كشفت مصادر مصرية وسودانية عن زيارة رفيعة المستوى لوفد مصري إلى الخرطوم الأسبوع المقبل، في إطار مساعٍ مصرية حثيثة لتعزيز العلاقات مع الجارة الجنوبية السودان، للوصول إلى مزيد من التنسيق في المواقف، خصوصاً بشأن أزمة سدّ النهضة الإثيوبي.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنه من المقرّر أن يقود رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وفداً وزارياً كبيراً مطلع الأسبوع المقبل لزيارة الخرطوم ولقاء عدد من المسؤولين هناك، في مقدمتهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وأضافت أنّ الزيارة تهدف إلى تنشيط الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات والاتفاقيات بين البلدين، موضحةً أنّ الوفد المصري سيضم كلاً من وزير الري محمد عبد العاطي، ووزير الكهرباء محمد شاكر، ووزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، بالإضافة إلى وزير الخارجية سامح شكري، ووزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا. وأشارت المصادر إلى أنه من المقرر أن يتم التباحث بشأن تنشيط وتفعيل الاتفاقيات الخاصة بمشروع الربط الكهربائي بين البلدين، واتفاقيات وبروتوكولات متعلقة بالتبادل التجاري في مجالات اللحوم والمنتجات الزراعية.
من المقرر أن تتضمن الزيارة تقديم الحكومة المصرية مجموعة من المحفزات لنظيرتها السودانية
وقال أحد هذه المصادر إنّ الهدف الأساسي من الزيارة هو قطع الطريق على من وصفها بـ"قوى داخلية تريد استغلال الظرف الحالي" الخاص بتأزم ملف سدّ النهضة، والضغط على القاهرة لتحريك ملف مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين البلدين. وأشارت المصادر إلى أنّه من المقرر أن تتضمن الزيارة تقديم الحكومة المصرية مجموعة من المحفزات لنظيرتها السودانية، بشكل يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للجانب السوداني، بالإضافة إلى أنه من المقرر أن يتم الاتفاق على مجموعة من التسهيلات الخاصة بتنقل المواطنين بين البلدين.
من جهته، كشف مصدر سوداني رفيع المستوى أنّه من المقرر أن تتخلل الزيارة مباحثات على مستوى وزيري الري والمياه في البلدين، بشأن مستقبل مياه النيل، وحصص البلدين، في ظلّ المسار المتعثر للمفاوضات مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة. وقال المصدر إنّ الوزيرين سيبحثان جانباً متعلقاً بالاتفاقية الثنائية بين البلدين والموقعة عام 1959، والخاصة بالانتفاع بمياه النيل، لافتاً إلى أنه حال تمسكت أديس أبابا بضم المباحثات بشأن الحصص المائية، مع الاتفاق الخاص بتشغيل وملء خزان سدّ النهضة، فإنه سيكون على الخرطوم والقاهرة الرجوع إلى نصّ الاتفاق بينهما، والخاص بتنظيم تقاسم المياه.
وأوضح المصدر أنّ الباب الخامس من اتفاقية 1959 ينصّ على أنه "عندما تدعو الحاجة إلى إجراء أي بحث في شؤون مياه النيل مع أي بلد من البلاد الواقعة على النيل خارج حدود الجمهوريتين، فإن حكومتي جمهورية السودان والجمهورية العربية المتحدة (مصر حالياً) تتفقان على رأي موحد بشأن ذلك بعد دراسة من قبل هيئة فنية متفق عليها، ويكون هذا الرأي هو الذي تجري الهيئة الاتصال بشأنه مع البلاد المُشار إليها". كما ينص البند 2 من الباب الخامس من الاتفاقية ذاتها على أنه "نظراً إلى أنّ البلاد التي تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب في مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سوياً مطالب هذه البلاد ويتفقا على رأي موحد بشأنها، وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أي كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر، فإن هذا القدر محسوباً عند أسوان يخصم مناصفة بينهما".
وحول ما إذا كان ضمن أجندة اللقاء التطرق إلى ملف الحدود بين البلدين، والمناطق المتنازع عليها وتحديداً حلايب وشلاتين، استبعد المصدر أن يكون هناك أي مشاورات مباشرة في هذا الملف في الوقت الراهن، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ الأمر لن يتجاوز الإشارات بين الجانبين، والرسائل الضمنية. وكانت مصادر مصرية كشفت في وقت سابق لـ"العربي الجديد" عن مشاورات بين مصر والسودان، بشأن ملف حلايب وشلاتين، في ظلّ ما تصفه دوائر مصرية بتصعيد خطير وغير مبرر لهذا الملف في الوقت الراهن.
وقالت المصادر إنّ دوائر سياسية في السودان تتحرّك بشكل مكثف في ملف مثلث حلايب وشلاتين، مضيفة أنّ "دوائر سيادية مصرية قدمت تقريراً لرئاسة الجمهورية بضرورة التعامل الجدي والسريع مع التحركات السودانية التي بدأت تأخذ طابعاً دوليا". وتابعت: "حلايب وشلاتين ستكون ملف الساعة خلال الفترة القريبة المقبلة وذلك بسبب عملية تسخين من أطراف سياسية سودانية".
توجيهات صارمة لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة، بتجنّب التعليق على تصريحات إثيوبية
وفي سياق ملف سدّ النهضة، قالت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، إنّ تعليمات من جهات سيادية، في إشارة إلى أجهزة مخابراتية تدير ملف الإعلام، أعطت توجيهات صارمة لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة، بتجنّب التعليق على تصريحات إثيوبية متكررة خلال الأيام القليلة الماضية، والاكتفاء بالموقف الرسمي الذي يصدر عن جهات مصرية "حتى إشعار آخر"، وذلك لتجنّب أي تصعيد في هذا الملف. وأضافت، أن هذا يأتي في إطار "التفهم المصري" للموقف الداخلي الإثيوبي، قبل الانتخابات التي تجري هناك.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، قد أكّد أن لا مشكلة لبلاده في أن تستفيد مصر من مياه النيل، لكن الأزمة تظهر عندما تحاول القاهرة "احتكار النهر"، على حدّ تعبيره. وقال مفتي في حوار مع صحيفة "إثيوبيان هيرالد"، أول من أمس الثلاثاء، إنّ "إثيوبيا هي مصدر نهر النيل، وأكثر من 86 في المائة من مياه النهر تنبع منها. هذه هي ثروة إثيوبيا الطبيعية، وهذا يؤكد منطقياً حقها الكامل في استخدام مواردها المائية". وتابع "هذا النهر عابر للحدود؛ يتدفق إلى السودان وكذلك مصر. ونحن نحترم القواعد والقوانين التي تحكم موارد المياه العابرة للحدود، وهذه القواعد والمبادئ متسقة، بمعنى أنها تدعو إلى الاستخدام العادل للموارد. وفي هذه الحالة نعتقد أنه بقدر ما يحق لمصر استخدام نهر النيل، يحق لإثيوبيا أيضاً"، معتبراً أنّ "إثيوبيا لم تستخدم النهر بينما كانت مصر تستخدم المياه بشكل فعال لسنوات عدة".
وأضاف: "ليست لدينا مشكلة لأنّ مصر تستفيد منها، تظهر المشكلة عندما تحاول مصر المطالبة باحتكار نهر النيل وهو أمر مستحيل، إذ يحق لجميع البلدان المتشاطئة استخدام هذا المورد الطبيعي. وبالتالي فإنّ ادعاء الاحتكار ليس صحيحاً. ما يدعيه الآخر بحقه التاريخي الذي منحه إياه الاتفاق الاستعماري هو أيضاً لا يصلح، لأن هذا لا يتطابق مع حس الإنصاف والعقلانية. وبالتالي فإننا لا نفكر أبداً في فكرة الاحتكار، نحن بالأحرى ندافع عن العقلانية والإنصاف عندما يتعلق الأمر باستخدام نهر النيل".
وحول ما إذا كانت مصر تشرع في الوقت الحالي في مشاريع جديدة تمكّنها من توسيع نطاق عملها لاستغلال نهر النيل، قال مفتي: "في الأساس، يمكن لمصر استخدام النهر لأي غرض أو مشروع طالما أن ذلك لا يتعارض مع مصالح وحقوق الآخرين. نحن ندافع دائماً عن نهج المكسب للجميع عندما لا يرفض الحق المشروع للطرف الآخر، ومصر يمكنها تطوير أي مشروع على نهر النيل لأي غرض، لكن المشكلة قد تظهر عندما يتعلق الأمر بفائدة إثيوبيا". وقال مفتي إنّ الدول الثلاث؛ مصر وإثيوبيا والسودان "هي دول أفريقية ونهر النيل هو أيضاً نهر أفريقي، ومن ثمّ، فإنّ الخلاف بين هذه الدول على النهر يجب أن يعالج ويحل من قبل الأفارقة. فهذا إطار أفريقي ويحتاج إلى عملية أفريقية، ونأمل أن يساعدنا هذا النهج في التغلب على أي مشكلة".