رباعيات الشرق الأوسط والإرادة الغائبة

30 مارس 2017
+ الخط -
بدأت علاقتنا بالرباعيات في العالم العربي مع بداية الخمسينيات، عندما كتب أحمد رامي رباعياته الشعرية، مترجمة عن الفارسية، للشاعر عمر الخيام، ولحّنها رياض السنباطي، لتشدو بها أم كلثوم في العام 1951. استمتعت أجيال عديدة بتلك الرباعيات، وطربت لها مع موسيقى السنباطي، وصوت أم كلثوم.. وانتهى الأمر عند ذلك الحد، فلا معاني كلمات رامي ترسخت في وجداننا، ولا فلسفة الخيام علمتنا الحكمة، فما تعلمنا كيف نمشي الهوينى.. ولا أدركنا أن هذا الثرى الذى نمشي عليه، من أعين ساحرة الاحورار، وانتهى عصر رباعيات الخيام ورامي والسنباطي وأم كلثوم، عصر أطلق عليه كبار السن ممن شهدوه عصر الفن الجميل.
لحقت برباعيات الخيام، بكل زخمها الفني الجميل، رباعياتٌ أخرى عاشت بيننا زمناً أيضا، وهي رباعيات صلاح جاهين من الشعر العامي الذي انتشر مطبوعاً، وسماعيا عبر الأثير، ولاقت تلك الرباعيات أيضاً رواجاً كبيرا، لما تميزت به من طرافة، وخفة ظل، وفلسفة شعبية بسيطة، تبعث شيئا من البهجة في النفوس. ولكن أيضا ينتهي ذلك كله سريعاً، ولا يبقى منه شيء في الوجدان، أو ينعكس على السلوكيات، فلا الدنيا أصبحت هي الشابة.. ولا أنت أصبحت الجدع، كما قال جاهين.
ودار الزمن دورته، وانتهت أيام رباعيات الفن الجميل التي عاشها الشعب العربي في شرقه 
الأوسط، وهو غائب، أو مُغيَّب، عمّا يجرى على أرض الواقع، فلا الثرى الذي طلبته أم كلثوم بأن يمشي عليه الهوينى بقي من الأعين ساحرة الاحورار، بل من أشلاء ملايين الشهداء والضحايا ودمائهم في معارك التحرير، ولا الدنيا ما زالت شابة، والإنسان العربي هو الجدع، كما قال لنا جاهين، بل عجوزا بائسة، من قسوة القهر والظلم الذي عانى منه الإنسان العربي نفسه، وصحت الشعوب على رباعيات جديدة، ليست كالتي كانت تطرب لها، ولكنها رباعيات أخرى لتقرير مصير تلك الشعوب التي باتت رهن إرادة أعضاء تلك الرباعيات. وكانت البداية عام 2002 فى رباعية مدريد بشأن القضية الفلسطينية، باقتراح من رئيس الوزراء الإسباني في ذلك الوقت، خوسيه ماريا أثنار، وتكونت تلك الرباعية التي حملت أيضاً اسم رباعية السلام من أربعة أطراف، هم الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، بممثلين رفيعي المستوى من وزراء الخارجية، والمفوضية السامية للشؤون الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي، والمنسق الأممي الخاص للشرق الأوسط. وقد اختارت الرباعية مبعوثا خاصاً لها كان، في البداية، هو جيمس وولفنسون في عام 2004، ثم تم اختيار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، مبعوثاً خاصا للرباعية، في يونيو/ حزيران 2007، ومضى على تشكيل تلك الرباعية الدولية للسلام بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي ما يقرب من 15 عاماً، والأمل في السلام يزداد ابتعاداً.
وكانت القضية السورية، وثورتها، من أكثر القضايا التي شهدت رباعيات، فهناك رباعية روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، ثم رباعية مصر وإيران والسعودية وتركيا، والتي لم يتم تفعيلها، ورباعية بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا، وأخيراً رباعية روسيا وتركيا وإيران والأطراف السورية، والتي عقدت في أستانة أخيرا، وما زالت القضية السورية مشتعلة، وما زال الثرى السورى يرتوي بدماء الشهداء والضحايا من أبناء الشعب السوري.
ولأن كل تلك الرباعيات، على الرغم من كل ما شهدته من فشل، وما أحدثته من تردٍّ في
أوضاع الشعوب، لم تكن كافيةً للبحث عن سبل أخرى للحل، جاءت آخر الرباعيات، وهى رباعية ليبيا، والتي انطلقت من القاهرة، حيث مقر جامعة الدول العربية، وضمّت جامعة الدول العربية ممثلة بأمينها العام، أحمد أبو الغيط، والاتحاد الأفريقي ممثلا بجاكايا كيكوتي، والاتحاد الأوروبي ممثلا بفيديريكا موغيريني، والأمم المتحدة ومبعوثها مارتن كوبلر، وعقدت هذه الرباعية أول اجتماعاتها في مقر الجامعة في 18 مارس/ آذار الجاري، وانتهت بمؤتمر صحافي، وكالعادة طرح فيه المؤتمرون آمالهم الواسعة لتحقيق سلام ليبيا ووحدتها واستقرارها، وانتهى الأمر عند ذلك الحد.
.. هل ستبقى الشعوب العربية رهينة لمثل تلك الرباعيات العبثية، والتي بدأت بفكرة خبيثة من قوى دولية، بغرض تصفية قضايانا المصيرية، ذات الطابع الوجودي، قضايا الأرض، والشعب، والهوية، كما جرى الحال في القضية الفلسطينية، وقضايا الحرية، والكرامة، والعدالة، كما هو الحال في قضية ثورة الشعب السوري؟ وجاء الدور على الشعب الليبي، وحقه فى ضمان وحدة أراضيه، وشعبه، وتثبيت ثورته، فكان لا بد من ظهور رباعية جديدة تتصدّى لطموحات الشعب، وتعمل على إحباطها.
فكم من مثل تلك الرباعيات التي تُسوِّق الوهم، والخداع، يمكن أن تشهدها الأمة العربية، وهي على حالها من التمزّق، والضعف، وهشاشة نظم الحكم، وتهافتها على كراسي السلطة، وفي غيبة الإرادة الحرة للشعوب.. حتما سيدور الزمن دورته، وحتما ستنتصر الشعوب الحية.
دلالات
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.