في ظلّ حسمٍ متوقع قريب لمعارك "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ضدّ فلول تنظيم "داعش" في معاقله الأخيرة قرب بلدة هجين، جنوب شرق دير الزور، في المناطق المتاخمة للحدود السورية مع العراق، وتأكيد البيت الأبيض أنه ماضٍ بتنفيذ قرار الانسحاب الأميركي من مناطق شرقي الفرات السورية، بدأت تشهد الحدود العراقية السورية منذ يوم الخميس الماضي، تعزيز مليشيات "الحشد الشعبي" قواتها هناك، على خلفية ما قيل إنها "معلومات حصلت عليها استخبارات الحشد عن حراكٍ لداعش" في المنطقة، وسط تساؤلات عن النيات والأهداف الحقيقية لتحركات هذه المليشيات الموالية لطهران، عند الحدود السورية. وفي تطورٍ لافت في هذا السياق، قال قائد عمليات الأنبار في "الحشد الشعبي" قاسم مصلح، ليل الجمعة – السبت، إنّ قواته قصفت مواقع خاضعة لـ"داعش" قرب قرية السوسة بريف دير الزور قرب الحدود السورية العراقية، وقتلت وجرحت العشرات من عناصره.
وأوضح مصلح، في تصريحات نشرها موقع "الحشد الشعبي"، أنّ "مدفعيتنا، وبعد الحصول على معلومات استخبارية دقيقة، تمكّنت من تحقيق ضربات مركزة لمجموعة من عناصر داعش، كانت تستعدّ لمهاجمة قطعاتنا في منطقة سوسة داخل الأراضي السورية"، مُعلناً مقتل وإصابة 35 عنصراً من التنظيم بينهم قيادات فيه.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها "الحشد الشعبي" لمحاربة "داعش" داخل الأراضي السورية، ولكنها تأتي في وقتٍ يُعتبر فيه التنظيم بأضعف حالاته، ويتعرّض في آخر معاقل صغيرة له، بجنوب شرق دير الزور، لهجماتٍ تشنها طائرات "التحالف الدولي" جواً، وقوات "قسد" براً، بهدف القضاء النهائي عليه في الضفة الشرقية لنهر الفرات، وهو ما قد يحصل قريباً، على اعتبار أن فلول التنظيم، باتت محصورة ضمن قرى صغيرة جداً، شمال بلدة الباغوز، وبمساحةٍ تقدر بأقل من 15 كيلومتراً مربعاً.
ويأتي دخول مليشيات "الحشد الشعبي" على خط المعركة ضد "داعش" الآن، ليثير تساؤلاتٍ عديدة حول مغزاه وأبعاده. وبينما فسّر بعض المراقبين ذلك، بالقول إنّ هذه القوات تسعى لتصدر الصورة بأنها تشارك في القضاء على التنظيم في آخر معاقله، وبالتالي تتقاسم نتائج النصر على "داعش"، فإنّ آخرين عبروا عن اعتقادهم بأنّ هذه المليشيات، تعمل على تأسيس موضع قدمٍ لها في سورية، استعداداً منها لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من شرقي الفرات.
وكانت مليشيات "الحشد الشعبي"، قد عززت وجودها بآلاف العناصر داخل العراق، قرب الحدود السورية، منذ ثلاثة أيام؛ ولكنها فعلياً بدأت بذلك بعيد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه سحب كل قوات بلاده من سورية. وكان مسؤول عسكري في محافظة الأنبار العراقية، قال في حديث مع "العربي الجديد" الخميس الماضي، إنّ "فصائل الحشد الموجودة قرب الحدود مع سورية، دخلت اليوم (الخميس الماضي) حالة تأهب، وأعادت توزيع قطعاتها هناك"، مشيراً إلى أنّ "هذا الحراك جاء على خلفية معلومات حصلت عليها استخبارات الحشد عن حراك للتنظيم"، وأن "تعزيزات عسكرية للحشد وصلت إلى الحدود، بينما ستصل تعزيزات أخرى لاحقاً". وأوضح المسؤول أنّ "حراك الحشد يتم حالياً بمعزل عن القوات العراقية، لكنّ أي هجوم أو أي تحرّك سيكون بالتنسيق مع قوات الأمن العراقية الموجودة على الحدود".
ولم تمر تحركات "الحشد" هذه دون تعليقٍ أميركي، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن من وصفته بمصدر حكومي عراقي، قوله إنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبلغ رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي أخيراً، أنّ واشنطن "لن تقف بوجه إسرائيل، في حال قصفت الأخيرة مواقع للحشد في العراق". وأوضح المسؤول أنّ رئيس حكومة بلاده، أبدى امتعاضاً من كلام بومبيو، عن احتمال أن تقصف إسرائيل مواقع لـ"الحشد" داخل العراق، وحذر وزير الخارجية الأميركي من تداعياتٍ خطيرة في المنطقة إزاء ذلك.
وقصفت إسرائيل عشرات المرات، خلال السنوات الخمس الأخيرة، مواقع لمليشياتٍ إيرانية، أو مدعومة من إيران، في مختلف المناطق السورية، خصوصاً محيط العاصمة دمشق. ولكن الحديث الآن عن إمكانية شنّها هجمات ضدّ مليشيات "الحشد" العراقية، يُعتبر سابقة من نوعها.
بموازاة ذلك، ارتفع عدد الضحايا الذين قضوا أول من أمس الجمعة، في قصفٍ جوي للتحالف الدولي على ريف دير الزور الشرقي، إلى نحو ثلاثين قتيلاً، بحسب مصادر محلية. وقال الناشط محمد الجزراوي الذي ينحدر من دير الزور لـ"العربي الجديد"، إنّ حصيلة الضحايا الذين سقطوا من جراء القصف الجوي على ناحية الباغوز يوم الجمعة، ارتفع إلى ثلاثين قتيلاً على الأقل من بينهم عائلة بأكملها.
وأضاف الناشط أنّ القتلى من ثلاث عائلات من بينهم نساء وأطفال، وكانوا قد نزحوا في وقت سابق من مدينتي العشارة والقورية، هرباً من طيران "التحالف الدولي" والاشتباكات بين "قسد" و"داعش".