ذروة الاستفزاز الروسي العسكري لتركيا... وأنقرة تعزز موقفها إقليمياً

15 ديسمبر 2015
أردوغان يشير إلى وساطات لتخفيف التوتر (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
تشي جميع مؤشرات الأيام الماضية، بما في ذلك اللقاءات الدبلوماسية، بأنّ الأزمة الروسية التركية لاتزال في سياقها التصاعدي، سواء على المستوى الدبلوماسي، أو على المستوى العسكري، وقد كان آخرها إعلان الكرملن عن إلغاء اللقاء الذي كان من المفترض أن يجري بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، على الرغم من محاولات الوساطة التي تقوم بها بعض الدول.

اقرأ أيضاً: زيارة كيري إلى موسكو غداً: عروض سياسية أم تنازلات؟

وكان قد تم الاتفاق على لقاء يجمع بوتين وأردوغان في بطرسبرغ على هامش قمة الدول العشرين في مدينة أنطاليا التركية، قبل قيام سلاح الجو التركي بإسقاط الطائرة الروسية بقرب الحدود السورية، إذ أكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على أنّ هذا اللقاء لن يحصل، قائلاً إنه "لن يحصل، وليس على الأجندة".

وفي محاولة لتحفيف التوتر، عقدت الإدارة التركية في العاصمة التركمانستانية عشق أباد، عدّة لقاءات مهمة ومفاجئة على هامش مؤتمر الحياد الدولي في المدينة، كان منها لقاء جمع الرئيس التركي مع نائب الرئيس الإيراني إسحق جيهانغيري، إضافة إلى اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، برئيسة المجلس الفيدرالي الروسي فالانتينا ماتفينكو.

وفيما ظهرت التصريحات الروسية بعد اللقاءات متشنجة للغاية، كانت التصريحات الإيرانية أكثر هدوءاً في ما بدا محاولة إيرانية لتخفيف التوتر بين موسكو وأنقرة.

وأكّد جيهانغيري على موقف طهران الداعم لبغداد عقب الأزمة التي اندلعت بينها وبين أنقرة، على إثر تعزيز الأخيرة من تواجدها العسكري في معسكر الزليقان في منطقة بعشيقة التابعة لمحافظة الموصل. وقال إن "احترام مبدأ السيادة الوطنية ووحدة أراضي البُلدان والسعي لتسوية الخلاف بإمكانه أن يسهم في إرساء دعائم السلام والاستقرار في المنطقة".

غير أنه أشار إلى أن طهران "قلقة من التوتر القائم في العلاقات بين تركيا وروسيا، ونرى أنه لا يخدم مصالح المنطقة، ونحن على استعداد للمساهمة في احتواء هذا التوتر". فيما بدا عرضاً لوساطة إيرانية بين الجانبين.

من جهتها، أكّدت ماتيفينكو بعد اللقاء الذي جمعها بجاووش أوغلو على أن هذا اللقاء لم يكن رسمياً، قائلة: "لم تكن هذه المحادثات قد تقررت بشكل رسمي، ولكن وزير الخارجية التركي جاء إلي". وأشارت إلى أن العلاقة الروسية التركية تعاني الآن من فقدان للثقة، مشددة على الشروط الروسية السابقة لعودة التعاون مع أنقرة، بالقول: "إننا لا نتحمل مسؤولية الأزمة التي اندلعت بين روسيا وتركيا، ولكن أنقرة اتخذت موقفاً عدائياً تجاهنا وهذا جريمة"، مضيفة: "لا أحد تمنى أن تسوء العلاقات التركية الروسية، لكن على من قام بالهجوم تحمل المسؤولية. أتمنى من الإدارة التركية أن تعيد تقييم الأحداث مرة أخرى بشكل متوازن، وأن يحين الوقت لتعتذر من روسيا".

وتبدو هذه الشروط مستحيلة؛ فالاعتذار ليس شأناً تركياً خالصاً، بل شأن حلف شمال الأطلسي، إذ لم يكن بالإمكان إسقاط الطائرة لولا ضوء أخضر منه. أما المسؤول عن إسقاط الطائرة فهو رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وقيادة القوات المسلحة اللذان أعطيا أمر الإسقاط.

وفي وقت أكّد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنّ مسؤولية الأزمة تقع على الروس، لم ينف أمر وجود وساطات بين بلاده وروسيا، يقوم بها عدد من الأصدقاء المشتركين.

جاء حديثه بعد اللقاءات التي جمعته بكل من الرئيس التركماني قربانقلي بردي محمدوف والرئيس الجورجي يورجي مارغفيلاشفيلي ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، إضافة إلى نائب الرئيس الإيراني. وقال أردوغان للصحافيين الذين رافقوه خلال عودته من عشق أباد، إن عددا من الدول سألته عما يمكن أن تفعل لتخفيف الأزمة التركية الروسية، مضيفاً: "نحن لا نريد المزيد من التوتر، ونريد أن تستمر علاقتنا وشراكتنا الاستراتيجية مع روسيا كما كانت حتى الآن، إذ عملنا معاً بشكل ناجح في السنوات العشر الأخيرة، ونريد أن نكمل ذلك". وعند سؤاله حول تلقيه أي رسائل من روسيا، رفض الخوض في الأمر، قائلاً: "نحن ننتظر، لننتظر ونرى".

من جهة ثانية، لم تتأخر ثمار اللقاء الإيراني التركي في عشق أباد كثيراً، كي تنضج، إذ أقدمت أنقرة على خطوات من شأنها تخفيف التوتر مع بغداد، ولمنع موسكو من استغلال ذلك، عبر سحب التعزيزات التي أرسلتها إلى معسكر الزليقان في بعشيقة في الموصل نحو معسكرات متواجدة في إقليم كردستان العراق بالقرب من مدينة دهوك، دون أن تعيدها إلى الأراضي التركية، وذلك في إطار إعادة انتشار هذه القوات. الأمر الذي أكده رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو، قائلاً: "لقد اتخذنا الخطوات الضرورية اللازمة لترتيب جديد بخصوص القوات التركية المتواجدة قرب الموصل في شمال العراق الذي يستمر بغرض مهمة التدريب العسكري"، مضيفاً: "نحن جاهزون لأي نوع من التعاون".

وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن معسكر الزليقان لايزال يضم عددا قليلا من العسكريين الأتراك، وأن التعزيزات العسكرية التركية بما فيها الآليات الثقيلة توجهت إلى معسكر بامرني قرب مدينة دهوك الذي يشهد تواجد عسكريين أتراك منذ 1989، وأن الشاحنات العسكرية التركية التي دخلت بعد ذلك الأراضي التركية كانت فارغة.

ولم تشهد العلاقات التركية الروسية فشلاً في وساطات التهدئة فقط، بل شهدت كذلك تصعيداً عسكرياً روسياً ضدّ تركيا، إذ تناقلت وسائل الإعلام التركية خبراً يؤكد تصديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، يوم الجمعة الماضي، على إرسال تعزيزات عسكرية روسية تقدر بـ7000 جندي مزودين بأنظمة دفاع جوي ومضادات للدبابات وقاذفات صواريخ إلى قواعد موسكو في أرمينيا. ويأتي ذلك في إطار تطبيق نظام الدفاع الجوي المشترك بين روسيا وأرمينيا، بحيث سيتم ربط هذه القوات مع نظام "إس 400" الصاروخي و"كراسوخا 4" المنشورين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية في مدينة اللاذقية السورية، وبالتالي ستكون 85 في المائة من التحركات الجوية التركية في مجال رصد أنظمة الدفاع الجوي الروسي.

إضافة إلى ذلك، تواصل موسكو افتعال المناوشات مع تركيا في مضائق الدردنيل والبوسفور وبحر إيجة، إذ أعلنت أمس أنها  قامت باستدعاء الملحق العسكري التركي في موسكو للاعتراض على اقتراب إحدى سفن الصيد التركية من سفينة روسية لمسافة تقل عن الواحد كيلومتر، ما دفع الأخيرة إلى إطلاق طلقات تحذيرية ضدها في بحر إيجة خوفاً من أن تصطدم بها. قبل أن يؤكد صاحب السفينة مظفر كجيجي أنه لم يسمع السفينة الروسية (سميتليف) وهي تطلق على سفينته طلقات تحذيرية، وأن سفينته كانت على بعد ميل بحري أي ما يقارب 1.8 كيلومتر من الفرقاطة الروسية، التي كانت في حالة وقوف ولم تكن تتحرك. وقد سلم خفر السواحل التركي ما سجلته كاميرات السفينة حول الحادثة، والذي ينفي الرواية الروسية.

دلالات
المساهمون