رئيس الحكومة اللبنانية يهاجم ساسة "الهدر والفساد" على وقع التظاهرات

13 يونيو 2020
مسيرات شعبية حاشدة استبقت كلمة دياب (حسين بيضون)
+ الخط -
تزامناً مع مسيرات شعبية حاشدة تحت عنوان "لا لحكومات المحاصصة، نعم لحكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية"، شنّ رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب هجوماً لاذعاً على من وصفهم بساسة "صفقات الهدر والفساد"، محاولاً النأي بنفسه عن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلد وتوشك أن تؤدي إلى الانهيار الشامل.
وقال دياب إنّ "الحكومة حققت الكثير ولكنهم يريدون طمس الحقائق بعد أن دمروا كل شيء وغادروا على عجل"، في إشارة إلى منتقديه. ورأى أنّ "حملات التشويه والتحامل على الحكومة لم تتوقف منذ أن تألفت". وتابع "صمتنا كثيراً واستمعنا إلى كبائر أرادوا رميها على الحكومة".
ورافضاً تحمّل وزر الأزمة الاقتصادية، قال دياب: "لا نريد منافسة أحد في الأداء أو الأسلوب أو الانتخابات ولن نسكت عن تحميلنا وزر سياسات أوصلت البلاد لكارثة".
ورأى رئيس الحكومة اللبنانية أنّ "سياسة الصفقات والهدر والفساد استمرت على حساب ودائع اللبنانيين في المصارف"، مضيفًا أنّ "هيكل الفساد سيسقط على رؤوس الذين كانوا يختبئون في ثناياه وتحصنوا بمواقعهم". وفي الوقت نفسه حذّر من "أننا اليوم أمام تحدي العودة الى ما قبل 17 أكتوبر/ تشرين الأول". 

وفي تأكيد على تمسّكه بموقعه، قال إنّ "خطة الانقلاب على ورشة مكافحة الفساد سقطت"، و"إنّنا لا نريد أن نبقى من دون فاعلية ونحن لسنا مثلهم ولن نكون ولن نسمح بأن تضيع ودائع الناس". وفي محاولة لطمأنة الناس، قال "أفقروا الناس صحيح ولكن الدولة ليست مفلسة وهناك تعثر مالي".
ودعا دياب اللبنانيين إلى "مزيد من الصبر، لأن المعركة مع الفساد شرسة جداً، فالفاسدون لن يسلّموا طوعاً ولن يستسلموا بسهولة". وتابع، "فليتوقف التدمير الذاتي الذي يحرّض عليه من لا يملك الضمير الوطني، ويمارس حقده الدفين. لبنان لنا جميعاً، وكل حجر في بنيان كلّف صاحبه عرق جبين، فلا يستخف أحد بما يملك الآخر. هذه ليست ساحة مزايدات. نحن بحاجة لوقف هذا الهدر الهائل الذي لا تقل جريمته شأناً عن هدر المال العام".



وأشار إلى أن لبنان يستعد "لفتح المطار أول الشهر المقبل، وهذا سيمنحنا فرصة استعادة بعض دورتنا الاقتصادية التي نحن بأمس الحاجة إليها. لكن ما يحصل اليوم سيؤدي إلى استمرار المعاناة، وزيادة النزف في الاقتصاد الوطني، ومزيد من إقفال المؤسسات وفقدان فرص العمل".

كذلك دعا دياب اللبنانيين إلى أن "يمتنعوا عن تشويه الاحتجاجات، وأن يساهموا في ورشة التحوّل نحو منطق الدولة الذي يجب أن يسود وحده، كي نعبر هذه المحنة، ونحمي لبنان، ومستقبل أبنائنا. وأنا واثق أننا سنتجاوز الأزمة، وأننا أقوى من كل التحديات".


واستبق المتظاهرون اللبنانيون كلمة دياب بمسيرة شعبية حاشدة، شارك فيها عددٌ كبيرٌ من المجموعات المدنية في العاصمة اللبنانية اليوم السبت، إذ رفع الناشطون الأعلام اللبنانية وشعارات تندّد بالنظام الطائفي الذي أوصل لبنان الى الانهيار والإفلاس ومهّد الطريق لطبقة سياسية مرّرت صفقات وتسويات على حساب مصلحة الوطن والمواطن وتدعو لقيام دولة مدنية وقضاء عادل ومستقلّ.



وانطلقت المسيرة من أمام وزارة المالية - بشارة الخوري، مروراً بجمعية المصارف، قبل أن تصل إلى ساحة رياض الصلح وسط مواكبة أمنية، ولا سيما أنّ هذه الساحة عاد الهدوء إليها اليوم بعد اعتداءات طاولت الأملاك العامة والمحال التجارية والمصارف التي أحرقت فروعاً منها في العاصمة من قبل مجموعة من الشبان الذين توافدوا بكثافة إلى المكان عبر درجات نارية، وتبعت ذلك مواجهات عنيفة دارت بين المعتصمين والعناصر الأمنية ليلاً أسفرت عن وقوع عدد من الجرحى نتيجة استعمال الحجارة والقنابل المسيلة للدموع والمفرقعات.


وكلف رئيس مجلس الوزراء الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير إجراء مسح ميداني للأضرار التي أصابت المؤسسات التجارية والأملاك العامة والخاصة.


وفي وقت سابق، أجرى دياب "اتصالات بقادة الأجهزة العسكرية والأمنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف الاعتداءات المشبوهة على الأملاك العامة والخاصة في وسط بيروت". بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي. وأكد رئيس مجلس الوزراء أن "ما حصل مرفوض بكل المعايير"، مشدداً على "اتخاذ كل التدابير التي تحمي أملاك الناس والمؤسسات، وقمع كل عمليات التخريب".
وغرّد وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي اليوم عبر حسابه على "تويتر" تعليقاً على أحداث الجمعة وكتب "أكدنا مراراً على حماية المتظاهرين السلميين وقمع المشاغبين والمندسين فإن القوى الأمنية ستعمل على ملاحقة المخلين بالأمن ومن قاموا بتكسير وتحطيم الأملاك العامة والخاصة في قلب بيروت وإحالتهم على القضاء المختص". ورأى أنّ "ما شهدته بيروت بالأمس وعدد من المناطق من اعتداء سافر وحاقد مستهجنٌ ومرفوضٌ".
 


الحريري: بيروت ليست مكسر عصا لأحد

من جهته، جال رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري صباحاً على وسط بيروت حيث دارت المواجهات أمس الجمعة وعاين الأضرار، وتوجّه الى "شباب وشابات الثورة"، بالقول، "هذه الهجمات هدفها تأليب الرأي العام ضد التحركات الشعبية واستباق الدعوات الى التجمع والاعتصام"، محذراً إياهم من "المتسللين إلى صفوفكم والمتسلقين على مطالبكم". 


وتابع الحريري، "لأهل الحكم والحكومة ورعاة الدراجات النارية (في تلميحٍ منه إلى حزب الله) نقول، إنّ بيروت ليست مكسر عصا لأحد... لا تجبروا الناس على حماية أملاكهم وأرزاقهم بأنفسهم. المسؤولية عندكم من أعلى الهرم إلى أدناه، ونحن لن نقف متفرجين على تخريب العاصمة". مشيراً إلى أنّ "الذين نظموا هجمات التكسير والتخريب والحرق في بيروت لا يملكون ذرة من أهداف الثورة وقيمها. إنهم مجموعات مضللة تنجرف وراء مخططٍ ملعون يسعى إلى الفتنة ولمزيد من الانهيار".

وتطرّق الحريري في تغريداته إلى الأحداث الأمنية التي شهدتها أيضاً عاصمة الشمال طرابلس مساء أمس الجمعة من مواجهات عنيفة بين عدد من المتظاهرين والجيش اللبناني استخدم فيها الرصاص المطاطي والمفرقعات والحجارة، بعد إقدام معتصمين على إحراق بعض فروع المصارف وتكسيرها والاعتداء على الأملاك العامة، وأسفرت الاشتباكات في ساحة النور ومحيطها عن إصابة أكثر من 49 شخصاً، بينهم 6 عسكريين، بحالات اختناق وجروح ورضوض عديدة، وذلك بحسب ما أفاد "جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية" والذي عمل على إسعافهم جميعاً ميدانياً. 


وقال الحريري إن "ما تعانيه طرابلس الحبيبة من تخريب واستهداف لأرزاق أهلها لا يختلف عما تشهده بيروت"، لافتاً الى أنّ محاولة تشويه طرابلس وصورتها لإظهارها بمظهر الخارجة عن القانون ستفشل بإرادة الطرابلسيين الشرفاء. والدولة مطالبة بتحمّل المسؤولية فيها كما في بيروت وكل لبنان".


اشتباكات في طرابلس و23 مصاباً

في سياق متصل، أفاد "جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية" عن وقوع إشكال، اليوم السبت، بين متظاهرين والجيش اللبناني على أوتوستراد التبانة في طرابلس، ما أدى إلى إصابة 23 شخصاً، بينهم 4 عسكريين، بحالات اختناق وجروح ورضوض عديدة وعمل جهاز الطوارئ على إسعافهم جميعاً ونقل 9 منهم إلى مستشفيات المنطقة للمعالجة.

 
تزامناً، عاشت منطقة باب التبانة في طرابلس (شمال لبنان) توتراً كبيراً، بعد اعتراض عددٍ من المتظاهرين شاحنات محمّلة بمواد غذائية متوجّهة إلى سورية والخليج، في محاولةٍ لمنعها من استكمال طريقها، إذ يعتبرون أنها مهربة إلى النظام السوري، فتدخل الجيش اللبناني لتسهيل مرورها إلّا أنّ إشكالاً حصل بين الشبان والعسكريين أدى إلى سقوط أكثر من عشرين جريحاً من الطرفين، بحسب ما أفاد "جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الطبية الإسلامية" قبل أن يعود الهدوء إلى المكان.
وأوضحت المديرية العامة للجمارك في لبنان أنّ "هذه الشاحنات تنقل مساعدات من مواد غذائية وغيرها لصالح جانب الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي من ضمن برنامج الأمم المتحدة الغذائي، وقد وردت إلى مرفأ بيروت برسم الترانزيت الدولي إلى سورية، وتنقل عبر الأراضي اللبنانية بواسطة شركة نقل مرخصة، علماً أن هذا الأمر يتم علناً وبشكل أسبوعي منذ بدء الأحداث في سورية".

جنوباً، نظّمت مسيرة شعبية حاشدة في صيدا رفعت فيها الأعلام اللبنانية والشعارات على وقع النشيد الوطني، وطالب الناشطون باستقالة حكومة الرئيس حسان دياب التي أثبتت أنها استكمال للمنظومة السياسية نفسها وكانت أمامها فرصة نيل ثقة الناس لكنها فشلت نتيجة استمرار منطق المحاصصة والمقايضة وآخرها ما حصل في التعيينات المالية والإدارية والعراقيل التي لا تزال تطاول التشكيلات القضائية، علماً أنّ القضاء المستقل والعادل هو المطلب الأساسي عند المنتفضين الذين يسعون من خلاله إلى مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن انهيار لبنان، وكذلك شرط صندوق النقد الدولي والجهات المانحة كممر إلزامي للإصلاحات التي يطالبون بها بغية منح الحكومة اللبنانية المساعدات المالية المطلوبة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية المدمّرة.
وشهدت مختلف المناطق اللبنانية اليوم سلسلة تحركات شعبية احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والنقدية وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوبي تخطى عتبة الـ6000 ليرة لبنانية، قبل أن يتحرّك مجلس الوزراء يوم الجمعة ويعقد جلستين متتاليتين؛ الأولى في السراي الحكومي والثانية في قصر بعبدا بصفة عاجلة واتخاذ قرارات من شأنها أن تحدّ من انفلات سعر الصرف.