، حيث جاء ضمن المخصصات مبلغ 29 مليار ريال سعودي (7.7 مليار دولار) لبرامج معالجة الفقر، والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، والضمان الاجتماعي.
وإذا كانت موازنة المملكة رصدت هذه الأموال لبرامج معالجة الفقر وغيرها من البرامج التي تقدم للمهمّشين في المجتمع السعودي، فمن الأجدر أن تنشر بيانات الفقر، من قبيل الشفافية، وحتى تتاح قراءة حقيقية لتداعيات الظاهرة اجتماعياً وسياسياً. ولكن، للأسف لا توجد أرقام منشورة من قبل المؤسسات السعودية، أسوة ببعض الدول العربية، حتى أن قاعدة بيانات البنك الدولي خلت من بيانات الفقر التي تخص المملكة العربية السعودية.
وتمثل مخصصات الموازنة لمواجهة برامج معالجة الفقر، والبرامج الأخرى التي يستفيد منها المهمشون اجتماعياً في المملكة، نسبة 3.3% من إجمالي الإنفاق للعام نفسه والبالغ 855 مليار ريال سعودي.
وحسب بيانات لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن أكثر من 1.5 مليون سعودي يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الوزارة.
والمعلوم أن معاش الضمان الاجتماعي لا يكون مقابل اشتراك، ولكنه يقدَّم لمَن تقصر إمكاناتهم عن الكسب، إذ تنحصر الفئات المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي بين المصابين بالعجز الكلّي، والأيتام، والنساء، وحاملي بطاقات التنقل.
وحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن معاش الضمان الاجتماعي يقدم للأفراد والعائلات حسب أعضائها، إذ لا يزيد عدد أفراد الأسرة المستفيدة عن 15 فرداً، فالأسرة المكوّنة من فرد واحد تحصل على مخصصات شهرية تبلغ 862 ريالاً، بينما الأسرة التي يصل عدد أفرادها إلى 15 فرداً فتحصل على 4840 ريالاً.
وتعتبر مكة من أكبر المناطق المستفيدة من برامج الضمان الاجتماعي بواقع 308 ألف حالة، تليها الرياض بواقع 218 ألف حالة، فيما تعدّ الحدود الشمالية للمملكة من أقل المناطق استفادة من برامج الضمان الاجتماعي بواقع 26 ألف حالة.
• تقويم برامج معالجة الفقر
تحتوي البرامج، التي تعدّها وزارة الشؤون الاجتماعية في السعودية لمعالجة الفقر، على صنفين، الأول استهلاكي بطبيعته مثل تأمين نفقات فواتير الكهرباء والمياه، وتوفير الحقائب المدرسية، والمساعدات الغذائية، والتأمين الصحي للفقراء، وتأثيث مساكن الفقراء.
أما الصنف الثاني، فهو مشروعات تقليدية مثل ماكينات الخياطة، وإعداد الوجبات المنزلية، أو توفير أكشاك للبيع في الأماكن العامة، وغير ذلك.
ويعاني سوق العمل السعودي من تشوّهات كبيرة، ففي الوقت الذي يعدّ فيه السوق السعودي من أكبر الأسواق لاستقبال العمالة الوافدة، يزيد عدد العاطلين من العمل، لعدم رغبة العمالة السعودية في القطاع الخدمي، والميل للعمل في القطاع الحكومي، وغياب العمالة المدربة على تلبية احتياجات السوق هناك.
وثمة أمر مهمّ يتعلق بعدالة توزيع الثروة، فالبيانات تشير إلى أن العوائد النفطية كافية لعيش كريم لكافة أفراد المجتمع السعودي الذي يصل عدد سكانه إلى 20.2 مليون نسمة.
كما أن الصناديق السيادية للمملكة لا تتوفر عنها بيانات كافية، وبالتالي يبقى الحديث عن عدالة توزيع الثروة في المملكة العربية السعودية غير وارد.
فضلاً عما تتخذه المملكة من توظيفات للإنفاق العام سياسياً، في المنطقة وخارجياً، فأخيراً قدمت السعودية نحو 5 مليارات دولار دعماً مادياً ونفطياً لمصر منذ عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز الماضي، كما تعهدت بشراء صفقة أسلحة لمصلحة الجيش اللبناني بواقع 3 مليارات دولار، تستورَد من فرنسا.
تبقى مشكلة الفقر في السعودية، مثل باقي الدول، تستلزم جهوداً حكومية ومجتمعية للتخفيف من حدّتها، وأن تستحضر الحكومة السعودية مسؤوليتها بشأن تنشيط سوق العمل وتبني سياسات اقتصادية من شأنها استيعاب العاطلين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكذلك توفير مزيد من الشفافية حول توزيع ثروة البلاد النفطية.
كما أن على المجتمع أن يغيّر من ثقافته تجاه العمل، وأن يؤهل أبناءه للدخول إلى سوق العمل بإمكانيات مناسبة، والتعامل مع العمل الحرفي والخدَمي بمفهوم إيجابي؛ ومن الأهمية بمكان أن تتعاون الحكومة والمجتمع في ربط مخرجات المؤسسات التعليمية باحتياجات سوق العمل.