تلقّت الصحف ووسائل الإعلام المصرية تعليمات من الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بعدم التعاطي مع المعلومات التي نشرتها صحيفة "العربي الجديد" منذ أيام عن احتمال انضمام وزير الدفاع السابق صدقي صبحي إلى حزب الوفد. وهي المعلومات التي دفعت حزب الوفد لإصدار بيان رسمي يفيد بأن "صبحي لم ينضم إلى الحزب حتى الآن"، ويحمل في حقيقته ترجيحاً لوجود اتصالات مستمرة بين صبحي والحزب خلال الفترة الحالية لكنها لم تتكلل بعد بالنجاح الكامل.
وأثار اقتران اسم وزير الدفاع السابق بحزب الوفد لغطاً في الأوساط السياسية في ظل سعي الحزب بقيادته الجديدة برئاسة النائب المؤيد للسيسي بهاء أبو شقة، والد المستشار القانوني للسيسي المحامي محمد أبو شقة، إلى تصدر المشهد السياسي وتأدية دور نصف معارض بتأييد السيسي والنظام عموماً ومعارضة بعض توجهات الحكومة تحت قبة البرلمان، لاصطناع صورة زائفة لحياة نيابية ديمقراطية، لا سيما أن الحزب ما زال خارج الأكثرية النيابية المسماة "دعم مصر" بإدارة مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل.
ومنذ نجح النظام في الدفع بأبو شقة لرئاسة الحزب بدلاً من السيد البدوي الذي رفض خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد السيسي كمنافس صوري له، انضم العشرات من ضباط الجيش والشرطة السابقين لعضوية الحزب وضخوا ملايين الجنيهات لخزانته الفارغة المثقلة بالديون والتي كانت في السابق تعتمد في تمويلها أساساً على الأنشطة الاقتصادية الخاصة للسيد البدوي وبعض رجال الأعمال الكبار في الحزب. وكان أبرز الضباط المنضمين للحزب الذي يصف نفسه بـ"أبو الليبرالية المصرية" العميد محمد سمير، المتحدث السابق باسم الجيش والمدرس بأكاديمية ناصر العسكرية، والذي تم تعيينه فور التحاقه بالحزب مساعداً لرئيسه لشؤون الشباب في سابقة بالنسبة لتاريخ الحزب ونظامه الداخلي.
وتكامل الاتجاه المتصاعد لعسكرة حزب الوفد والسيطرة عليه من قبل شخصيات محسوبة على النظام، مع بدء الحزب برنامجاً عملياً لتوسيع قاعدة عضويته، فبواسطة الأموال التي تم ضخها أخيراً لخزانته ومساعدة نوابه البرلمانيين، افتتح الحزب الشهر الماضي عشرات المقار الصغيرة في الأحياء الشعبية والفقيرة لحل مشاكل المواطنين وتلقي الشكاوى وتسجيل العضويات الجديدة. ما عكس رغبة الحزب في خوض منافسة جادة مع أحزاب الأكثرية النيابية، داخل عباءة النظام.
ويأمل حزب الوفد بذلك أن ينتزع صدارة الأحزاب التي تحظى بدعم الأجهزة الأمنية والرقابية، على ضوء رغبة النظام في تقليل عدد الأحزاب بصورة عامة، ودمج عدد من الأحزاب داخل مظلة حزبية واحدة تكون ظهيراً سياسياً للسيسي، بعد الفشل الذريع في إدارة المشهد السياسي خلال الانتخابات الرئاسية السابقة، وظهور الحاجة لوجود تنظيم سياسي على الأرض بدلاً من إدارة الحشود بعشوائية أو بقيادات فردية بتعليمات من ضباط الاستخبارات والأمن الوطني.
ولا يتحرك حزب الوفد في هذا الاتجاه من دون تصور مسبق عن حجم المكاسب المنتظرة، فمن بين المشاريع المقترحة حالياً لإعادة تشكيل المشهد الحزبي، مسألة تعديل قانون الأحزاب لانهاء الأحزاب غير الممثلة في البرلمان أو التي تقل عضويتها عن رقم معين، كي يبقى عدد قليل منها، على أن تمنح الدولة الأحزاب المتبقية دعماً مالياً سنوياً كبيراً. كما أن تخفيض عدد الأحزاب سيؤدي لزيادة فرص حزب الوفد في التمثيل النيابي، فضلاً عن أمله في اختيار بعض أعضائه داخل الحكومة، وبالتالي تكريس صورته كمشارك للسيسي في السلطة.
أما بالنسبة لصدقي صبحي نفسه، فقد كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، بأن "وزير الدفاع السابق الذي شارك السيسي انقلابه في 3 يوليو/ تموز 2013 وتولى حقيبة الدفاع والإنتاج الحربي من مارس/آذار 2014 وحتى يونيو/حزيران 2018 التقى منذ أسبوعين عددا من قيادات الأحزاب الداعمة للسيسي والمكونة للأكثرية النيابية، وعلى رأسها حزب مستقبل وطن، وطُرحت أيضاً فكرة انضمامه للحزب وحصوله على منصب تنفيذي به.
وأضافت مصادر سياسية مطلعة أن "تواصل صبحي مع الوفد تمّ بالتوازي مع تواصله مع مستقبل وطن، وأنه أخبر قيادات بارزة بالحزبين باستعداده للانضمام لأي منهما بناء على مواءمات سياسية يحددها السيسي نفسه، وأنه أشار لحصوله على الضوء الأخضر لخوض هذه التجربة من الرئاسة والجيش، بل إن السيسي يدعم هذا الاتجاه".
وإذا كان السيسي يدعم فعلاً انضمام صبحي، الذي يتولى حالياً منصب مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، لحزب من الاثنين، فيبدو أنه يمضي قدماً في خطة عسكرة المشهد السياسي، وتقديم شخصيات عسكرية مأمونة الجانب ليست لها طموحات شخصية مثل صبحي لساحة العمل السياسي، ربما تمهيداً لأدوار سياسية أو تنفيذية أكبر في المستقبل.
وبين حين وآخر تتجدد في كواليس السياسة المصرية إشاعات عن احتمال عدم إقدام السيسي على تعديل الدستور لاستمراره في الحكم بعد عام 2022، وأنه يفضل الأخذ بالنموذج الروسي وثنائية فلاديمير بوتين – ديمتري ميدفيديف، فيترك الرئاسة صورياً بعد 4 أعوام لشخصية عسكرية مأمونة، تحدثت مصادر منذ أشهر عدة عن كونه اللواء عباس كامل. ويأتي صعود اسم صدقي صبحي في بورصة السياسة لطرح اسمه كبديل مؤقت ومحتمل. وذلك كله إذا لم يمض السيسي قدماً في الخطة الرئيسية التي يتحمس لها البرلمان وتدعمها الاستخبارات والأمن الوطني لتعديل الدستور وإزالة قيد بقاء الرئيس في منصبه مدتين متتاليتين فقط.
ولا يتعارض التحاق صبحي بأي من الحزبين مع القانون الجديد الذي أصدره السيسي يوم الخميس الماضي، باسم "تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة" وتضمن تحديد أسماء عدد من كبار قادة الجيش الذين عملوا به في الفترة من يوليو/تموز 2013 إلى يونيو/حزيران 2014، ومنحهم حصانة من أي ملاحقات قضائية عن وقائع ارتكبت بمناسبة ممارستهم أعمالهم، وكذلك استمرار استدعائهم كضباط مستدعين لخدمة القوات المسلحة مدى حياتهم، ومعاملتهم مالياً كوزراء وحصولهم على رواتب بالإضافة لمخصصاتهم العسكرية.
وعلى الرغم من أن الاستدعاء لخدمة الجيش يعتبر عقبة أمام أي ضابط يرغب في ممارسة العمل السياسي بالترشح أو التصويت في الانتخابات، كما حدث مع رئيس الأركان الأسبق سامي عنان الذي اعتقل وحركت ضده قضية وصدر بحقه حكم حبس بسبب إقدامه على ترشيح نفسه ضد السيسي بدون إذن وزير الدفاع، إلا أن مجرد الانضمام لحزب سياسي ليس أمراً يتطلب إذناً خاصاً من وزير الدفاع. فعنان نفسه كان عضواً مؤسساً في حزبه "مصر العروبة الديمقراطي" منذ 3 أعوام، ولم يعترض السيسي أو الجيش على ذلك، مع استمرار استدعائه كضابط مستدعى للجيش شأنه شأن باقي أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بين 2011 و2012 بموجب قانون كان يستهدف أساساً إنقاذهم من أي مساءلة عن الوقائع الدامية كـ"أحداث محمد محمود وماسبيرو" ومنع تحريك أي بلاغات فساد ضدهم أمام جهات التحقيق القضائية العادية.
كما أن تحرك صبحي سياسياً، وطالما كان بضوء أخضر من السيسي كما تؤكد المصادر، فإنه من السهل عليه بعد إدراج اسمه ضمن أسماء الضباط المستفيدين من القانون الجديد الذي أصدره السيسي، أن يحصل على إذن من وزير الدفاع الحالي الفريق محمد زكي للحصول على حقوقه السياسية في الترشح والانتخاب، وأن ينضم من دون مشاكل لعضوية أي حزب سياسي، وبالتالي فإن العقبات القانونية التي واجهت عنان لن تظهر أمام صبحي.