يسعى بعض مسؤولي ومؤيدي عبد الفتاح السيسي لتشويه الوضع الاقتصادي إبان عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، خاصة في ذكرى الانقلاب العسكري، ووجهت وسائل الإعلام اتهامات للاقتصاد المصري خلال عام 2012/ 2013، وهو العام الذي حكم فيه مرسي، بأنه كان يعتمد على المعونات والقروض، كما جاء في تصريح محسن عادل، رئيس الهيئة العامة للاستثمار، مع إحدى الفضائيات.
في حين أن عادل وغيره ممن يتحاملون على فترة حكم مرسي، يتابعون وسائل الإعلام المصرية والأجنبية وهي تنقل وقائع ماراثون حصول مصر على قروض من كل حدب وصوب، حتى أثقلت الديون البلاد، ولا يُعرف لمعضلتها في هذا الشأن مخرج، ولا تقدم حكومات ما بعد الانقلاب برنامجا أو استراتيجية للتخلص من أزمة الدين العام.
وكان أولى بعادل أن يخاطب الرأي العام المصري بخطته للحفاظ على القدر اليسير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية، ففي 2017/ 2018 شهدت الاستثمارات تراجعًا بنحو 200 مليون دولار، مقارنة بعام 2016/ 2017.
اقــرأ أيضاً
وأظهر البنك المركزي أنه خلال الفترة من يوليو/ تموز 2018 - مارس/ آذار 2019، تراجعت الاستثمارات المباشرة بنحو 1.3 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
والأمر لا يحتاج إلى توقعات أو احتمالات، لكننا أمام إحصاءات رسمية للحكومة المصرية ذاتها، تظهر الفارق الكبير قبل عهد مرسي وبعده، في ما يتعلق بالدين العام، بل إن ما حدث من قفزة غير عادية في الدين العام بعد الانقلاب، صاحبها تجريد المواطنين من مزايا كثيرة تتعلق بالدعم، وحُمّل المواطنون أعباء كبيرة للحصول على السلع والخدمات الحكومية.
الدين العام قبل مرسي
إحصاءات وزارة المالية بتقريرها الشهري في ديسمبر/ كانون الأول 2013 تبين أن الدين المحلي بلغ 808 مليارات جنيه في يونيو/ حزيران 2010 إبان عصر مبارك، وبعد إزاحته بنحو 6 أشهر بثورة 25 يناير/ كانون الثاني، بلغ الدين المحلي 967 مليار جنيه.
وحينما تولى المجلس العسكري المرحلة الانتقالية الأولى، أي أنه بعد نحو 6 أشهر من حكم العسكر في 2011 زاد الدين بنحو 159 مليار جنيه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قفز مرة أخرى في نهاية المرحلة الانتقالية الأولى للعسكر بنهاية يونيو 2012، إلى 1.155 تريليون جنيه، بمعنى أن الدين العام زاد خلال عام ونصف تولاها العسكر 347 مليار جنيه.
أما الدين الخارجي، فقد زاد بنحو 700 مليون دولار خلال الفترة من يونيو 2010 – يونيو 2012، لكن يقابل ذلك أن العسكر أهدروا نحو 20 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، حيث كان 35.2 مليار دولار في يونيو 2010، وتراجع إلى 15.5 مليارا في يونيو 2012.
الدين العام في 2013
في ظل سياسة مالية موروثة لأكثر من 6 عقود، أتى الدكتور محمد مرسي ليرث تركة ثقيلة في ما يتعلق بالوضع المالي، ومع ذلك زاد الدين المحلي في عهده بنحو 289 مليار جنيه فقط، حيث وصل بنهاية يونيو 2013 إلى 1.44 تريليون جنيه، لكن يلاحظ أنه في ظل هذه الزيادة المحدودة بالدين المحلي مقارنة بما تم بعد الانقلاب، أن ملفات الدعم ظلت كما هي في عهد مرسي، وأن المعالجات التي كانت تتم تتجه لتقليص الفساد بهذا الملف، والاجتهاد لوصول الدعم إلى مستحقيه، كما حدث في منظومتي الخبز والوقود.
اقــرأ أيضاً
كما تم تعيين أكثر من نصف مليون عامل بالجهاز الحكومي والقطاع العام، وهؤلاء كانوا "مسكنين" قبل الثورة وفق نظام العمالة المؤقتة، فتم تحويلهم إلى عمالة دائمة، وهو ملف شائك كان يعد بمثابة قنبلة موقوتة في وجه حكومة مرسي.
أما الدين الخارجي فقد زاد في عهد مرسي بنحو 9 مليارات دولار، حيث وصل إلى 43 مليار دولار في يونيو 2013، مقابل 34 مليارا في يونيو 2012. لكن يلاحظ أن هذه الزيادة أتت في ظل سياسة نقدية خاطئة للبنك المركزي، سهلت خروج النقد الأجنبي بكميات كبيرة، دون اعتبار للظروف الاستثنائية التي مر بها الاقتصاد بعد ثورة 25 يناير 2011.
وشرعت حكومة مرسي في اتخاذ خطوات حقيقية للخروج من دوامة الديون إلى رحابة آلية المشاركة، لتخفيف الأعباء عن كاهل الموازنة العامة للدولة، وحتى يتمكن صانع الموازنة العامة من توجيه الأموال بحصص كافية لأنشطة الإنفاق الاجتماعي، من تعليم وصحة وخلافه.
لذلك تم إصدار قانون الصكوك الإسلامية، الذي تم إلغاؤه من قبل حكومة الانقلاب بعهد السيسي، وبجوار قانون الصكوك كانت خطة مرسي تتضمن تشجيعا حقيقيا للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات إنتاجية من صناعة وزراعة، بعيدًا عن قطاع النفط.
الدين العام بعد الانقلاب
عاد العسكر على ظهر الدبابة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، ليدخلوا البلاد في أكبر دوامة للديون، الداخلية والخارجية، فضلًا عن المنح والمساعدات التي تدفقت عليهم، عبر الدعم الإقليمي للانقلاب. وبعد مضي 6 سنوات من الانقلاب وصل الدين العام المحلي في ديسمبر 2018 إلى 4.1 تريليونات جنيه، وقفز الدين الخارجي إلى 96 مليار دولار في نهاية 2018.
أي أن الدين المحلي زاد بنحو 2.7 تريليون جنيه عما كان عليه الوضع في يونيو 2013، وزاد الخارجي بنحو 53 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وبقيت أعباء الديون التي تلتهم أكبر قدر من الإيرادات العامة بموازنة الدولة، حيث تستحوذ أعباء الديون من (فوائد + أقساط) نحو 83% من إجمالي الإيرادات العامة في موازنة 2019/ 2020.
ما يعني أن مصر لا يمكنها تسيير أوضاعها الاقتصادية المتواضعة دون الاعتماد بشكل كامل على الاقتراض، لذلك أعلن وزير المالية محمد معيط عن ترتيب مصر لملفها للدخول في مفاوضات جديدة لاتفاق مع صندوق النقد، تتم الموافقة عليه في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، ويتيح للحكومة الاقتراض عبر أسواق السندات الدولية، أو المؤسسات الإقليمية، وإن كان الاتفاق الجديد يتوقع له أن يكون بدون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد، ولكنه يفتح الباب على مصراعيه للاقتراض من باقي المؤسسات والمصادر الأخرى.
علاج المسكنات
بالاطلاع على البيان المالي لموازنة سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013، نجد أن كل جهود وزارة المالية تنحصر في تحويل الديون قصيرة الأجل إلى ديون طويلة الأجل، وأن تُستهلك الديون التي حان سدادها بديون جديدة، لكن تبقى الفجوة التمويلية كما هي، كما يلاحظ أن أعباء الدين في تزايد مستمر.
ولعل الإنجاز الأكبر الذي تروج به الحكومة لنفسها بعد اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، أنها نجحت في استجلاب المستثمرين الأجانب للاستثمار بالدين الحكومي، أي فتح باب أكثر خطورة على الاقتصاد في قضية الدين، فهذه الاستثمارات تسمى بالأموال الساخنة، حيث إنها تبحث عن أعلى فائدة في أقل فترة زمنية ممكنة، وفي الفترة من إبريل/ نيسان - ديسمبر/ كانون الأول 2018 خرجت من مصر 10 مليارات دولار من هذه الأموال سعيًا لأرباح أفضل خارج مصر.
في حين أن عادل وغيره ممن يتحاملون على فترة حكم مرسي، يتابعون وسائل الإعلام المصرية والأجنبية وهي تنقل وقائع ماراثون حصول مصر على قروض من كل حدب وصوب، حتى أثقلت الديون البلاد، ولا يُعرف لمعضلتها في هذا الشأن مخرج، ولا تقدم حكومات ما بعد الانقلاب برنامجا أو استراتيجية للتخلص من أزمة الدين العام.
وكان أولى بعادل أن يخاطب الرأي العام المصري بخطته للحفاظ على القدر اليسير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تشهد تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية، ففي 2017/ 2018 شهدت الاستثمارات تراجعًا بنحو 200 مليون دولار، مقارنة بعام 2016/ 2017.
وأظهر البنك المركزي أنه خلال الفترة من يوليو/ تموز 2018 - مارس/ آذار 2019، تراجعت الاستثمارات المباشرة بنحو 1.3 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
والأمر لا يحتاج إلى توقعات أو احتمالات، لكننا أمام إحصاءات رسمية للحكومة المصرية ذاتها، تظهر الفارق الكبير قبل عهد مرسي وبعده، في ما يتعلق بالدين العام، بل إن ما حدث من قفزة غير عادية في الدين العام بعد الانقلاب، صاحبها تجريد المواطنين من مزايا كثيرة تتعلق بالدعم، وحُمّل المواطنون أعباء كبيرة للحصول على السلع والخدمات الحكومية.
الدين العام قبل مرسي
إحصاءات وزارة المالية بتقريرها الشهري في ديسمبر/ كانون الأول 2013 تبين أن الدين المحلي بلغ 808 مليارات جنيه في يونيو/ حزيران 2010 إبان عصر مبارك، وبعد إزاحته بنحو 6 أشهر بثورة 25 يناير/ كانون الثاني، بلغ الدين المحلي 967 مليار جنيه.
وحينما تولى المجلس العسكري المرحلة الانتقالية الأولى، أي أنه بعد نحو 6 أشهر من حكم العسكر في 2011 زاد الدين بنحو 159 مليار جنيه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قفز مرة أخرى في نهاية المرحلة الانتقالية الأولى للعسكر بنهاية يونيو 2012، إلى 1.155 تريليون جنيه، بمعنى أن الدين العام زاد خلال عام ونصف تولاها العسكر 347 مليار جنيه.
أما الدين الخارجي، فقد زاد بنحو 700 مليون دولار خلال الفترة من يونيو 2010 – يونيو 2012، لكن يقابل ذلك أن العسكر أهدروا نحو 20 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، حيث كان 35.2 مليار دولار في يونيو 2010، وتراجع إلى 15.5 مليارا في يونيو 2012.
الدين العام في 2013
في ظل سياسة مالية موروثة لأكثر من 6 عقود، أتى الدكتور محمد مرسي ليرث تركة ثقيلة في ما يتعلق بالوضع المالي، ومع ذلك زاد الدين المحلي في عهده بنحو 289 مليار جنيه فقط، حيث وصل بنهاية يونيو 2013 إلى 1.44 تريليون جنيه، لكن يلاحظ أنه في ظل هذه الزيادة المحدودة بالدين المحلي مقارنة بما تم بعد الانقلاب، أن ملفات الدعم ظلت كما هي في عهد مرسي، وأن المعالجات التي كانت تتم تتجه لتقليص الفساد بهذا الملف، والاجتهاد لوصول الدعم إلى مستحقيه، كما حدث في منظومتي الخبز والوقود.
كما تم تعيين أكثر من نصف مليون عامل بالجهاز الحكومي والقطاع العام، وهؤلاء كانوا "مسكنين" قبل الثورة وفق نظام العمالة المؤقتة، فتم تحويلهم إلى عمالة دائمة، وهو ملف شائك كان يعد بمثابة قنبلة موقوتة في وجه حكومة مرسي.
أما الدين الخارجي فقد زاد في عهد مرسي بنحو 9 مليارات دولار، حيث وصل إلى 43 مليار دولار في يونيو 2013، مقابل 34 مليارا في يونيو 2012. لكن يلاحظ أن هذه الزيادة أتت في ظل سياسة نقدية خاطئة للبنك المركزي، سهلت خروج النقد الأجنبي بكميات كبيرة، دون اعتبار للظروف الاستثنائية التي مر بها الاقتصاد بعد ثورة 25 يناير 2011.
وشرعت حكومة مرسي في اتخاذ خطوات حقيقية للخروج من دوامة الديون إلى رحابة آلية المشاركة، لتخفيف الأعباء عن كاهل الموازنة العامة للدولة، وحتى يتمكن صانع الموازنة العامة من توجيه الأموال بحصص كافية لأنشطة الإنفاق الاجتماعي، من تعليم وصحة وخلافه.
لذلك تم إصدار قانون الصكوك الإسلامية، الذي تم إلغاؤه من قبل حكومة الانقلاب بعهد السيسي، وبجوار قانون الصكوك كانت خطة مرسي تتضمن تشجيعا حقيقيا للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات إنتاجية من صناعة وزراعة، بعيدًا عن قطاع النفط.
الدين العام بعد الانقلاب
عاد العسكر على ظهر الدبابة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، ليدخلوا البلاد في أكبر دوامة للديون، الداخلية والخارجية، فضلًا عن المنح والمساعدات التي تدفقت عليهم، عبر الدعم الإقليمي للانقلاب. وبعد مضي 6 سنوات من الانقلاب وصل الدين العام المحلي في ديسمبر 2018 إلى 4.1 تريليونات جنيه، وقفز الدين الخارجي إلى 96 مليار دولار في نهاية 2018.
أي أن الدين المحلي زاد بنحو 2.7 تريليون جنيه عما كان عليه الوضع في يونيو 2013، وزاد الخارجي بنحو 53 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وبقيت أعباء الديون التي تلتهم أكبر قدر من الإيرادات العامة بموازنة الدولة، حيث تستحوذ أعباء الديون من (فوائد + أقساط) نحو 83% من إجمالي الإيرادات العامة في موازنة 2019/ 2020.
ما يعني أن مصر لا يمكنها تسيير أوضاعها الاقتصادية المتواضعة دون الاعتماد بشكل كامل على الاقتراض، لذلك أعلن وزير المالية محمد معيط عن ترتيب مصر لملفها للدخول في مفاوضات جديدة لاتفاق مع صندوق النقد، تتم الموافقة عليه في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، ويتيح للحكومة الاقتراض عبر أسواق السندات الدولية، أو المؤسسات الإقليمية، وإن كان الاتفاق الجديد يتوقع له أن يكون بدون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد، ولكنه يفتح الباب على مصراعيه للاقتراض من باقي المؤسسات والمصادر الأخرى.
علاج المسكنات
بالاطلاع على البيان المالي لموازنة سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013، نجد أن كل جهود وزارة المالية تنحصر في تحويل الديون قصيرة الأجل إلى ديون طويلة الأجل، وأن تُستهلك الديون التي حان سدادها بديون جديدة، لكن تبقى الفجوة التمويلية كما هي، كما يلاحظ أن أعباء الدين في تزايد مستمر.
ولعل الإنجاز الأكبر الذي تروج به الحكومة لنفسها بعد اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، أنها نجحت في استجلاب المستثمرين الأجانب للاستثمار بالدين الحكومي، أي فتح باب أكثر خطورة على الاقتصاد في قضية الدين، فهذه الاستثمارات تسمى بالأموال الساخنة، حيث إنها تبحث عن أعلى فائدة في أقل فترة زمنية ممكنة، وفي الفترة من إبريل/ نيسان - ديسمبر/ كانون الأول 2018 خرجت من مصر 10 مليارات دولار من هذه الأموال سعيًا لأرباح أفضل خارج مصر.