ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة التفجيرات في مدينة رأس العين في الريف الغربي من محافظة الحسكة، والواقعة ضمن ما تعرف بمناطق عملية "نبع السلام" التي شنها الجيش التركي بالمشاركة مع قوات "الجيش الوطني" السوري الحليف لأنقرة، ما يجعلها ضمن مناطق النفوذ التركي شمالي شرق سورية. وبلغت حصيلة التفجيرات خلال أسبوع واحد، أربعة تفجيرات، أدت إلى مقتل 13 شخصاً بالإضافة إلى نحو 30 جريحاً كلهم من المدنيين، لتكشف عن حالة من الانفلات والتسيب الأمني في المدينة والمنطقة عموماً، ما بات يؤرق سكان المدينة، وسط اكتفاء الجهات الأمنية المسؤولة في المنطقة برمي الاتهامات من دون اتخاذ إجراءات حقيقية للحد من حالة الفلتان والتسيب الأمني.
وعقب التفجير الأخير الذي ضرب مدينة رأس العين أول من أمس الأربعاء، اتهمت "الهيئة السياسية في محافظة الحسكة"، حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الذي وصفته بأنه الفرع السوري لحزب "العمال الكردستاني"، بالوقوف وراء هذه التفجيرات، وقالت الهيئة في بيان لها: "ما زال إرهاب مليشيات الاتحاد يضرب المدنيين بحقده الكبير على الشعب السوري الذي خرج مطالباً بالحرية والكرامة وإسقاط نظام الإجرام والعصابة الأسدية". وأضاف البيان: "هذا التنظيم الإرهابي الذي وقف مع نظام العصابة الحاكمة في دمشق منذ انطلاق الثورة السورية كان إحدى أدوات التشبيح التي استخدمها النظام لضرب الثورة السورية في مناطق الجزيرة والفرات وشمال حلب".
وطالب البيان "الجيش الوطني السوري الحر والأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية والمدنية بتحمّل مسؤولياتها في توفير الأمن والأمان للمناطق المحررة، وملاحقة عملاء وخلايا تنظيم الاتحاد الإرهابي وتقديمهم للمحاكمة، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول استهداف أهلنا في الداخل السوري المحرر... وإننا نحملهم المسؤولية كاملة وبشكل مباشر في هذا المجال". كما طالب الائتلاف الوطني المعارض "باتخاذ موقف واضح ضد كافة القوى الموجودة ضمن الائتلاف، والتي لديها علاقات أو تواصل وعمل مشترك مع تنظيم الاتحاد الإرهابي كالمجلس الوطني الكردي وتيار الغد".
اتهمت "الهيئة السياسية في محافظة الحسكة"، حزب "الاتحاد الديمقراطي" بالوقوف وراء التفجيرات
وحول تفاقم التفجيرات والمسؤولية عنها، قال رئيس "الهيئة السياسية في محافظة الحسكة" مضر حماد الأسعد، لـ"العربي الجديد"، إن "بعض كتائب الجيش الوطني وإثر سيطرتها على المنطقة، سمحت للعديد من عناصر وقيادات المليشيات الكردية وحتى أجهزة النظام السوري الأمنية بالعودة إلى المدن والقرى، من دون مساءلة أو حتى مراقبة، وهؤلاء يتجولون بين المدن والقرى بلا رقيب، وهم بالتأكيد محط شك الأهالي هناك". ولفت إلى أن "الأهالي في رأس العين ومناطق عملية نبع السلام بين محافظتي الرقة والحسكة، يودون بسط الأمن والأمان في هذه المناطق، إلا أن التفجيرات باتت تؤرقهم بشكل كبير، وجعلت الكثير ممن يودون الرجوع إلى المنطقة بعد السيطرة عليها، يحسبون ألف حساب قبل العودة، نظراً للأوضاع الأمنية المأساوية".
ورجح الأسعد وجود اختراقات أمنية في صفوف القوى الأمنية التابعة للمعارضة هناك، وكذلك بين صفوف الأهالي، منوهاً إلى أن "هناك تقصيرأ أمنياً واضحاً ناتجاً عن عدة أسباب، من أهمها أنه لا توجد جهة أمنية واحدة تدير الشؤون الأمنية، ما جعل تداخل المهام بين فصائل الجيش الوطني وأجهزة الشرطة المدنية والعسكرية أمراً سلبياً، لذلك يجب أن تكون هناك جهة أمنية واحدة تضبط الأمن في المدينة مرتبطة بجهة أمنية مركزية للمنطقة، وتكون منتشرة في المدن والبلدات كشرطة مدنية وعلى المداخل لضبط حركة السيارات والدراجات النارية، التي تعد مصدر التفجيرات الرئيسي، والأهم يجب أن يكون عناصر هذه الجهة الأمنية من أبناء المنطقة، كونهم يعرفون تفاصيلها، ويستطيعون تمييز المرتبطين بالمليشيات الإرهابية وعناصر النظام من أبناء المنطقة". وشدد على ضرورة تلقي أي جهاز أمني يتم إسناد إليه حماية المنطقة تدريباً عالياً، وتجهيزه بكافة التجهيزات التقنية اللازمة للكشف عن المفخخات والعربات الملغمة، وضرورة إخراج فصائل "الجيش الوطني" من المدن والبلدات، لكي تكون عملية ضبط الوضع الأمني أسهل.
من جهته، اتهم عبد الله الجشعم، نائب رئيس المجلس المحلي في مدينة رأس العين، عناصر حزب "الاتحاد الديمقراطي" بالوقوف وراء التفجيرات في مدينته، منوهاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "خلايا مليشيا الاتحاد تريد ضرب استقرار المنطقة بعد أن دارت حركة الحياة فيها وعاد الناس إليها وتم تشغيل الخدمات من ماء وكهرباء وخبز، إضافة إلى التجهيزات الطبية، وكل أساسيات الحياة في المدينة، وهذا الاستقرار كان السبب باستهداف المنطقة، وطبعاً ضرب الاستقرار له أهداف عند مليشيا الاتحاد".
وعن أهداف هذه التفجيرات، أوضح أن "أولها يكمن في تفريغ المنطقة من سكانها، لاستخدام هذا الأمر سياسياً والقول إن الجيش الوطني قام بتهجير المدنيين، أما الثاني فيتمثل بحرمان المنطقة من المنظمات المدنية والإغاثية، فعندما تستهدف المنطقة بتفجيرات، فإن جمعيات ومنظمات الاتحاد الأوروبي لن تدخل المنطقة".
وعن الحلول للحد من هذه التفجيرات وحالة الانفلات الأمني في المنطقة، أشار الجشعم إلى أنه "يتم العمل الآن على مشروع كاميرات مزودة بأنظمة ذكية للتعرف على الوجوه وأرقام السيارات، وهذا النظام سيتم تطبيقه في القريب العاجل، وتعمل أيضاً مديريتا النفوس والمواصلات على أخذ بصمات أصحاب السيارات وتنظيم قيود السكان، وهذه الأمور تساعد بشكل كبير على ضبط الدخول والخروج من وإلى المدن والبلدات"، مضيفاً أن "المجلس المحلي خلال فترة عمله الوجيزة نظّم قيود 51 ألف هوية شخصية، وحتى الآن نظّم قيود حوالي 1300 سيارة، كل هذه القيود والكاميرات والشبكات ستساعد في ضبط عمليات التسلل والتفجير في القادم".
في المقابل، قال أمجد عثمان، المتحدث الرسمي باسم "مجلس سورية الديمقراطية"، الذي يعتبر "الاتحاد الديمقراطي" أحد تشكيلاته، لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل ومن يدعمها قامت بجرائم حرب وتهجير وإعدامات ميدانية أثناء احتلالها رأس العين وتل أبيض، وهذه الفصائل ومنذ احتلت رأس العين تتقاتل في ما بينها، وتتصارع على نهب واستباحة أملاك المواطنين، لدرجة أن الأتراك أعلنوا أخيراً وتحت الضغط نيّتهم إخراج الفصائل خارج المدن بسبب سوء تصرفاتها، لكن المفارقة أنه ومنذ اتخاذ هذا القرار تصاعدت وتيرة التفجيرات بشكل مريع، ما يجعلنا نعتقد بأن من يقف وراء هذه التفجيرات يريد أن يخلق مبررات لإبقاء الفصائل داخل المدن".
المتحدث باسم "مجلس سورية الديمقراطية": من يقف وراء هذه التفجيرات يريد أن يخلق مبررات لإبقاء الفصائل داخل المدن
وكان نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتكلي قد زار مدينة رأس العين في وقت سابق من هذا الشهر، بعد اندلاع اقتتال فصائلي بين مجموعات تابعة لـ"الجيش الوطني" في المدينة، وكان واضحاً نيّة الجانب التركي بوضع يده في الملف الأمني داخل مناطق نفوذه شمال وشرق سورية، بعد توالي التفجيرات وحوادث الاغتيالات وتجاوزات الفصائل المرتبطة بأنقرة.
يُذكر أنه في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت تركيا بدء عملية "نبع السلام" بالمشاركة مع "الجيش الوطني" السوري المدعوم من قبلها، بهدف طرد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من شرق الفرات، إلا أن العملية توقفت في 17 من الشهر ذاته بعد السيطرة على مساحة 4400 كيلومتر مربع ممتدة بين مدينتي رأس العين في ريف الحسكة وتل أبيض في ريف الرقة، وما بينهما من قرى وبلدات.