ويبدو التطور الثاني لافتاً، كون إحياء الذكرى ستكون الأولى بعد افتتاح متحف الحادي عشر من سبتمبر في موقع برجي مركز التجارة العالمي، الذي اكتمل بناؤه منتصف هذا العام، وسيُعرض فيه حجر من منزل مدبّر الهجمات أسامة بن لادن، في باكستان، وقميص كان يرتديه قاتله، ومقتنيات أخرى لضباط استخبارات ساهموا في تحديد مكان بن لادن.
ويبقى التطور الثالث، الأهمّ، كون ذكرى هذا العام تأتي وسط مخاوف من هجمات مشابهة في يوم الذكرى نفسها، من عدو جديد بدأ الأميركيون يعتادون على اسمه في نشرات الأخبار والتعليقات، وهو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يقول البيت الأبيض إنه يفوق تنظيم بن لادن خطورة.
انتشرت في الأيام القليلة السابقة للذكرى الثالثة عشرة للهجمات، ملصقات إعلانية على جدران مباني مدينة نيويورك وحافلاتها وكذلك على بعض الأماكن العامة في العاصمة واشنطن ومن مختلف الأحجام ومثيرة للانتباه، وتندّد بالـ"إسلاموفوبيا" أو ما يُعرف بـ"رهاب الإسلام".
وتصف الملصقات الـ"إسلاموفوبيا" بـ"الشعور غير الجميل"، كما تدافع عن المسلمين وبعض الأقليات الأميركية الأخرى وتدعو لإقامة جسور معهم لا أسواراً وإلى إقامة وشائج الحب والأمل بدلاً من العنف والكراهية.
وقد يظن قارئ هذه الملصقات للوهلة الأولى أن منظمات إسلامية أو ناشطين مسلمين يقفون وراءها، لكن من يدقق في كل ملصق إعلاني منها سيجد في أسفله عبارة "هذه رسالة من أقارب ضحايا 11 سبتمبر".
وتُشكّل الملصقات جزءاً من حملة إعلانية وإعلامية واسعة، تبثّها كذلك بعض القنوات التلفزيونية المحلية على نفقة عائلات الضحايا، من خلال المنظمة التي أسسوها لتمثيلهم تحت اسم "عائلات 11 سبتمبر لغد سلمي". وصرّح المدير التنفيذي للمنظمة تيري غرين لمحطات وصحف أميركية بأن "أقارب الضحايا الأعضاء في المنظمة يرغبون في إيصال رسالة واضحة للجميع بأنهم لا يريدون أن يروّج أحد للخوف من الآخرين وكراهيتهم، باسم أقارب ضحايا الهجمات".
وأضاف "أنهم مجمعون على أن التسامح والحوار هو المسار الأفضل لغد أكثر سلمية". وذكرت الوسائل الإعلامية أن شقيق غرين كان على متن طائرة "يونايتد إيرلاينز" في رحلتها رقم 93، من يوم الثلاثاء المشؤوم عندما ارتطمت الطائرة بأحد برجي مركز التجارة العالمي.
وتزامنت الحملة ضد الـ"إسلاموفوبيا" مع حملات مشابهة ضد جرائم الكراهية تبنتها منظمات أخرى، الأمر الذي ساهم في إيصال رسائل متشابهة إلى الجمهور المستهدف. ومن اللافت أن حملة أقارب الضحايا لنبذ الـ"إسلاموفوبيا" جمعت بين المسلمين والسيخ الهنود، نظراً لأن بعض أفراد السيخ في الولايات المتحدة يتعرضون لاعتداءات ظناً من المعتدين أنهم مسلمون. وهذا ما حدث في اليوم الأول من هجمات سبتمبر وما زال يحدث حتى الآن.
تجدر الإشارة إلى أن مصطلح "إسلاموفوبيا" معناه التحامل على المسلمين أو الخوف منهم أو من الجماعات العرقية التي يُنظر إليها على أنها إسلامية. وقد ظهر المصطلح في الغرب منذ عام 1976 لكن استعماله بقي نادراً في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. ثم انتشر المصطلح انتشاراً سريعاً بعد هجمات 11 سبتمبر.
متحف بن لادن وقميص قاتله
ومما يميز مظاهر إحياء ذكرى الهجمات هذا العام أنه أصبح بإمكان أي شخص، وفقا لما أوردته مجلة "نيويورك ماغازين"، أن "يعيش جو الهجمات، ويشاهد شرحاً عملياً لمراحل حدوثها دقيقة بدقيقة عن طريق زيارة متحف 11 سبتمبر في موقع سقوط برجي مركز التجارة العالمي، الذي افتتحه الرئيس الأميركي باراك أوباما، منتصف مايو/أيار من العام الجاري.
ويتعرّف زائر المتحف على الظروف والأسباب التي قادت إلى تلك الهجمات وكيف غيّرت وجه العالم. وكانت فكرة المتحف قد قوبلت، ولا تزال، بالجدل إذ يعتبره من أعجبتهم الفكرة، بأنه صرح تاريخي يمثل وحدة الشعب الأميركي وصموده، ويقدّم شرحاً لوقائع أحداث غيّرت منحى التاريخ.
وينتقد آخرون الفكرة، كونها تُشكّل بالنسبة إليهم "اهانة للضحايا" ويتهكمون على المشروع لدرجة أنهم بدأوا باطلاق اسم "متحف بن لادن" عليه بدلاً من متحف 11 سبتمبر، منذ أن عرفوا أن المتحف سيضم ضمن معروضاته حجراً من المجمع السكني الذي كان يقطنه بن لادن في باكستان. وأشارت صحف ومواقع أميركية إلى أن قاتل بن لادن قدّم للمتحف قميصه العسكري، الذي كان يرتديه لحظة قتله المطلوب رقم واحد في العالم في حينه.
ويُعرض القميص حالياً في إحدى صالات المتحف إلى جانب بعض المقتنيات الأخرى، من بينها ميدالية حصل عليها أحد عناصر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) ممن ساهموا في العثور على بن لادن الذي ظل غائبا عن الأنظار ما يقارب عقداً من الزمان بعد هجمات سبتمبر.
ويعرض المتحف آلاف الأغراض الشخصية، التي تعود للضحايا بالاضافة إلى تسجيلات صوتية وأشرطة مصورة، وجزء من الأدراج التي سلكها مئات الناجين وعمودين من الفولاذ متبقيين من البرجين السابقين.
ويقع المتحف المؤلف من سبعة طوابق تحت الأرض بين حوضي النصب التذكاري الذي افتتح في 11 أيلول/سبتمبر 2011 في الموقع السابق لبرجي مركز التجارة العالمي في جنوب مانهاتن، وقد زاره منذ ذلك الحين ملايين الأشخاص.
وكلّف بناء المتحف ما يقارب 700 مليون دولار. أما الإشراف على إدارته فيتطلب 60 مليون دولار سنوياً، أي 15 مرة ضعف تكلفة إدارة متحف أحداث أوكلاهوما، وأكثر مما يستلزمه الإشراف على مقبرة أرلينغتون الوطنية قرب وزارة الدفاع (البنتاغون).
وبحسب المشرفين على متحف أحداث 11 سبتمبر سيخصص 10 ملايين دولار سنوياً للحاجيات الأمنية فقط. وبالرغم من هذه الميزانيات المرصودة، فقد ندّد عدد من عائلات الضحايا بثمن تذكرة دخول المتحف الذي اعتبروه غير لائق (24 دولاراً).
ورأى بعض أقارب الضحايا أن "نقل أكثر من 7000 رفات لضحايا لم يتم التعرف عليهم، إلى مرقد أسفل المتحف، فيه إهانة لذكرى هؤلاء، بل تدنيس لروحهم".
مخاوف من هجمات "داعشية"
وتحلّ الذكرى الثالثة عشرة لأحداث سبتمبر في وقتٍ تردد فيه بعض القنوات والمواقع الاخبارية الأميركية، وخصوصاً اليمينية المحافظة مثل شبكة "فوكس نيوز" وغيرها توقعات مجهولة المصدر بأن "داعش" قادر على شنّ هجوم على الولايات المتحدة، داخل أراضيها قد يكون أبشع من هجمات سبتمبر، وربما يكون التنفيذ حسب هذه التوقعات في يوم الذكرى ذاته، مثلما تم تنفيذ الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2012.
وينفي المسؤولون الأميركيون حصول الأجهزة الأمنية على معلومات عن أي هجوم محتمل من هذا القبيل، لكنهم لا يقللّون من مخاوف العامة لأنهم يضيفون إلى كل نفي تأكيداً بأن تنظيم "داعش" لديه القدرة على مهاجمة الولايات المتحدة. ويحذّرون من أن التنظيم قد لا يتردد في ذلك انتقاماً من الضربات الجوية التي يشنّها سلاح الجو الأميركي على مقاتلي "داعش" في العراق وسورية.
ونتيجة لهذا القلق، بدأت بعض وسائل الإعلام الأميركية تنشر حصاداً مراً لنتائج 13 عاماً من الحرب على الإرهاب. وأشارت إلى أن "الأميركيين، بل والعالم أجمع، أصبح أقل أمناً وأكثر قلقاً مما كان عليه في 2001".
وإذا كانت الولايات المتحدة قد نجحت في تحجيم تنظيم "القاعدة" في افغانستان وتوجيه ضربات قاصمة له وقتل مؤسسه وعدد كبير من القيادات الأخرى، فإن الفكر القاعدي في المقابل أصبح أكثر انتشاراً في العالم على هيئة تنظيمات جديدة مستولدة من "القاعدة" أو قريبة منها، تحت مسميات مختلفة من "شباب الصومال" إلى "أنصار الشريعة" في ليبيا إلى "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" في اليمن إلى "جبهة النصرة" في سورية، مروراً بأخطر هذه التنظيمات جميعاً وأكبرها، وهو "داعش" الذي أسس نواته أبو مصعب الزرقاوي. ولم يؤدّ مقتل الزرقاوي إلى انتهاء تنظيمه بل إلى تمددّه وانتشاره وتحوّله إلى ما يشبه الدولة التي تُشكّل خطراً على كل الدول المحيطة.
وإذا كان الإرهاب قد نجح من وجهة نظر منظّري "القاعدة" في تدمير برجي مركز التجارة العالمي، فإن السلطات الأميركية قد استثمرت دمار البرجين ودمّرت دولتين إسلاميتين، هما أفغانستان والعراق، وفقاً لما يقوله شيوخ الاعتدال الإسلامي، ممن تراجعوا عن تطرفهم في سنين لاحقة. كما تعرض العالم الإسلامي لضرر كبير في كل نواحي الحياة نتيجة صراع لا هو جزء منه ولا هو بعيد عنه.
نظريات المؤامرة
في كل عام تحل فيه ذكرى هجمات سبتمبر يتجدد الحديث والتفكير في "نظريات المؤامرة" التي يرددها ويصدقها ما يقارب ثلث الاميركيين، حسب استطلاعات سابقة، ولهذا تحرص الإدارة الأميركية دوماً على تفنيد النظريات التي تعتبر أن تلك الأحداث مؤامرة دبّرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، بهدف تبرير اجتياح العراق وأفغانستان.
ووفقاً لما فنّدته وزارة الخارجية الأميركية، في موقعها على الانترنت في محطات سابقة، فقد تمّ التداول بالعديد من النظريات، منها أن "برجي مركز التجارة العالمي تم هدمهما بواسطة عملية تفجير متحكم بها". ويفنّد أصحاب تلك النظرية عملية التفجير بالإشارة إلى أن "طريقة انهيار المبنيين التي تبدو بالفعل لغير الخبراء كأنها عملية تفجير. ولكن خبراء الهدم والتدمير يشيرون إلى كثير من نقاط الاختلاف، ومنها أن من يريد تفجير مبنى يعمد دائماً إلى نسف الطوابق السفلية، بينما بدأ انهيار برجي مركز التجارة العالمي من الطوابق العليا، إذ اصطدمت الطائرتان بالمبنيين".
ويدّعي غير الخبراء بأن "الحطام الذي شوهد يتطاير من النوافذ دليل على وجود عبوات متفجرة. لكن الخبراء يقولون إن ذلك كان نتيجة للهواء وخفة وزن اللوازم والمحتويات المكتبية (الورق والإسمنت المطحون وغيرهما التي تطايرت من النوافذ)، فقد اندفع ذلك الحطام من النوافذ بفعل ضغط انهيار الطوابق فوق بعضها البعض. وتشير نظرية ثانية إلى أن "البنتاغون لم يتعرّض لأي هجوم من أي طائرة يوم 11 سبتمبر، بينما كان ما حصل عبارة عن اطلاق عناصر من داخل أجهزة الدولة الأميركية صاروخاً عليه".
ويتجاهل هذا الزعم العثور على بقايا جثث طاقم وركاب الرحلة 77 لطائرة "أميركان إيرلاينز" (الخطوط الجوية الأميركية) في موقع الحادث في البنتاغون، وتم التعرّف القطعي، على هويات أصحابها بواسطة الحمض الوراثي النووي "دي ان إيه". ويتجاهل أيضاً العثور على الصندوق الأسود الذي كان على الطائرة في الموقع. وتناسى أصحاب تلك النظرية أن هناك شهود عيان شاهدوا الطائرة وهي تصطدم بالبنتاغون، حتى أن بعضهم رأى ركاب الطائرة من خلال نوافذها. ويظهر كثير من الصور حطام الطائرة في مكان حادث ارتطامها، والذي شاهده أيضا الناجون من الحادث في المبنى وعمال الإنقاذ.
ويرى أصحاب نظرية أخرى، أن "الطائرات التي ضربت مركز التجارة العالمي كانت مسيّرة بواسطة أجهزة السيطرة والتحكم عن بعد". غير أن هذه النظرية غير صحيحة لأن شركة "بوينغ" صانعة الطائرات التي ضربت مركز التجارة العالمي، ذكرت أن "كل طائراتها التجارية مصمّمة بشكل لا يمكن معه التحكم بها من أي مكان سوى غرفة قيادة الطائرة". كما أن بعضاً من ركاب الطائرتين أجروا مكالمات هاتفية عدة، وأفادوا أن "خاطفين سيطروا على الطائرتين".
إضافة إلى ما سبق، فإن نظرية "إسقاط طائرة يونايتد إيرلاينز، في الرحلة 93، التي تحطمت في ولاية بنسلفانيا، بصاروخ" غير صحيحة، على اعتبار أنه عُثر على آلة تسجيل الأصوات التي كانت في غرفة قيادة الطائرة، وتبيّن منها أن "ثورة الركاب دفعت الخاطفين إلى إسقاط الطائرة وتحطيمها عمداً".
وقد سيطر الخاطفون على الطائرة حتى لحظة تحطمها، ولم تعرف السلطات العسكرية الأميركية باختطاف طائرة الرحلة 93 إلا بعد أربع دقائق من تحطمها، كما تبين من تقرير صدر أخيراً. ولم تعط السلطات العسكرية طياري الاعتراض أي إذن إطلاقاً بإطلاق النار على طائرة رحلة يونايتد 93 وإسقاطها.
وفي موضوع "تغيّب أربعة آلاف يهودي عن العمل في مركز التجارة العالمي يوم 11 سبتمبر"، فهو أمر غير صحيح، بل على العكس من ذلك، كون 10 إلى 15 في المئة من ضحايا مركز التجارة العالمي كانوا من اليهود. ما يدلّ على أنه لم يكن هناك من تغيّب جماعي، ويظهر أن رقم "4000" جاء من البيانات الإسرائيلية الأولية، الصادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي أبدت اعتقادها أن "4000 إسرائيلي كانوا موجودين في نيويورك وواشنطن لحظة الهجمات". ويبدو أن أصحاب نظرية المؤامرة استغلوا تلك الفرصة في محاولة لترويج شائعة كاذبة.
أما النظرية الأغرب فهي أن "القاعدة ليست مسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر"، علماً أن قادة "القاعدة" بمن فيهم أسامة بن لادن، أكدوا مراراً وتكراراً أنهم هم الذين خططوا ونفّذوا هجمات 11 سبتمبر.
وقد أعلن بن لادن في تسجيل صوتي في 23 مايو/أيار 2006 مسؤولية التنظيم حين قال "أنا كنت مسؤولاً عن تكليف أولئك الإخوة الـ19 في تلك الهجمات". وسبق له أن أكد في شريط في تشرين الثاني/نوفمبر 2001، أنه "قدّرنا سلفاً عدد الإصابات، ومن سيقتلون، وكنت أكثر المتفائلين جميعاً فنظراً لخبرتي في هذا الميدان، كنت أفكر أن النار التي ستنتج عن وقود الطائرات ستصهر الهيكل الحديدي للمبنى وتنهار المنطقة التي تضربها الطائرة وكل الطوابق التي فوقها فقط".