رائحةُ الأمل
رائحةُ الأمل فاسدة
وتهبُّ من الحشائش.
لهذا لا أصدّق
أن رياضة المشي في غابة
تصنع جسماً سليماً وكاملاً
كأجسام الآلهة.
الأمل جيفةٌ مُلقاة
على الطريق
بعد أن شبع منها
ملَاكُ الموت الأصلع
وتمدّد مُتخماً وجَذلان
تحت ظلِّ شجرة.
أنا أَملي الوحيد
ستارةٌ بيضاء،
هل من هواءٍ شفيف
وعليل
يجرحُ القدمين؟
النوافذُ تُبدّل الفصول
والشّمس أبقى
من جميع الأحياء،
من كلّ الأجناس،
حتّى الكلاب.
بيوتُنا آلاتُ حصاد
بيوتُنا آلاتُ حصادٍ عملاقة
ترعَى في حقلٍ من الإسفلت
تحت سماء صيفيّة.
في الشّتاء،
تهجرُ العصافير مداخنَها
فوق السّطوح
ونحنُ من يُدفئُها ويُطعمها
حطبَ أنفاسنا البارد.
بيوتُنا تزرعُ أحلامنا في اللّيل
وتحصدُ غيابنا في النهار
ونحن نسرق غِلّتها كلّ مساء
من دون خجل
ونبيعُها في الأسواق
عاماً بعد عام.
لكنّها عندما تهاجر،
بعد آخرِ موسم حصاد،
إلى حقولٍ أخرى
تحت سماوات بعيدة،
ستتركُنا في الظّلام
نديرُ الرَّحى بأيدينا العارية
نطحنُ بأسف بالغٍ
ما تبقّى لنا من خرابِ
هذه الجدران
الّتي آمنتنا من خوف.
والنّواحي تبتعد
والنّواحي تبتعد.
النافذة في قعرِ غرفة
بلا قطرة ماءٍ واحدة.
حين أفتحها صباحاً
على هذا الجبل الصخريّ
الشّامخ والبعيد
تبدو المنازل كعربات الغجر
ترحلُ وهي تجتثّ معها الأشجار
والأثاث والملابس والأغاني
وكلّ أصناف الحيوانات.
في الغروب،
أرى قرميدها يلمعُ كالفوانيس
قبل أن تصعد في طريقها
إلى السّماء.
من الدّاخل،
قد لا يعكسُ زجاج النافذة
كلّ الحقيقة الّتي في الخارج،
ولكن ما يجتاحني،
وأنا أنظر من خلاله بحسرة،
لَشعور أليمٌ جدّاً ومُحيّر.
أنا هُنا حبيسُ نظرة وحيدة
من زاويةٍ ضيّقة
في هذه النّقطة المتناثرة
من لُعاب الكون،
بلا أيّ حيلةٍ أو قدرةٍ حتّى،
أوانَ الرحيل،
على اختيارِ ما
آخذه معي
وما سأتركُه هنا:
قيثارةٌ أو جاموس للحرث
هاتفٌ ذكيّ أو منجلٌ للحصاد
نعجةٌ حَلوب أو قصيدة.
قصائد بالنّيات
كنّا نكتبُ بيدٍ واحدة
صرنا نكتب بعشرة أصابع.
كنّا نلهو بكريّات دمنا الحمراء
على طاولة بلياردو
صرنا نتابع خطّ قذيفة البولينغ
مثل قطار أعمى
يتقدّم على سكّة الزمن
ويزمجرُ في الظّلام:
صفر واحد
واحد صفر
صفر واحد...
كنّا نرتجل موسيقى بلا نوتات
صرنا نرقصُ مع هدير الجوقة
نندسُّ في أولتراس العدم
بصدور عارية
ورؤوس حليقة
نَهيجُ ونردّدُ على وقع الطّبول
أهازيجنا المنسية
وشعارات حروبنا القديمة،
كنّا نقتسم الرّغيف مع العصافير
صرنا نقذف الجدران ببيضها الفاسد،
كنّا نكتب بلا ذاكرة
صرنا نقتلع شواهدَ القبور
نُلطّخها بالشّتائم،
كنّا لا نثق إلّا بحمّى الجسد
جُلوساً إلى طاولات باردة
في المَنشَط والمَكرَه
صِرنا ننقرُ فقط
على الزّجاج
متّكئين على الأرائك،
وقريباً
قريباً جدّاً
سنتوقّف جميعاً عن الكتابة
على الألواح والهواتف
ونرسل قصائدَ بالنيّات
من القلب إلى القلب
بلا وسيط،
من الأرضِ
إلى الفضاء الفسيح
سنكتفي فقط
بالتّخاطر عن بعد.
سوءُ الأحوال الجويّة
نحنُ جميعاً
عندما يسُوء الجوّ
ننسى
أين تقع الحديقة.
***
الرّعد
توقّف عن السّعال
لكن الغيوم
وصلت إلى الجوارب.
***
أُداوي سَأماً،
يأتي من مطر الخارج،
بكلمة واحدة :
أهلاً.
أداويه بلا مقابل
لأنه بلا مسكن
أو عائلة.
انظُر جيّداً
انظُر إليّ جيّداً.
أنا مثلك
ضاع عُمري إلّا أقلّه
في الخروج من السّكوت،
هذا المنجم الغنيّ بالكربون،
إلى فوضى نيّئةٍ بلا عَظم
والعكس،
لهذا من الأجدر بنا معاً
أن نترك حفلة الشّواء هذه
إلى فرصةٍ أخرى قادمة
رغم أنّه على الشاعر
أحياناً
أن يقتسم مع الغربان
ما يأكل.
سِيلفي مع الهاوية
تثاءَبي عصفورتي،
السّفينة لن تُقلع
من النهر.
ريثما يضعُ البحّارة
آخرَ اللّمسات على سَطحها
سنخرُج لنتنزّه قليلاً
على الرّصيف
ونأخذُ سِيلفي للذّكرى
مع الهاوية.
*شاعر مغربي
رائحةُ الأمل فاسدة
وتهبُّ من الحشائش.
لهذا لا أصدّق
أن رياضة المشي في غابة
تصنع جسماً سليماً وكاملاً
كأجسام الآلهة.
الأمل جيفةٌ مُلقاة
على الطريق
بعد أن شبع منها
ملَاكُ الموت الأصلع
وتمدّد مُتخماً وجَذلان
تحت ظلِّ شجرة.
أنا أَملي الوحيد
ستارةٌ بيضاء،
هل من هواءٍ شفيف
وعليل
يجرحُ القدمين؟
النوافذُ تُبدّل الفصول
والشّمس أبقى
من جميع الأحياء،
من كلّ الأجناس،
حتّى الكلاب.
بيوتُنا آلاتُ حصاد
بيوتُنا آلاتُ حصادٍ عملاقة
ترعَى في حقلٍ من الإسفلت
تحت سماء صيفيّة.
في الشّتاء،
تهجرُ العصافير مداخنَها
فوق السّطوح
ونحنُ من يُدفئُها ويُطعمها
حطبَ أنفاسنا البارد.
بيوتُنا تزرعُ أحلامنا في اللّيل
وتحصدُ غيابنا في النهار
ونحن نسرق غِلّتها كلّ مساء
من دون خجل
ونبيعُها في الأسواق
عاماً بعد عام.
لكنّها عندما تهاجر،
بعد آخرِ موسم حصاد،
إلى حقولٍ أخرى
تحت سماوات بعيدة،
ستتركُنا في الظّلام
نديرُ الرَّحى بأيدينا العارية
نطحنُ بأسف بالغٍ
ما تبقّى لنا من خرابِ
هذه الجدران
الّتي آمنتنا من خوف.
والنّواحي تبتعد
والنّواحي تبتعد.
النافذة في قعرِ غرفة
بلا قطرة ماءٍ واحدة.
حين أفتحها صباحاً
على هذا الجبل الصخريّ
الشّامخ والبعيد
تبدو المنازل كعربات الغجر
ترحلُ وهي تجتثّ معها الأشجار
والأثاث والملابس والأغاني
وكلّ أصناف الحيوانات.
في الغروب،
أرى قرميدها يلمعُ كالفوانيس
قبل أن تصعد في طريقها
إلى السّماء.
من الدّاخل،
قد لا يعكسُ زجاج النافذة
كلّ الحقيقة الّتي في الخارج،
ولكن ما يجتاحني،
وأنا أنظر من خلاله بحسرة،
لَشعور أليمٌ جدّاً ومُحيّر.
أنا هُنا حبيسُ نظرة وحيدة
من زاويةٍ ضيّقة
في هذه النّقطة المتناثرة
من لُعاب الكون،
بلا أيّ حيلةٍ أو قدرةٍ حتّى،
أوانَ الرحيل،
على اختيارِ ما
آخذه معي
وما سأتركُه هنا:
قيثارةٌ أو جاموس للحرث
هاتفٌ ذكيّ أو منجلٌ للحصاد
نعجةٌ حَلوب أو قصيدة.
قصائد بالنّيات
كنّا نكتبُ بيدٍ واحدة
صرنا نكتب بعشرة أصابع.
كنّا نلهو بكريّات دمنا الحمراء
على طاولة بلياردو
صرنا نتابع خطّ قذيفة البولينغ
مثل قطار أعمى
يتقدّم على سكّة الزمن
ويزمجرُ في الظّلام:
صفر واحد
واحد صفر
صفر واحد...
كنّا نرتجل موسيقى بلا نوتات
صرنا نرقصُ مع هدير الجوقة
نندسُّ في أولتراس العدم
بصدور عارية
ورؤوس حليقة
نَهيجُ ونردّدُ على وقع الطّبول
أهازيجنا المنسية
وشعارات حروبنا القديمة،
كنّا نقتسم الرّغيف مع العصافير
صرنا نقذف الجدران ببيضها الفاسد،
كنّا نكتب بلا ذاكرة
صرنا نقتلع شواهدَ القبور
نُلطّخها بالشّتائم،
كنّا لا نثق إلّا بحمّى الجسد
جُلوساً إلى طاولات باردة
في المَنشَط والمَكرَه
صِرنا ننقرُ فقط
على الزّجاج
متّكئين على الأرائك،
وقريباً
قريباً جدّاً
سنتوقّف جميعاً عن الكتابة
على الألواح والهواتف
ونرسل قصائدَ بالنيّات
من القلب إلى القلب
بلا وسيط،
من الأرضِ
إلى الفضاء الفسيح
سنكتفي فقط
بالتّخاطر عن بعد.
سوءُ الأحوال الجويّة
نحنُ جميعاً
عندما يسُوء الجوّ
ننسى
أين تقع الحديقة.
***
الرّعد
توقّف عن السّعال
لكن الغيوم
وصلت إلى الجوارب.
***
أُداوي سَأماً،
يأتي من مطر الخارج،
بكلمة واحدة :
أهلاً.
أداويه بلا مقابل
لأنه بلا مسكن
أو عائلة.
انظُر جيّداً
انظُر إليّ جيّداً.
أنا مثلك
ضاع عُمري إلّا أقلّه
في الخروج من السّكوت،
هذا المنجم الغنيّ بالكربون،
إلى فوضى نيّئةٍ بلا عَظم
والعكس،
لهذا من الأجدر بنا معاً
أن نترك حفلة الشّواء هذه
إلى فرصةٍ أخرى قادمة
رغم أنّه على الشاعر
أحياناً
أن يقتسم مع الغربان
ما يأكل.
سِيلفي مع الهاوية
تثاءَبي عصفورتي،
السّفينة لن تُقلع
من النهر.
ريثما يضعُ البحّارة
آخرَ اللّمسات على سَطحها
سنخرُج لنتنزّه قليلاً
على الرّصيف
ونأخذُ سِيلفي للذّكرى
مع الهاوية.
*شاعر مغربي