كثيرون لم يتعرّفوا على الدراسات التي قدّمها الروائي المصري خيري شلبي (1938 – 2011) التي تمرّ ذكرى ميلاده اليوم الخميس، وكان من أبرزها كتاب "محاكمة طه حسين" الذي صدر عام 1972، وجاء في مقدّمة طبعته الثانية "لا أظن أنني أحببت كتاباً من كتبي قدر حبي لهذا الكتاب الحميم".
في السبعينيات نقّب صاحب "ثلاثية الأمالي" في المسرحيات التي طُبعت بين القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، حيث أحصى حوالي مئتي مسرحية لم يرد ذكرها في أية ببيبوغرافيا للمسرح المصري مستقصياً جميع المعلومات حول كلّ نص قُدِّم على الخشبة أم لم يقدّم.
من جملة ما حقّقه مسرحية بعنوان "فتح الاندلس" كتبها رجل السياسة المصري مصطفى كامل (1874 – 1908) لم تنشر من قبل، وكذلك مسرحية "الراهب" للشيخ أمين الخولي (1895 – 1966) كان قد كتبها ونشرها باسم مستعار، وظلّت كذلك حتى أعاد شلبي نسبتها لمؤلّفها الحقيقة وتبيان علاقته بالمسرح ومحاولاته المتكررة في التأليف.
كما اهتمّ صاحب "نسف الأدمغة" برصد التغيرات التي أصابت الريف المصري منذ أربعينيات القرن الماضي وأحوال المهمّشين داخل مدينة القاهرة، فإنه ذهب بالطريقة نفسها لتتبع ما توارى عن السطح في الثقافة مثلما فعل في كتاب "نجيب سرور ومسرح الأزمة" والذي تناول سيرة سرور الشخصية واضطراباتها باعتبارها جزءاً من أزمة أكبر تعيشها مصر.
في كتاب "محاكمة طه حسين"، يروي شلبي أنه في أثناء تقليبه في المكتبات القاهرية القديمة وقع في يديه كتيب صغير جداً، لا يزيد عن ملزمة واحدة، ومكتوب على غلافه "قرار النيبابة في كتاب "الشعر الجاهلي" بإمضاء شخص يدعى محمد نور الذي كان حينها رئيس نيابة مصر، وبدأ بحثه منذ تلك اللحظة منبهراً، بحسب وصفه، ثقافة النائب العام الذي مذكرة قانونية كأنها نص أدبي محكم.
يقف صاحب "صحراء المماليك" في تقديم الكتاب على مذكرة طويلة مليئة بالمحاججات والشواهد في الأدب والدين والقانون، ويختمها النائب العام بأن المتهم (أي طه حسين) إذا كان قد "ذكر ما ذكر في سبيل البحث العلمي وخدمة العلم لا غير، فإنه غير مقيد بشيء".
ويستفيض شلبي في الإشارة إلى النقاط الإيجابية التي أوردتها المذكرة حول أهمية "الشعر الجاهلي" الأدبية والعلمية، ما يظهر أن رئيس نيابة مصر لم يحكم بقضية حول كتاب من دون قراءة معمّقة فيه، بل إن قراءته تشير في مواضع عديدة إلى تعاطفه الشديد والرد على الشكوى المقدّمة ضد طه حسين بأسلوب لا بقبل الأخذ والرد، بحسب الكتاب.
وقائع التحقيق والمرافعات في إحدى أبرز قضايا حرية الرأي والتعبير في مصر والعالم العربي، لم يطلّع عليها أحد قبل صدور هذا الكتاب الذي وضع فيه شلبي بعد تقديمه نص قرار النيابة الذي صدر في الثلاثين من آذار/ مارس 1927، وتجاوز الأربعين صفحة والذي يمكن أن يشكّل نموذجاً لرؤية الدولة ممثلة بمؤسسة القضاء في التعامل مع هذا النوع من القضايا.
شُغف صاحب "أساطسية" بالقصص والملاحم الشعبية ودردشات الجلسات الخاصة مع كتّاب وفنانين روى عنهم الكثير في أكثر من كتاب، وكان يعي جيداً أن الحياة كلها تروى وتكتب كما الحكاية وأن بين "الحكي" تفاصيل كثيرة لا تغفلها عين الباحث.