شهد العراق اضطرابا كبيرا في أسواق الصرف والحركة التجارية، خلال اليومين الماضيين، مع تراجع نشاط عدة قطاعات أهمها الإنشاءات والسيارات والعقارات.
وجاء ذلك بعد تهديدات أطلقها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات على بغداد، ردا على تصويت مجلس النواب العراقي على إنهاء وجود القوات الأجنبية من البلاد.
وحسب تجار لـ"العربي الجديد"، شهدت أسواق السلع ارتباكا في ظل التطورات الأخيرة وإقبال المستهلكين لشراء البضائع وتخزينها خوفا من تطورات الأحداث.
وقال التجار إن هناك سلعا متعاقدا عليها مشحونة في طريقها إلى الموانئ والمعابر الحدودية، ستكبدهم خسارة ثقيلة إن لم يستقر سعر الصرف في الحدود المعقولة.
وقال تاجر أجهزة كهربائية، فائق الجيزاني، لـ"العربي الجديد" إن "ملايين الدولارات سيخسرها التجار. البعض قد يفقد ما ربحه خلال عشرة أعوام. كوارث ستقع إن لم تحسن الجهات الرسمية التصرف في هذه المرحلة المهمة والحساسة".
وقال عضو غرفة تجارة بغداد، حسين الأسدي، لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات ترامب والتوتر الحالي بين واشنطن وطهران والفصائل المسلحة في العراق رفعت مخاوف التجار والمواطنين على حد سواء.
وأوضح أن سبب انخفاض قيمة الدينار يعود إلى إقبال المواطنين والتجار على شراء كميات كبيرة من الدولار، خوفا من اندلاع حرب أو فرض عقوبات اقتصادية على العراق بعد تهديدات ترامب.
وتابع أنه "من الطبيعي حدوث شلل نتيجة تأجيل كل النشاطات التجارية والاقتصادية الكبيرة، وحتى على مستوى الأفراد فإن قرار شراء منزل أو سيارة أو حتى تأثيث منزل سيتم تأجيله".
واعتبر أن السوق عاد مجددا تحت رحمة التصريحات السياسية والغموض في ظل عدم وجود سياسة نقدية واضحة للدولة وتصاعد مخاوف المواطنين وتسلل الإشاعات للسوق بين وقت وآخر.
ويتوقع مختصون انخفاض الدينار بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، إن لم يتدارك البنك المركزي العراقي بضخ كميات كبيرة من العملة الصعبة عبر مزاده المقرر صباح اليوم الثلاثاء.
وقال أحد العاملين في البورصة العراقية، محمد يونس، لـ"العربي الجديد" إن خسائر كبيرة تكبدها العاملون في قطاع الصيرفة نتيجة عدم استقرار السوق الذي شهد استقرارا منذ سنوات، وكانت التغييرات في السنوات الماضية طفيفة تعطي حرية للربح ويمكن قراءتها بالنسبة للتجار في السوق والمتعاملين بأسواق العملة.
وأضاف يونس، أن عطلة أمس الإثنين بسبب عيد الجيش، منعت من هبوط الدينار بشكل أكبر، ومن المتوقع أن يشهد تراجعا اليوم الثلاثاء، عند بداية الدوام وفتح المصرف المركزي وسوق العملة.
وأكد يونس أن تهديدات ترامب أبرز الأسباب التي ستدفع الدينار العراقي إلى مزيد من الهبوط أمام الدولار.
وقال إن العملة العراقية هبطت أمام الدولار من 1212 إلى 1225 دينارا، مشيراً إلى أن التوقعات تفيد بتهاوي العملة المحلية لتبلغ 5000 دينار بالسوق السوداء في حال استمر التصعيد لفترة طويلة.
وأول من أمس، صوّت مجلس النواب العراقي على إلزام الحكومة بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق، وإنهاء مساعدة التحالف الدولي في محاربة تنظيم "داعش" وحصر السلاح بيد الدولة.
وفي كلمة له، قدم رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، خيارين أمام البرلمان بشأن الوجود الأجنبي في العراق. وقال إن الخيار الأول يتعلق بإنهاء وجود القوات الأجنبية، ووضْع جدول زمني لذلك، أما الثاني، العودة لمسودة قرار يعود إلى الحكومة السابقة، فينص على أن شروط وجود أي قوات أجنبية ترتبط بتدريب القوات العراقية فقط، ولا يجوز وجود قوات أجنبية تتولى القيام بأعمال قتالية في البلاد.
وهدد ترامب بفرض عقوبات كبيرة على بغداد؛ بعدما طالب البرلمان العراقي القوات الأميركية بمغادرة البلاد، مطالباً العراق بدفع تكلفة قاعدة جوية هناك إذا خرجت قوات بلاده.
من جهته قال مدير مكتب صرافة، عباس عبد الرزاق، إن "الخوف والترقب يميزان السوق العراقية والتجار والمواطنين أيضاً".
وأضاف عبد الرزاق لـ"العربي الجديد"، أن "الجميع يخزنون الدولار، والعديد من محال الصيرفة توقفت عن تصريفه، نتيجة خسائر تكبدتها خلال اليومين الماضيين".
وحتى الآن، لم يصدر عن البنك المركزي العراقي أي تفاصيل جديدة حول تراجع قيمة الدينار العراقي باستثناء تصريح مقتضب جاء عبر وكالة الأنباء العراقية الرسمية قال فيه، إنهم "مستمرون بضخ الدولار إلى السوق ونحذر من الشائعات".
غير أن الخبير المالي العراقي، سنان علوان، قال لـ"العربي الجديد"، إن السوق والشارع ككل ليس لديهما ثقة بإجراءات الدولة أو سياسة البنك المركزي، لذا سيبقى سعر الدينار أو تحرك السوق وعودته لنشاطه الطبيعي مرهونا بإجراءات حقيقية إيجابية أو أخبار تبشر بتراجع حدة التصعيد والعكس صحيح أيضا".