دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام

04 سبتمبر 2014

تحضر في داعش القاعدة، ويتواصل منطقها الجهادي مع داعش.

+ الخط -

ليس عنوان هذه المقالة محوراً من محاور درسٍ في تاريخ الدولة ونظام الحكم في الإسلام. إنه يشير إلى أفقٍ وخيار سياسي لمجموعات جهادية. وقد قرأت البيان الأول العلني لمجموعة اختارت طريقها لبناء الخلافة الإسلامية مجدداً. وقد أدرجت "داعش"، في البداية، ضمن دائرة الانفجار الطائفي، الموظَّف في قلب الفوضى المتنامية في مجتمعاتنا، وتابعت، بحذر شديد، علاقة هذه الطائفة بالأمكنة في كل من سورية والعراق، وفي المجال المفترض لبلاد الإسلام. ثم وسَّعتُ المجال الجغرافي، بإدخال الجغرافية الإقليمية وخريطة التموقعات السياسية القائمة، ومن دون أن أُغفل مُتغير الاستقطاب الدولي الأوسع، إلا أنّ فواجع ما يجري على الأرض في المشرق العربي، وما يجري في الإعلام الذي يركِّب الصُّور من مواقع معينة، جعل الأوراق مختلطةً أمامي بصورة لا مثيل لها. فقلت في نفسي، بلغة العزاء: ليس من الضروري فهم كل ما يجري في العالم أمامنا.

انتبهت، في إحدى لحظات حيرتي، إلى تقارير دولية، أصبحت تُعمَّم أخيراً، في قنوات تلفزيونيةٍ دولية وعربية كثيرة، انتبهت إلى معطياتٍ غريبة كثيرة، تتعلق بمصادر تمويل المجموعة وأجور المرتزقة من المتأسلمين، كما يتعلق بهيمنة الداعشيين على آبار البترول في شمال العراق، وكيفيات صرفهم الأموال الناتجة عن تسويقها، حيث يتم العمل بجمع أكبر قدر من المتطوعين، لكن معطيات هذه التقارير جاءت مرتَّبة بصورةٍ، تدعو إلى حذر كثير.

تركت الموضوع بصورة مؤقتة، وانخرطت في تفاؤل لا نظير له بمنجزات المقاومة في غزة، إلى أن انتبهت، ثانيةً، إلى بداية ظهور تقارير مضادة لما سبق في موضوع داعش، تقارير تفضح التقارير السابقة، وتعتبر أن ما يجري مهيأ سلفاً لمزيد من تفتيت الدولة والمجتمع في المشرق العربي. نحن، في النهاية، أمام سيناريو مؤامراتي، يروم القيام بتفكيك الأنظمة السياسية القائمة، والفزاعة المستعملة لذلك هي دولة الخلافة الإسلامية القادمة، عنوان مجد قديم في طريقه إلى العودة!

بدأت أتابع محتوى التقارير الجديدة، كما أعاين في قنوات التلفزة قصص الرعب في شمال العراق، وما يجري في سورية من قتل وتهجير، وكذا صور الخطف والاختطاف والدِّيات المالية العالية، وكذا انخراط الشباب، من كل حدب وصوب، في بناء أنوية المجموعة في بلدان المغرب العربي وأوروبا، فتبينت، في النهاية، أنني أقف أمام القاعدة رقم 2، من دون أن يعني هذا أن القاعدة رقم 1 انتهت، أو دخلت في سبات مؤقت.

تحضر في داعش القاعدة، وفي القاعدة يتواصل منطق الجهاد مع داعش. وما عزَّز اقتناعي بترجيح هذا الموقف، الجوامع المشتركة بينهما. لا يتعلق الأمر في موضوع المشترك والموحد بينهما باللباس واللحى وبعض الأمارات الدالة (العلم الأسود والشهادة)، ولا بأشكال الاستقطاب الذي تُوظِّف الإسلام بطريقة مخيفة، بل بالوسائل المستعملة من التنظيميْن في المعارك القائمة، سواء منها التي تجري على الأرض، أو التي تملأ القنوات التلفزيونية، أو المعارك الأخرى التي تغذّي المواقع الافتراضية، وتصنع الأخويات بوسائل التواصل الاجتماعي المتطورة.

وقد ازددت تأكداً من وجود جوامع بين داعش والقاعدة وتيارات التشدد السلفية ومن يدور في فلكها، من أولئك الذين يحاربون جاهلية عصرنا بتقنياته وفتوحاته العلمية، عندما انتبهت إلى الأساليب الجديدة المستخدمة، اليوم، في الحروب المشتعلة في أكثر من ساحة عربية، أدركت أننا أمام جهاد متواصل، ذلك أن التفجيرات الانتحارية للأفراد والأمكنة ووسائل المواصلات، والصناعات الحربية الجديدة في مجال الغازات، وتسميم المواد الغذائية، أساليب واحدة تمارس، اليوم، عمليات قَتلٍ متواصلةٍ، من دون حروب تقليدية، وهي تحصل بواسطة فاعلين بأهداف متنوعة، تجمعهم مرحلياً شعاراتٌ ترتبط بغاياتٍ ليست دائمة واحدة، ولا متفق عليها.

أما صناعة المِلَل والنِّحَل وتجديدها ثم خَلَطها، وهي الظاهرة التي تنامت وتزايدت بصورة لا مثيل لها في أغلب المجتمعات العربية، فإنه يمكننا أن نُدرجها، أيضاً، ضمن الأدوات الحربية الجديدة، المستخدمة في حروبنا، اليوم، مع بعضنا ومع العالم.

يمكن أن نضيف إلى ما سبق ظاهرة خلط الأوراق والمواقف السياسية والاستراتيجية، ولا نقصد بذلك ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة، بل الفوضى فقط، الفوضى الانتقامية، الأمر الذي يضعنا أمام "الكاوس" الغموض المطلق، حيث لا بارقة أمل، وحيث الفوضى علامة الساعة.

يمكننا أن ندرج كل ما سبق ضمن المعارك التي تنتظرنا، وهي معارك تقتضي منا فهم ما يجري، كما تقتضي منا الحسم فيما لم نحسم فيها.

وإلى أن يحصل ذلك، أسألكم وأسأل نفسي: ماذا يقع اليوم في العراق وسورية؟

C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".