دولار المجاعة:شح النقد الأجنبي يهدد الأمن الغذائي اليمني

14 مارس 2016
الجوع يهدد سكان اليمن (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
لا جديد في حياة الحاج، محمد سيف غيلان، سوى تلك الأزمات التي تهدد قوته. يقول لـ "العربي الجديد": "كل شيء توقف في هذا البلد ما عدا الأسعار التي ترتفع يوماً تلو الآخر. وكل يوم نصحو على أزمة جديدة". ومن بين المشكلات الكبرى، أن يقتات اليمنيون غذاءً مجهول المصدر، إذ إن أغلب السلع في السوق تقترب صلاحياتها من الانتهاء، فيما سلع أخرى تدخل البلد عن طريق التهريب ولا تخضع للرقابة، الأمر الذي يشكل خطراً على صحة وسلامة المستهلك، وخصوصاً الأطفال والعجز والمرضى.

تشهد الأسعار الغذائية الأساسية في اليمن ارتفاعات كبيرة، وتختلف من سلعة إلى أخرى، حيث تتراوح نسب الارتفاعات ما بين 50 % إلى 100%، في حين ترتفع إلى أعلى من ذلك لسلع أخرى، وهو ما يقود إلى مزيد من الأزمات الإنسانية التي تعيشها البلاد، حيث لجأت أسر يمنية عديدة إلى تقليص الإنفاق على الغذاء والدواء، في حين أن أخرى لا تجد ما يكفيها من الغذاء، ليضاعف ذلك، أعداد من يعانون نقصاً في التغذية. ووفق نشرة المستجدات الاقتصادية الصادرة عن وزارة التخطيط اليمنية في شهر آذار/ مارس 2016، فإن 14.4 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي في اليمن، و1.8 مليون طفل معرضون لخطر سوء التغذية. فماذا عن يوميات اليمنيين؟ وكيف يحاولون التحايل على المجاعة؟

أزمات جديدة
يعيش الحاج غيلان حالة من الخوف والهلع كونه لم يعد يحتمل أية أزمات جديدة، فهو لا يعمل أكثر من مرتين في الأسبوع نتيجة تدهور أوضاع بلد يعيش حالة من الاقتتال بشكل متواصل. ويشير إلى أن "ما نُشر أخيراً عن تخلي البنك المركزي عن دوره في تزويد الواردات الغذائية بمتطلباتها من النقد الأجنبي أصبح حديث الشارع، ويُعد فاجعة للمواطنين وخبراً ساراً للتجار المحتكرين، الذين يختلقون الأزمات قبل وقوعها من أجل رفع أسعار سلعهم المخزنة". وكان البنك المركزي اليمني قد عقد اجتماعاً مع ممثلي المصارف المحلية وجمعية الصرافين اليمنيين، حيث أبلغهم عزمه على إخطار التجار والمصارف المحلية بعدم تقديمه بعد الآن خطوط ائتمان بسعر الصرف الرسمي لاستيراد السكر والأرز، خاصة بعد تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى ما دون ملياري دولار، منها مليار دولار الوديعة السعودية.
وقد كان لهذا الخبر وقع قاسٍ على الشارع اليمني، حيث أحدث ضجة إعلامية أجبرت السياسيين والسلطات النقدية على تحاشي عواقب ذلك التوجه، لينفي البنك المركزي اليمني رغبته في التخلي عن تأمين الواردات باحتياجاتها من العملات النقدية الأجنبية، فيما بعد.
هذا التراجع الذي يبديه المركزي اليمني يعتبر تخديراً موضعياً، وفق خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه، حيث يؤكد لـ "العربي الجديد" أن "البنك المركزي اليمني قد تخلى عن الكثير من مهامه، وبات غير قادر على توفير العملة الصعبة من النقد الأجنبي، خاصة بعد فقدان مختلف مصادر هذا النقد". ووفقاً لنشرة المستجدات الاقتصادية الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية في شهر آذار/ مارس 2016، والتي حصل "العربي الجديد" على نسخة منها، فإن إجمالي الإيرادات العامة للدولة انخفضت بمعدل 53.7 % بسبب توقف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، وتعليق دعم المانحين للموازنة، وانخفاض الإيرادات الضريبية.

يقول الخبير المالي، أحمد سعيد شماخ، لـ "العربي الجديد": "أصبح البنك المركزي اليمني خلال هذه الفترة غير قادر على القيام بدوره نتيجة التشوهات الاقتصادية، التي خلفتها الحرب، والتي فرضت نفسها على الواقع اليمني، بحيث شكل هذا الوضع واقعاً صعباً على حياة اليمنيين". ويؤكد شماخ توقف الموارد التي كانت تصب في خزينة الدولة، وعلى رأسها مورد النفط والغاز الذي توقف منذ أبريل/ نيسان 2015.
ويوضح شماخ أن اليمن بلد مستورد في المقام الأول، حيث يعتمد بما نسبته 90 % من احتياجاته المختلفة على الخارج. إلى ذلك، يضيف: "خلال هذه الفترة اختفى الاقتصاد الرسمي، وبرز إلى السطح الاقتصاد الخفي المعتمد على السوق السوداء، حيث تنشط هذه السوق في مجالي المشتقات النفطية وأسعار الصرف، فقد بدأت تأخذ سوق الصرف طريقاً خطيراً أدى إلى تراجع قيمة العملة المحلية، (الريال)، أمام العملات الأجنبية". وتشير وزارة التخطيط اليمنية إلى أن سعر الصرف في السوق الموازية ارتفع إلى 270 ريالاً للدولار الواحد في فبراير/ شباط 2016 مقارنة بـ 214.9 ريالاً للدولار في فبراير/ شباط 2015.

ارتفاعات مؤكدة
"وفي ظل شح النقد الأجنبي في اليمن هناك تهريب للعملات"، بحسب الخبير المالي أحمد شماخ، الذي يشير إلى أن التسرب في العرض النقدي بلغ نحو 90 % خارج القطاع المصرفي، إضافة إلى ذلك هناك احتباس للسيولة الفائضة من العملات الخارجية "غير الدولار" لاستبدالها في الخارج بالدولار من أجل تغذية القطاع الخاص لتأمين احتياجاته الاستيرادية. ويدعو شماخ البنك المركزي واتحاد المصارف المحلية إلى إيجاد حل لتصدير العملات الفائضة إلى الخارج، من أجل تغذية الاحتياجات الشرائية من الخارج.
أما مدير عام مركز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مرزوق عبد الودود محسن، فيقول لـ"العربي الجديد" :" أمام البنك المركزي اليمني خياران، إما الإعلان عن إفلاس الدولة، أو إحداث ارتفاعات سعرية، وبكل تأكيد سيلجأ إلى الخيار الأخير، الذي يراه أقل خطراً على كيان الدولة. وهو ما سينعكس سلباً على المواطن اليمني خاصة أن المستوردين سيخضعون إلى شراء النقد الأجنبي من السوق السوداء وبفارق كبير عن السعر الرسمي المحدد بنحو 215 ريالاً للدولار، في حين يصل سعر الصرف في السوق السوداء حالياً إلى 270 ريالاً للدولار الواحد". ويضيف محسن: "ستتم إضافة هذا الفارق على أسعار السلع وسيتحمل أعباء ذلك المواطن مما يقود إلى كارثة إنسانية"، ويشير محسن إلى أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الضرورية المستوردة سترتفع، الأمر الذي يولد آثاراً سلبية تتجسد في قلة الاستهلاك الذي هو الآن في أدنى مستوياته. ويشرح: "سيستمر هذا في الانخفاض الاستهلاكي مما يؤثر على الصحة العامة، حيث ستتأثر الفئات الفقيرة بدرجة رئيسية، وستضاف نسب جديدة من فئات المجتمع إلى الفئات المعدمة".

اقرأ أيضاً:نمو الاقتصاد اليمني دون الصفر والناس تحت خط الحياة
المساهمون