تتعقد الأزمة الأمنية في محافظة ديالى شرقي العراق، حيث تجتمع التحديات بين النزاعات العشائرية وهجمات تنظيم "داعش" الإرهابي، على البلدات والقرى غير المؤمنة بشكل كامل بواسطة القوات العراقية، ناهيك عن قذائف "هاون" و"كاتيوشا" لم تتوقف منذ سنوات في أكثر من مدينة وبلدة، وتتورط فيها مليشيات مسلحة تعمل على التصفية الطائفية، بحسب مسؤولين ومراقبين.
ولم تتراجع المليشيات عن استهداف البلدات في مناطق شمال شرق ديالى بقذائف "هاون"، وهو ما تسبب بموجات نزوح متفرقة خلال العام الحالي من تلك المناطق، ومنها قضاء المقدادية وضواحيه وجلولاء، وقرى كثيرة منها أبو الخنازير والمخيسة وكبة وأبو كرمة، وبلدات بعضها مكتظة بالسكان مثل العظيم والعبارة والوقف التي تعرضت، في الأشهر الماضية، إلى سلسلة مكثفة من "الهاونات"، وتعرض الأهالي إلى خسائر بالأرواح والمحاصيل الزراعية الخاصة بهم، فضلاً عن الرعب والذعر الذي تتسبب به تلك الهجمات.
وتؤكد مصادر رسمية وأخرى برلمانية، أنّ الهجمات وحملات استهداف مناطق محافظة ديالى تقف وراءها أكثر من جهة، وهو ما جاء على لسان عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عبد الخالق العزاوي، الذي قال إنّ "ديالى شهدت في الأشهر الأخيرة عودة لملف إطلاق قذائف الهاون على القرى والمناطق السكنية، بعضها تسبب بوقوع إصابات في صفوف المدنيين وإلحاق أضرار مادية"، مبيناً، في تصريحٍ صحافي، أنّ "جهات عدة تقف وراء إطلاق القذائف، منها "داعش"، والبعض الاخر جماعات مسلحة تريد الفوضى لتحقيق مصالح متعددة".
في السياق، قال ضابط عراقي منتسب ضمن قوات الجيش، إنّ "ديالى شهدت، منذ الشهر الماضي، ولغاية الآن، أكثر من 10 هجمات صاروخية مجهولة على قرى وبلدات بسيطة، وإن حوالى 40 قذيفة هاون سقطت على الأهالي، وهو ما أدى إلى خسائر بالأرواح والمزروعات والمواشي".
ديالى شهدت، منذ الشهر الماضي، ولغاية الآن، أكثر من 10 هجمات صاروخية مجهولة على قرى وبلدات بسيطة
وبيّن لـ"العربي الجديد" أنّ "غالبية قذائف الهاون تنطلق من مناطق يتواجد بها بعض عناصر تنظيم "داعش"، وهو ما يدفع القوات العراقية إلى مداهمتها لأكثر من مرة، وبعض القذائف تطلق من مناطق سيطرة الفصائل المسلحة التي تعود إلى هيئة "الحشد الشعبي"، ولكن الحشد لأكثر من مرة اعتذر لقيادة عمليات ديالى في رسائل غير علنية، بأنّ ما يحدث أحياناً" ليس إلا أخطاءً عسكرية أو تصرفات فردية ويتوعد بالتحقيق ومحاسبة المتورطين".
ولفت إلى أنّ "بعض الفصائل المسلحة تسعى للانتقام من الأهالي في بلدات شرق ديالى، وهي مناطق الحوض وأبو صيدا وغيرها، كما تتهمها بموالاة داعش، مع العلم أن الأهالي دفعوا ثمناً كبيراً من أجل تحرير مناطقهم من سيطرة الإرهابيين، أما بالنسبة للهجمات التي يكون مصدرها عناصر داعش؛ فهذه تكون من مناطق قريبة من سلسلة جبال حمرين حيث يختبئ العشرات منهم، ويسعون بين فترة وأخرى إلى زعزعة الأمن في محافظة ديالى".
أما الناشط من مدينة ديالى داوود سالم، والذي يستقر في أربيل، فأشار إلى أن "سبب تردي الأوضاع الأمنية في ديالى، وعدم استقرار المحافظة، على الرغم من تحرير ما سقط منها بأيدي تنظيم (داعش)، يعود إلى سيطرة الأحزاب والمليشيات على القرارات الأمنية، وتحديداً منظمة (بدر) التي يديرها هادي العامري، فهي تتحكم بالقرار الأمني وتستولي على المحافظة بشكل شبه كامل".
وأوضح، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "سطوة المليشيات على ديالى لا تزال قائمة وتشتد يوماً بعد يوم، لدرجة أن بعض القرى أخليت من ساكنيها بعد قصفها وتهديد أهلها، وهذه الممارسات من قبل الفصائل المسلحة والحشد الشعبي تندرج ضمن التصفية الطائفية والتغيير الديمغرافي".
إلى ذلك، رأى عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، أنّ "المشاكل الأمنية في مدينة ديالى كثيرة، لأنها تعاني من السلاح المنفلت والعصابات الجوالة التي لا توجد جهة في الحكومة العراقية قادرة على محاسبتها"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنّ "كل القوى والتشكيلات العسكرية والفصائل المسلحة المسؤولة عن حماية المدينة، هي متهمة بالقصف والاستهدافات التي تتعرض لها بعض القرى والبلدات، لأن من مسؤوليتها الحماية والمتابعة والدفاع".
ولفت إلى أن "كثيراً من السكان يعتزمون ترك قراهم والتوجه إلى مناطق أخرى أكثر أمناً، بسبب الفوضى الأمنية، وأن ما يحدث في ديالى منذ سنوات يمثل جرائم بشعة بحق الإنسانية"، مستكملاً حديثه أنّ "الحراك البرلماني من قبل نواب محافظة ديالى في البرلمان العراقي من أجل إغلاق ملف النزوح وتوطين الاستقرار، وإعادة الأمن هو من الملفات المهمة، ومنع استمرار الفوضى الأمنية هو ضمن أول المهام الأساسية لأعمالنا، ولكن بشرط أن تسندنا الحكومة وأن تعمل لحماية المواطنين".