08 نوفمبر 2024
دور الجامعة والعرب في سورية
يتعذّر على قمة اليوم الوحيد أن تؤسس لدورٍ مفقودٍ للعرب في سورية، حتى وإن وُجدت الإرادة لهذا التأسيس. فمع جردة حسابٍ لمواقف العرب، خلال ما يقارب السنوات السبع من الحرب في سورية، وتضخُّم مأساة شعبها، ليس من الصعب التأكد أن دوراً، من قبيل الذي دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط العربَ إلى الاضطلاع به في سورية، سيكون قاصراً، وربما مؤدياً إلى عكس المرجوّ منه، نظراً إلى كثرة الفاعلين على الساحة السورية، والذين سبقوا العرب في التجذِّر في تربة الحرب السورية، واقتسام الأرض والشعب السوريَّين فيما بينهم. كذلك لا مستند لدعوة الأمين العام هذه، كون العرب ألفوا الغياب عن جميع قضاياهم التي سبقت القضية السورية أو رافقتها، بل وأدمنوه.
ويدعو انكفاء جامعة الدول العربية سنواتٍ طويلة، ونأيها بنفسها عما يجري في سورية، إلى الاستغراب والتساؤل عن سبب دعوة أبو الغيط، في اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية التحضيرية للقمة العربية في منطقة البحر الميت في الأردن، في 27 مارس/ آذار الماضي، الدولَ العربية "للتدخل الناجع من أجل إيقاف نزيف الدم وإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية للأزمة السورية"، فهو الذي اعترف بالتقصير العربي حيال هذا الأمر، حين قال: "لا يصح في رأيي أن يبقى النظام العربي بعيداً عن أكبر أزمةٍ تشهدها المنطقة في تاريخها الحديث"، حيث كان الأجدى به، وبمنظمته تجنيد طاقاتهما والعمل على مدار الساعة، للتخفيف من حجم الجحيم في هذا البلد، إن لم يتسنّ إيقاف الحرب.
وفي هذا السياق، كان أحرى بالمنظمة العربية ذاتها الاضطلاع بهذا الدور الذي يدعو إليه
أمينها العام، إن تعذر على الدول العربية القيام به. حيث لم يكن يفترض بها إدارة ظهرها كلياً للنظام والمعارضة على السواء، وتركهم يمعنون في الحرب التي وصلت إلى ما وصلت إليه من توحشٍ، وسلكت طريق اللا عودة. فالعادة التي درجت عليها جامعة الدول العربية من تعليق عضوية بعض الدول فيها، وقطع الدول العربية العلاقات معها، ليس حلاً. إذ ثبتَ أن هذا الإجراء لم يكن ناجعاً للضغط على النظام السوري، كما لم يكن ناجعاً، من قبل، في الضغط على مصر، بعد توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي، سنة 1978، ولا كان ناجعاً مع صدام حسين عقب غزو القوات العراقية الكويت، سنة 1990، حيث لم يثنِ ذلك أياً منهما عن الاستمرار في ما هو فيه.
وعلى الرغم من عدم وصولهما إلى نتيجة، إلا أن قرار الجامعة إطلاق "المبادرة العربية لحل الأزمة السورية"، في سبتمبر/ أيلول 2011، واعتماد "بعثة المراقبين العرب إلى سورية"، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2011، كان اختراقاً في أسلوب عمل الجامعة، وتوطئةً لاعتمادها أدواراً جديدة تختلف عن الأدوار السابقة التي اتصفت بالإنشائية، من دون الفعل. لكن فشل المبادرة، وتعطل عمل البعثة، كان دافعاً للجامعة في عدم الخوض من جديد في الأزمة السورية، وتعزّز ذلك عندما أُطلقت "مبادرة أصدقاء سورية"، وعينت الأمم المتحدة كوفي أنان مبعوثاً خاصة لها إلى سورية، فاستراحت الجامعة العربية، ومن خلفها الدول العربية، من الهم السوري، إلى أن جاءت الاستفاقة الأخيرة.
ومن ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، تبيّن أن جامعة الدول العربية لم تقطع علاقاتها مع النظام السوري عندما علَّقت عضوية سورية فيها، وفرضت عليها عقوبات، أواخر سنة 2011، فحسب، بل قطعتها مع الشعب السوري نفسه، حين تقاعست عن تقديم العون له في البراري التي لجأ إليها، وفرضت، هي وغيرها من دول العالم، العقوبات التي أضرّت بالشعب أكثر بأضعاف ما أضرت بالنظام. ولم يُسمَع للجامعة صوتٌ حين أوقفت غالبية دول العالم منح السوريين تأشيرات دخولٍ إلى أراضيها، بغض النظر عن نوع هذه التأشيرات، في ما بدا يومها دعوةً منها إلى هذا الشعب للبقاء في بلده، والموت تحت القصف. أما من قُدِّر له النزوح إلى المدن السورية الآمنة، أو اللجوء إلى الدول المجاورة، فقد تركته الجامعة يلاقي الذل والعوز والموت برداً أو جوعاً أو بسبب الأمراض. كما لم تهتم جامعة الدول العربية بأجيال كاملة، حُرمت التعليم الذي يقيها التخلف والفقر، وحُرمت امتهان الحِرَف التي تمنعها من أن تصبح فريسةً للبطالة وآثارها مستقبلاً. ولعل اعتماد الجامعة، في 25 مارس/ آذار الماضي، مشروع القرار الأردني بشأن اللاجئين، وتضمينها إياه في بيان قمتها الختامي، والذي نصّ على "بحث وضع آليةٍ محدّدة لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين"، من أجل إعادة تأهيلهم للإسهام في إعادة إعمار بلدهم، هو اعتراف بذلك الدور الغائب في هذا المجال، على الرغم من أن وضع تلك الآلية قد يجد طريقه إلى التنفيذ، وغالباً ما لا يجد، على غرار قرارات كثيرة للقمم العربية.
ولكن، إن وجدت الجامعة، والدول العربية، سبيلاً إلى أداء دورٍ ما في سورية، فهل بقي لها مطرح تدوس عليه، لتخرج ما في جعبتها أمام السوريين، نظاماً ومعارضة؟ فكثرة المتدخلين في الملف السوري، وتوزعهم على خارطة الجسد السوري، يجعل أي دورٍ من هذا القبيل في منتهى الصعوبة. وفي هذا الإطار، لم يبقَ لديهم سوى ممارسة الضغط على أميركا وتركيا الموجودتين في شمال البلاد وشرقها. وعلى روسيا الموجودة في المنطقة الساحلية، وإيران وحلفائها الموجودين في دمشق وحلب وغيرهما، من أجل فرض حلٍّ يتوافق عليه هؤلاء الفرقاء جميعاً، وهي مهمة تبدو شاقة، إن لم تكن مستحيلة.
الآن، ومع انتهاء القمة العربية، لم يلحظ بيانها الختامي آلية "العمل" من أجل إنهاء الأزمة السورية، حسبما نصَّ أحد بنود هذا البيان الذي تضمن عبارة: "تكثيفنا العمل على إيجاد حل سلمي ينهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري". ومع عدم التحديد هذا، يحيل البيان الحلّ إلى ما جاء في "مخرجات بيان جنيف 1" و"قرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، مشدّدا على أن "لا حل عسكرياً للأزمة"، حيث يُظهر الاكتشاف الأخير القمة بمظهر ذلك الذي قيل عنه إنه "كمن فسَّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ".
ويدعو انكفاء جامعة الدول العربية سنواتٍ طويلة، ونأيها بنفسها عما يجري في سورية، إلى الاستغراب والتساؤل عن سبب دعوة أبو الغيط، في اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية التحضيرية للقمة العربية في منطقة البحر الميت في الأردن، في 27 مارس/ آذار الماضي، الدولَ العربية "للتدخل الناجع من أجل إيقاف نزيف الدم وإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية للأزمة السورية"، فهو الذي اعترف بالتقصير العربي حيال هذا الأمر، حين قال: "لا يصح في رأيي أن يبقى النظام العربي بعيداً عن أكبر أزمةٍ تشهدها المنطقة في تاريخها الحديث"، حيث كان الأجدى به، وبمنظمته تجنيد طاقاتهما والعمل على مدار الساعة، للتخفيف من حجم الجحيم في هذا البلد، إن لم يتسنّ إيقاف الحرب.
وفي هذا السياق، كان أحرى بالمنظمة العربية ذاتها الاضطلاع بهذا الدور الذي يدعو إليه
وعلى الرغم من عدم وصولهما إلى نتيجة، إلا أن قرار الجامعة إطلاق "المبادرة العربية لحل الأزمة السورية"، في سبتمبر/ أيلول 2011، واعتماد "بعثة المراقبين العرب إلى سورية"، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2011، كان اختراقاً في أسلوب عمل الجامعة، وتوطئةً لاعتمادها أدواراً جديدة تختلف عن الأدوار السابقة التي اتصفت بالإنشائية، من دون الفعل. لكن فشل المبادرة، وتعطل عمل البعثة، كان دافعاً للجامعة في عدم الخوض من جديد في الأزمة السورية، وتعزّز ذلك عندما أُطلقت "مبادرة أصدقاء سورية"، وعينت الأمم المتحدة كوفي أنان مبعوثاً خاصة لها إلى سورية، فاستراحت الجامعة العربية، ومن خلفها الدول العربية، من الهم السوري، إلى أن جاءت الاستفاقة الأخيرة.
ومن ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، تبيّن أن جامعة الدول العربية لم تقطع علاقاتها مع النظام السوري عندما علَّقت عضوية سورية فيها، وفرضت عليها عقوبات، أواخر سنة 2011، فحسب، بل قطعتها مع الشعب السوري نفسه، حين تقاعست عن تقديم العون له في البراري التي لجأ إليها، وفرضت، هي وغيرها من دول العالم، العقوبات التي أضرّت بالشعب أكثر بأضعاف ما أضرت بالنظام. ولم يُسمَع للجامعة صوتٌ حين أوقفت غالبية دول العالم منح السوريين تأشيرات دخولٍ إلى أراضيها، بغض النظر عن نوع هذه التأشيرات، في ما بدا يومها دعوةً منها إلى هذا الشعب للبقاء في بلده، والموت تحت القصف. أما من قُدِّر له النزوح إلى المدن السورية الآمنة، أو اللجوء إلى الدول المجاورة، فقد تركته الجامعة يلاقي الذل والعوز والموت برداً أو جوعاً أو بسبب الأمراض. كما لم تهتم جامعة الدول العربية بأجيال كاملة، حُرمت التعليم الذي يقيها التخلف والفقر، وحُرمت امتهان الحِرَف التي تمنعها من أن تصبح فريسةً للبطالة وآثارها مستقبلاً. ولعل اعتماد الجامعة، في 25 مارس/ آذار الماضي، مشروع القرار الأردني بشأن اللاجئين، وتضمينها إياه في بيان قمتها الختامي، والذي نصّ على "بحث وضع آليةٍ محدّدة لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين"، من أجل إعادة تأهيلهم للإسهام في إعادة إعمار بلدهم، هو اعتراف بذلك الدور الغائب في هذا المجال، على الرغم من أن وضع تلك الآلية قد يجد طريقه إلى التنفيذ، وغالباً ما لا يجد، على غرار قرارات كثيرة للقمم العربية.
ولكن، إن وجدت الجامعة، والدول العربية، سبيلاً إلى أداء دورٍ ما في سورية، فهل بقي لها مطرح تدوس عليه، لتخرج ما في جعبتها أمام السوريين، نظاماً ومعارضة؟ فكثرة المتدخلين في الملف السوري، وتوزعهم على خارطة الجسد السوري، يجعل أي دورٍ من هذا القبيل في منتهى الصعوبة. وفي هذا الإطار، لم يبقَ لديهم سوى ممارسة الضغط على أميركا وتركيا الموجودتين في شمال البلاد وشرقها. وعلى روسيا الموجودة في المنطقة الساحلية، وإيران وحلفائها الموجودين في دمشق وحلب وغيرهما، من أجل فرض حلٍّ يتوافق عليه هؤلاء الفرقاء جميعاً، وهي مهمة تبدو شاقة، إن لم تكن مستحيلة.
الآن، ومع انتهاء القمة العربية، لم يلحظ بيانها الختامي آلية "العمل" من أجل إنهاء الأزمة السورية، حسبما نصَّ أحد بنود هذا البيان الذي تضمن عبارة: "تكثيفنا العمل على إيجاد حل سلمي ينهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري". ومع عدم التحديد هذا، يحيل البيان الحلّ إلى ما جاء في "مخرجات بيان جنيف 1" و"قرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، مشدّدا على أن "لا حل عسكرياً للأزمة"، حيث يُظهر الاكتشاف الأخير القمة بمظهر ذلك الذي قيل عنه إنه "كمن فسَّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ".