دير الزور... المعارضة على جبهتي النظام و"داعش"

10 يونيو 2014
يسيطر النظام على المدينة و"داعش" على أجزاء من الريف(getty)
+ الخط -

تتعرض مدينة دير الزور، في الشرق السوري، لأشرس المعارك منذ اندلاع الثورة السورية، إذ يقاتل الجيش الحر على جبهتين: ضد قوات النظام في المدينة، وضد تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام"، (داعش)، في الريف.

ويشن "داعش"، منذ فترة، هجوماً على الريف المحرر من قوات النظام، منذ عامين، بهدف اقتحامه وإعلان المحافظة "ولاية"، وضمها إلى الرقّة التي يسيطر عليها التنظيم بقيادة أبو بكر البغدادي.

وتتركز أهداف "داعش" بفتح معركة دير الزور في هذا التوقيت بالذات، والسيطرة على آبار النفط الممتدة في ريف المحافظة، إضافة للإطباق على الثوار، فتطبق قوات النظام من جهة المدينة، ويحاول "داعش" الضغط من الريف لإضعاف قوات المعارضة.

وكان تنظيم "الدولة أو داعش"، قد قام قبيل الهجوم الشرس على دير الزور، بعدة محاولات فاشلة لدخول المحافظة سلمياً، إذ سبقت بداية المعارك، مفاوضات مكوكية بين قيادات من التنظيم، وقادة من "الحر"، ومشايخ من عشائر دير الزور.

وحاول "داعش" آنذاك إقناع العشائر وبعض الفصائل "بمبايعته"، إلا أن الفصائل المسلحة في الريف والمدينة، ووجهاء العشائر، رفضوا ذلك، الأمر الذي دفع "داعش" لفتح المعركة، فحشد عناصره من الرقة باتجاه الريف الغربي لدير الزور، والذي سيطر عليه التنظيم بشكل كامل مع بداية المعركة.

ويتساءل كثيرون حول قدرة تنظيم "داعش" على السيطرة على هذا الريف خلال تلك الفترة القصيرة، ولكن لا أحد من أهالي دير الزور يستغرب تلك السرعة، إذ يختلف الريف الغربي بدير الزور عن الريف الشرقي، وباقي الأرياف، من خلال الحامل الاجتماعي.

وتسكن هذا الريف، بعض العشائر التي لم يكن لها زخم كبير في المشاركة في الثورة، مثل عشيرة البكارة. وتتماهى تلك العشائر مع جميع القوى التي تدخل قراها، إذ سبق أن خضعت للنظام بفترة من الفترات من دون قتال، ونأت بنفسها عن الكثير من المعارك التي دارت لتحرير ريف دير الزور.

اليوم، وبمجرد دخول تنظيم الدولة إلى ذلك الريف، قامت تلك العشيرة "بمبايعته"، بعكس الريف الشرقي الذي يمتد من قرية حطلة وخشام، إلى قرية الصبحة والشحيل.

وفي أقصى الشمال، تعتبر قرى الصور والحريجي والحريجية وغريبة، أكثر نشاطاً في الثورة وتتمركز فيها أقوى الفصائل المقاتلة، إضافة إلى أن قرية الشحيل، تشكل معقلاً لـ"جبهة النصرة"، العدو اللدود لتنظيم "داعش"، لذلك لم يكن دخول الأخيرة إلى ريف دير الزور الغربي، بالإنجاز العظيم، بما أنه تمّ تسليم معظم أجزائه من دون قتال، لكن في الوقت نفسه، لا يزال يشكل ضغطاً كبيراً وتهديداً حقيقياً على الجيش الحر في باقي المناطق.

وبعد سيطرة "داعش" على الريف الغربي، قام بالهجوم على القرى الشرقية، واستطاع احتلال بعض القرى وأهمها قرية جديد عكيدات، والتي تعتبر المركز الرئيسي لعمليات "داعش".

كر وفر

تدور المعارك بين تنظيم "الدولة" وكتائب "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" في حالة كرّ وفر. وتُستخدم في تلك المعارك، جميع أنواع الأسلحة الثقيلة، إذ قامت معظم فصائل "الحر" بسحب الدبابات من مراكزها في القرى الآمنة باتجاه الجبهة مع "داعش"، واستخدمت "النصرة" أيضاً المدافع الثقيلة والدبابات.

وفي المقابل، قام "داعش" باستخدام أسلوبه المعتاد بالمفخخات التي زرعها في بعض القرى وراح ضحيتها العشرات، وتجاوز عدد ضحايا "الجيش الحر" والفصائل الإسلامية المقاتلة 200 شخص منذ بداية المعركة، في حين وصل عدد قتلى "داعش" إلى 300، فضلاً عن أكثر من 40 أسيراً، بحسب ناشطين في الثورة السورية بدير الزور.

وقال النقيب في مجلس شورى المجاهدين، أحمد الخلف، لـ "العربي الجديد"، إن "الجيش الحر يتبع سياسة ضرب داعش ضمن مراكزه، وتكبيده أكبر حجم من الخسائر وطرده، لكن في أغلب الأحيان، لا يستطيع التمركز والمحافظة على المنطقة التي حررها، فإذا قام الثوار بنصب حواجز في هذه المناطق، سيتحولون إلى أهداف علنية".

وأوضح الخلف أن "معظم المعارك تدور في قرى الريف الغربي، والذي لا يزال أغلبه تحت سيطرة داعش، لذلك ينسحب الثوار إلى مراكزهم فوراً بعد المعركة، فيعود داعش بعد أيام ليسيطر عليها".

ويتبع تنظيم "داعش" أسلوباً في القتال في ريف دير الزور، يقوم على الالتفاف عبر البادية ومهاجمة القرى من الخلف.

مجلس شورى المجاهدين

وضمن غياب أي سلطة سياسية تمثل المعارك على الأرض، وعدم تفعيل دور هيئة الأركان في الإشراف على المعركة وإدارتها عن قرب، كان من الطبيعي ظهور تشكيلات عسكرية فرضتها الضرورة وطبيعة المعركة.

وكان قد تشكل "مجلس شورى المجاهدين" في الريف الشرقي لدير الزور، بتاريخ 25 مايو/أيار 2014، مع بداية تهديد "داعش" للمدينة، في خطوة لتوحيد جميع الفصائل المقاتلة للوقوف في وجه تنظيم "الدولة". ويتألف المجلس من فصائل "الجيش الحر"، وبعض العشائر، إضافة إلى "جبهة النصرة"، وقد تم تشكيل غرفة عمليات موحدة لإدارة المعركة.

ومن أبرز الفصائل التي ضمها المجلس: جبهة النصرة، جيش الإسلام، وحركة أحرار الشام، وجبهة الأصالة والتنمية، جبهة البناء والجهاد الإسلامية ، لواء القادسية، لواء عمر المختار، بيارق الشعيطات، جيش الإخلاص، جيش مؤتة الإسلامي، جيش أهل السنة والجماعة، جزء من عشيرة البوسرايا، عشيرة البورحمة ،عشيرة البوعز الدين، عشيرة الشويط.

وتعتبر قرية شحيل أقوى مراكز مجلس شورى المجاهدين تلك التي يحاول "داعش" الوصول إليها عبر قرية البصيرة. ولهذا الهدف، لجأ إلى قصفها بالأسلحة الثقيلة مراراً. ويصنف تنظيم "داعش" كل من في المجلس بـ"الكفار" و"الخارجين عن الملة". ويستخدم لفظ "الصحوات" للتعبير عن العشائر العربية التي تقاتلهم، في إشارة إلى التجربة العراقية مع العشائر التي سلحتها الولايات المتحدة لتقاتل تنظيم "القاعدة".

وهناك بعض الفصائل في دير الزور، اعتزلت القتال مع "داعش"، فلا هي تقف معها، ولا ضدها، بحجة "عدم رفع السلاح في وجه مسلم"، وحصر القتال ضد النظام، بينما يتهم "الجيش الحر" هذه الكتائب بأنها تعتمد على تمويلها من تنظيم "الدولة". وأبرز تلك الفصائل: كتيبة عبد الله بن عمار، وكتيبة الكرامة، وكتيبة المختار، وجماعة الأنصار، والطليعة المقاتلة، ولواء جند العزيز، وحركة أبناء الإسلام، ولواء العباس.

النظام هو "داعش"

ولا يزال حتى اليوم، عدد كبير من المدنيين ووسائل الإعلام، يشككون بكون "داعش" تشكيلأً أوجده النظام أو استغلّه، لتقويض الثورة السورية، وتشويهها لدى الرأي العام العالمي، وتحوي معارك دير الزور الأخيرة ما يكفي من الأدلة لإثبات هذا الاتهام بالنسبة لكثيرين.

فقد جاء أول اقتحام خاطف لـ "داعش" على مدينة البوكمال الحدودية  مع العراق، من قبل قوات التنظيم من الرقة. ومن المعروف أن الطريق الواصل بين الرقة والبوكمال، يخضع بمجمله لسيطرة قوات النظام السوري.

وقال أحد الضباط الذي لا يزال على رأس عمله في اللواء 137 المحاصر في محافظة الرقة، (أ.ف)، لـ "العربي الجديد"، إنه "في تلك الليلة، قامت إدارة اللواء برصد تحركات تنظيم الدولة من الرقة، كما مرت أرتاله بالقرب من اللواء، وكان من السهل استهدافهم، ولكن الأوامر كانت صارمة بعدم اعتراضهم".

من جهته، قال عضو كتائب مدينة موحسن، المشارك في القتال ضد "داعش"، الضابط مهاب العبيد، لـ"العربي الجديد"، إنه "أثناء اشتباكنا مع داعش عند محاولتها اقتحام قرية البصيرة، شارك النظام بقصف مواقع الثوار في البصيرة والشحيل، وقامت مدفعية النظام بالتمهيد وقصف مواقع الثوار في قرية الطابية ثم قامت داعش بالاقتحام".

كما أكد مصدر في "جبهة النصرة" في دير الزور لـ"العربي الجديد"، أن "القائد الفعلي لتنظيم الدولة في معارك دير الزور هو أبو عمر الشيشاني، وهو ضابط من روسيا.