يكشف رئيس برلمان كردستان، يوسف محمد صادق، في لقاء مع "العربي الجديد" أثناء تواجده في العاصمة البريطانية لندن، تفاصيل عن رفض رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني التخلّي عن السلطة، ويربط الأمر بتعطيل مسيرة الإقليم. ويتحدث عن ضرورة تطوير البنى التحتية قبل إجراء استفتاء أو إعلان دولة، مؤكداً حق مكوّنات الشعب العراقي المختلفة في تقرير مصيرها.
-يشهد إقليم كردستان أزمة سياسية وقانونية، حول قانون رئاسة الإقليم وذلك بعد انتهاء ولاية مسعود البرزاني، ما أدّى إلى ظهور خلافات بين الأطراف السياسية، وأبرزها إبعادكم عن رئاسة البرلمان وفصل وزراء تابعين لحركة "التغيير" (كوران). ما الذي يجعل عملية انتخاب رئيس إقليم جديد متعثّرة؟
نعم هناك أزمة سياسية مستعصية في إقليم كردستان، تتعلٌق برفض الرئيس مسعود البرزاني التخلّي عن كرسي الرئاسة ومنع البرلمان من القيام بمهامه التشريعية والرقابية في الآونة الاخيرة. لم نُستبعد عن البرلمان بصورة قانونية وشرعية بل منعتنا قوّات مسلّحة تابعة للحزب "الديمقراطي الكردستاني" من دخول العاصمة أربيل، بأمر من رئيسه وقياداته. وتعجز المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات عن إجراء انتخابات في الإقليم بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الرّاهنة. لذلك طرحت الكتل البرلمانية الخمس مشروع تعديل قانون رئاسة الإقليم، للتمكّن من انتخاب رئيس للإقليم عن طريق البرلمان. لكن البرزاني يرفض التخلّي عن السلطة أو انتخاب رئيس جديد للإقليم، على الرّغم من انتهاء ولايته الثانية في عام 2013، وهو لا يمتلك الحق من الناحية القانونية بانتخاب نفسه مرّة أخرى لرئاسة الإقليم، ولذلك منع البرلمان من الانعقاد حتى لا يسمح بتعديل القانون وانتخاب رئيس جديد لكردستان.
-ثمّة من يعتبر أنّ الإصرار على رحيل البرزاني يأتي بضغط من إيران. كيف تردّون على ذلك؟
إنّها قضية شرعية وقانونية ومسألة مرتبطة بالقيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وقد تحبّذ بعض الدول المجاورة بقاء شخص معيّن على سدّة الحكم في كردستان ولكن هذا شأن داخلي.
-أعلن المنسّق العام لحركة "التغيير" نوشيروان مصطفى، إصرار حركته على استخدام الضغط للقيام بإصلاحات جذرية في كافة المجالات في الإقليم. أي نوع من الضغوط قد تمارسها الحركة ومن يعرقل عملية الإصلاحات؟
لدى حركة "التغيير" المتحدّث الرسمي باسمها، وأنا الآن أمثّل رئاسة برلمان الإقليم. ولكن بالنسبة للإصلاحات، فمن الضروري إجراء إصلاحات حقيقية في كافّة المجالات خصوصاً السياسية والاقتصادية، لأنّ مبادئ الديمقراطية تراجعت بشكل كبير سياسياً في إقليم كردستان. وينبغي أن تُناقش القضايا المختلف عليها بين الكتل البرلمانية تحت قبّة البرلمان، لأنّ تلك الكتل هي الممثل الشرعي للشارع الكردي. أمّا في ما يتعلّق بالناحية الاقتصادية، فهناك ضرورة ماسّة وملحّة لإجراء إصلاحات كبيرة من محاربة الفساد إلى التخطيط لاقتصاد متعدّد الموارد، لا يعتمد على الموارد النفطية فقط، بل تطوير البنية التحتية للإقليم والقطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة. ويبقى البرلمان حجر الزاوية في إجراء إصلاحات جذرية لأنّه الجهة الوحيدة المخوّلة بتشريع الرقابة. وسنضغط لإجراء إصلاحات وهناك ضغط من الشارع الكردي على الأحزاب والسلطات الحاكمة في الإقليم للقيام بذلك، إضافة إلى وجود سخط جماهيري كبير.
-حذّر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير من إجراء أي استفتاء بشأن إقليم كردستان العراق. بينما أعلن البرزاني في وقت سابق أنّ الوقت والظروف ملائمان لإجراء استفتاء حول استقلال الإقليم. كيف تعلّق على ذلك؟ وهل هناك فرصة فعلية أمام الاستقلال الكردي؟
هنالك آمال كبيرة من قِبل الشعب الكردي أن يقرّر مصيره بنفسه، ولكن لا يجوز أن يكون الكلام عن الاستقلال أو تقرير المصير، لغايات الاستهلاك المحلي والتغطية على المشاكل السياسية والاقتصادية الموجودة الآن في إقليم كردستان. هناك قناعة لدى البعض في الإقليم بأنّ البرزاني يثير مسألة الاستفتاء في الوقت الحالي للتغطية على تلك المشاكل، وأي حلّ مستقبلي للإقليم يجب أن يكون عن طريق الحوار مع حكومة بغداد. ويعاني العراق من أزمات هيكلية في علاقته مع المكوّنات المختلفة والتعايش السلمي بينها، وهذه الأزمات والصراعات الدموية المتتالية في العراق، أدّت إلى خلق فراغ كبير، قد تملأه الجماعات الإرهابية، كما يحدث الآن مع سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي على محافظات بأكملها في العراق. لذلك يجب أن يكون هناك حوار ومصارحة من كلّ الأطياف لإيجاد آلية أخرى للتعايش بين المكوّنات المختلفة وإيجاد دولة تحترم حقوق مواطنيها، أو ينبغي طرح كافّة السيناريوهات على طاولة الحوار ومن ضمنها فيدرالية أو كونفدرالية أو حتى استقلال هذه المكوّنات وعلاقة حسن الجوار بينها.
-هل يعني ذلك أنّ مسألة الاستفتاء يجب أن تأتي بعد اجراء الإصلاحات اللازمة وتسوية الخلافات القائمة، والوقت الآن غير مناسب لذلك؟
نعم يجب أن تكون لدينا بنية تحتية، ومؤسّسات مشروعة، جرى تعطيل البرلمان ومنع الرئيس المنتخب من الشعب من دخول أربيل، فكيف يمكن إعلان دولة في ظلّ هذه الظروف؟
اقرأ أيضاً: كردستان العراق... سباق حزبي على "المشاريع الإصلاحية"
-أعلنت منظّمة العفو الدولية، أنّ القوات الكردية تقوم بعمليات منظّمة لتدمير المنازل من دون مبرّر عسكري وتهجير السكّان من محافظات نينوى وكركوك وديالى. لكن قيادات كردية نفت تلك الاتّهامات. ما هي حقيقة الأمور برأيك؟ وكيف ستشاركون في عملية تحرير الموصل من "داعش"؟
في كل الصراعات الدموية الماضية بين الشعب الكردي والحكومات العراقية المتلاحقة، لم تكن هناك أية نيّة من قِبل الشعب الكردي وقواه للانتقام من الآخرين، بعد كل الجرائم التي ارتكبت بحقّه. ويجب التحقيق في هذه الاتّهامات. ولا نحبّذ في إقليم كردستان الانتقام من أي مجموعة سكّانية، وعلى النقيض من ذلك، دافعت قوّات البشمركة عن كافة المكوّنات في مدينة كركوك وضواحيها من أية هجمات إرهابية مثل هجمات "داعش". وكما تعلمون فالموصل اليوم خالية من المسيحيين تماماً بسبب وجود "داعش"، ولكن في كركوك يعيش بسلام كلّ من العرب والسنّة والتركمان والآشوريين، في ظلّ سيطرة قوّات البشمركة على هذه المناطق. لكن إن كانت هناك أعمال فردية، فينبغي التحقيق بشأنها وأن يكون للقضاء كلمته للحكم عليها.
-النزاعات الكردية الداخلية وصلت إلى أوروبا، التي باتت تعلم بالمشاكل في كردستان. كيف يؤثّر ذلك على علاقات كردستان الدولية والإقليمية ومصير الإقليم بشكل عام؟
نحن نضغط باتجاه مساندة المجتمع الدولي، لبناء نظام ديمقراطي في إقليم كردستان، وإرجاع المسيرة السياسية فيه إلى طريقها الصحيح، لأنّ الاستقرار في أية منطقة من مناطق الشرق الأوسط يؤثّر على السلم والأمن الدوليين وعلى الاستقرار في المجتمع الدولي أيضاً. ورأينا أنّ الوضع في سورية والعراق أدّى إلى بروز تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي هدّد الأمن والسلم الدوليين، لذلك نحن نسعى إلى الحصول على دعم دولي، لبناء نظم ديمقراطية ليس فقط في إقليم كردستان بل في المنطقة بأسرها، لأنّ غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانتهاك حقوق المواطنين ووجود الفساد، من أهم أسباب بروز الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. التعامل الأمني والعسكري مع الجماعات الإرهابية مهم جداً في الوقت الحالي ولكن يجب أن نفكّر جلياً وجدّياً في مسبّبات الإرهاب وأن نساند المجتمع الدولي في عملية إصلاحات جذرية في المنطقة.
- يبدو أن التعامل الاقتصادي الكردي مع بعض الدول يؤثّر سلباً على العلاقات مع حكومة العراق. أين تصبّ مصلحة كردستان ومع أي طرف؟ وما هي حقيقة الصفقات التي تعقدها حكومة الإقليم مع تركيا؟
للعراق ولإقليم كردستان مصلحة، في وجود علاقات اقتصادية بين الأطراف المختلفة وعلاقة حسن جوار بين العراق وإقليم كردستان بصورة عامّة وتركيا وإيران والدول الأخرى المجاورة. نعم هناك علاقات تجارية واسعة بين الإقليم وإيران وتركيا، ولكن مع الأسف الشديد بعض الصفقات مع هذه الدول ذات طابع حزبي أكثر مما هو طابع حكومي، مثلاً إبرام اتفاقية مدّتها خمسون عاماً، لم تفصح الحكومة عن ماهيّتها على الرّغم من ضغط البرلمان الكبير عليها للكشف عن هذه الصفقة، بيد أنّها بقيت لغاية الآن سرّية.
-ما تعليقكم على كلام وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن "وجود أدلة مقلقة للغاية على التنسيق بين القوات الكردية السورية والنظام السوري وسلاح الجو الروسي"؟
أثبت أكراد سورية جدارتهم في محاربة التنظيمات الإرهابية، ويشكّلون القوّة الأساسية على الأرض التي تحارب الجماعات الإرهابية والتي استطاعت تطهير مدن بأكملها من الإرهاب أكثر من أية جماعة أخرى في سورية، لذلك أكراد سورية الآن هم شركاء المجتمع الدولي في الحرب ضدّ تنظيم "داعش"، وصحيح هنالك علاقات وطيدة بين القوّات الكردية وروسيا وهناك أيضاً تنسيق مع القوّات الأميركية.
-ما الذي يقلق بريطانيا إذاً؟
لم أسمع بأي قلق، خلال زيارتي الأخيرة لبريطانيا ولقائي مع المسؤولين البريطانيين من الحكومة ومن البرلمان البريطاني.
-كيف ترى دور حزب "الاتحاد الديمقراطي" في الصراع السوري، وما تعليقكم على طلب الأتراك وضعه على لائحة الإرهاب؟
هنالك قلق حقيقي في الشارع الكردي من المواقف الأخيرة لدولة تركيا تجاه أكراد سورية، لأنّه ينبغي أن تساند تركيا الأكراد في سورية في حربهم ضدّ الجماعات الإرهابية وليس العكس، يعني لا يمكن ضرب هذه القوّات التي تحارب الجماعات الإرهابية.
-ما تعليقكم على المطالب بإقامة حكم ذاتي للآشوريين في العراق؟ وهل هناك أمل بقيام هكذا حكم؟
للآشوريين الحق في ذلك وفق الدستور العراقي ووفق قانون شرّعناه في الدورة الأخيرة لبرلمان الإقليم، يتعلّق بحقوق المكوّنات المختلفة في إقليم كردستان. يعني من حقّ الآشوريين والتركمان والعرب والأكراد في المناطق المتنازع عليها، أن يقرّروا بأنفسهم مصيرهم في البقاء في مناطق العراق أو الانضمام إلى إقليم كردستان أو الانضمام إلى الإقليم بوضع خاص كحكم ذاتي أو بأي شكل يختارونه ولهم الحق بذلك ويجب إقرار هذا الحق.
اقرأ أيضاً: سباق انفصال إقليم كردستان: الاستفتاء قبل الانتخابات الأميركية