رئيس مؤقت

20 يناير 2015
رئيس الـ 24 ساعة فؤاد المبزع / Getty
+ الخط -

يستطيع الشعب التونسي أن يسجّل في التاريخ إنجازاً عربياً، وهو الانتخابات الديمقراطية بإرادة الشعب. هذا المشهد الذي ميّز نفسه منذ بداية الثورة، والذي تمتع بمراحل سياسيّة كثيفة، منها منطقيّ، ومنها غريب، ومنها يعتبر ذكرى سياسيّة يتوقف عندها المواطن بابتسامة، مثل قصة رئيس الـ24 ساعة، أي محمد الغنوشي وفؤاد المبزع.

مرّة أخرى يخسر العرب أمام الغرب، إذ لم يستطيعوا أن يسجلوا براءة اختراع "رئيس الـ24 ساعة". سجّلت هذه الظاهرة في الغرب للرئيس الأميركي دايفد أتشيسون عام 1849، أي قبل 100 عام من تسجيل نفس الحدث باسم سامي الحناوي في إدلب. تقول الرواية إن استلام دايفد أتشيسون (رئيس مجلس الشيوخ آنذاك) الحكم، سببه تأخر زاكاري تايلور في استلام الحكم من نظيره جيمس بوك، لمصادفة تحديد تسلم الحكم، ظُهر يوم الأحد 4 فبراير/شباط، أي في عطلة نهاية الأسبوع، فلم يلقِ القسم إلا ليوم الإثنين 5 فبراير/شباط. وفي هذه الحالة، وبحسب القانون الأميركي، يستلم رئيس مجلس الشيوخ الحكم فور نهاية حكم الرئيس، إذا لم ينتخب رئيس آخر مباشرة، وبالتالي يكون قد استلم دايفد أتشيسون الحكم لمدة 24 ساعة.

ينعم التاريخ العربي بمراحل سياسية عديدة على مساحة الوطن العربي أجمع، مماثلة لقصة الرئيس السابق محمد الغنوشي وفؤاد المبزع، ربما أهمّها في العراق وسورية، أمثال سامي الحناوي الذي كسب لقب "الرئيس" لمدة 24 ساعة عام 1949، إثر الانقلاب العسكري على حسني الزعيم في إدلب.

استمر عرض مسلسل "الرئيس المؤقت" ثلاث سنوات في سورية، من دون توقف. ومن أبرز حلقاته الدرامية تسلّم أديب الشيشكلي الحكم في 2 ديسمبر/كانون الأول عام 1951 إلى 3 ديسمبر/كانون الأول عام 1951. ومن بعده تسلّم فوزي السلو من 3 ديسمبر/كانون الأول عام 1951 إلى 11 يوليو/تموز عام 1953. هنا يمكن مقاربة تجربة فوزي السلو بالمرزوقي، فالاثنان تسلما الحكم في ديسمبر، واستمرا في الحكم ثلاث سنوات، وطبعاً يمكن طبع تجربة الحناوي والشيشكلي والغنوشي في بطاقة تهنئة واحدة على إكليل من الورد وإهدائه إلى كرسي الجمهورية. استمر مسلسل "الرئيس المؤقت" إلى 26 فبراير/شباط عام 1954. واستطاع مأمون الكزبري أن يميّز نفسه كرئيس، وأن يصمد 48 ساعة في الحكم بدلاً من الـ24، أمثال الشيشكلي قديماً والغنوشي حديثاً.

هذه هي المفارقة بين تونس وسورية، على صعيد انتقال كرسي الرئاسة عبر التاريخ، في تونس تمّ تسليم الحكم بسلام، من دون أي عنف سياسي خارج عن القانون، بينما في سورية كان انتقال الحكم يتطلب اغتيالا أو إعداما. المرزوقي خسر الانتخابات وسلم الحكم للسبسي ديمقراطياً. لا شك أن هذه المراحل السياسية المتشابهة تستدعي الجملة الأبرز في التاريخ السياسي العربي، ألا وهي "التاريخ يعيد نفسه".

المساهمون