10 نوفمبر 2024
دواعش نيجيريا
أسس محمد يوسف، في سنة 2002، مجموعة إرهابية نيجيرية، اختار لها عنواناً واضحاً: الغرب حرام (بوكو حرام). وقد تكوّن هذا الشخص بعيداً عن أية مدرسة دينية معروفة المرجعية. وقامت هذه العصابة بعدة عمليات تخريبية، خصوصاً ضد المدنيين من المسلمين الذين لم يخضعوا لسلطانها، ومن المسيحيين والوثنيين أهل نيجيريا. وفي سنة 2009، قُتل "العقل" المؤسس و300 من أزلامه في صدامات عنيفة مع القوات الحكومية. أسس هذا التاريخ لتصلّب أكبر في صفوف هذه الجماعة، وأتى بقليلِ علمٍ ودينٍ آخر، ليرأسها ويُطلق عمليات عنفية، أودت بحيوات آلاف من المدنيين، بدءاً من سنة 2010. وقدم أبو بكر شيخو، زعيم العصابة المبتسم دائماً وكأنه تحت تأثير خليط عجيب من المخدرات، كل المؤشّرات على أن زبانيته، المتمركزين في مناطق حدودية مع النيجر وتشاد وكاميرون، يملكون الأسلحة المتطورة والسيارات المصفحة. وعلى الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة المركزية في هذه المناطق، في سعيها إلى محاربة هذه المجموعة سنة 2013، إلا أن هذا لم يمنع "بوكو حرام" من مسح قرى بأكملها من خريطة البلاد، زاعمةً بأنها موالية للحكم المركزي، وتدعم العمليات المسلحة للجيش النيجيري ضدّها. وأخيراً، وليس آخراً، خطف أفرادٌ من هذه المجموعة مئات الطالبات في منطقة "إشعاعهم" الدموي، وهاجموا مدناً، موقعين مئات الضحايا من المدنيين.
أبو بكر هذا، يخرج في أشرطة الفيديو، كما أسامة ابن لادن سابقاً وأيمن الظواهري حالياً، لينقل "أفكاره"، ويعبّر عن مواقفه، إثر كل جريمة ترتكبها عصابته. وخلافاً عن الآخريْن، اللذيْن يأخذان مواقف أقرب للجديّة شكلاً، على الرغم من هزالها الفكري، يهرّج زعيم "بوكو حرام" أمام الكاميرا، ويوزع الابتسامات يميناً وشمالاً، بطريقة استفزازية، تذكّر بمشاهد أفلام الرعب البوليودية، ويطلق التهديدات المبنية على ترّهات مشوّهة للدين، ومرتبطة بهلوسات مالية، بعيداً عن أية مواقف سياسية أو مطلبية. وهو يحظى، على أقل تقدير، بكره شعبي عام، وبحاضنة لافظة داخل المناطق التي ينشط بها مع عصابته. في المقابل، هو يملك مصادر تمويل هائلة، تسمح له بإفساد مجموعات مؤثّرة داخل القوى المسلحة وقوى الشرطة، ما يساعده على القيام بعملياتٍ، لا تعيقها مقاومة شديدة في غالب الأحيان، أو أنه يحصل على معلومات مهمة، تتعلق بتحركات القوات المسلحة، ليستبق الأحداث، ويوقع في صفوفها ما تيسّر من الضحايا، إضافة إلى المدنيين الذين يقتلهم باستمرار.
رأت تعليقات أن هذه المجموعة تقترب في أدائها من "طالبان" في أفغانستان، إلا أن هذا التحليل متسرّع، على الرغم من المشترك في التفاصيل. فالأفغان، من طُلّاب الموت والأذيّة، يحملون، ولو بشكل جزئي ومشوّه، مشروعاً "سياسيا/دينياً"، يتصورونه الأنسب. ومارسوه عندما حكموا البلاد بالحديد وبالنار، تحت مسميات دينية متعددة. أما النيجيريون من بُغاة البشر، فهم يتصرفون كعصابات إجرامية مجرّدة من كل أيديولوجيا، حتى أتفهها أو أدناها شأناً، أو أسوأها استغلالاً للمفاهيم الدينية. فعندما يخرج زعيمهم، معلناً أنه سيبيع الطالبات في سوق النخاسة، لا يبدو أنه يستند، في ذلك، إلى أي فقه شرعي، مهما كان مشوّهاً.
كل المجموعات "الدينية" المتطرفة، وبعيداً عن تقاطع مصالحها الموضوعي مع الحكومات المستبدة، مهما كانت تدّعي، أو توصم، بالعلمانية، تعتمد في سطوتها على عوامل عدة، تجمع "طالبان" بـ"داعش" بـ"القاعدة" بـ"بوكو حرام"... وبالتأكيد، أنها ليست المرجعيات الفكرية، أو القواعد الفقهية، أو الإيديولوجيات. إنها الديكتاتوريات التي حكمت الشعوب، وأفقرتها وجهّلتها. إضافة إلى استغلال شيطاني للأديان من الحكومات أو الأفراد أو الجماعات. إضافة إلى استقالة رجال الدين وعلمائه من دورهم التوعوي والتنويري والأخلاقي، ويكاد يكون صمتهم عما ترتكبه هذه الجماعات باسم الأديان مشبوهاً وداعياً إلى أكثر من التساؤل. يُضاف إلى ذلك مصادر تمويل متدفّقة لا تنقطع، وممارسات متطورة في السرقة المباشرة، أو الاستيلاء على مصادر أساسية للموارد (النفط لدى داعش والمخدرات لدى طالبان).
إذا سلّمنا بأن موقع الدين أساسي في هذه المجتمعات، وبأنه يلعب دوراً مهماً في تنوير أفرادها، أو دفعهم في سراديب الظلمات، فإن تأخّر المعنيين بالشأن الديني، تأطيراً واجتهاداً وتفسيراً، عن لعب دورهم الوظيفي والأخلاقي، هو المعضلة الكبرى. وكون جزء منهم منتفعاً، مادياً أو معنوياً، من الجهل المستتب، يحدّ بالتأكيد من هوامش حركتهم وفكرهم. أما جزؤهم القابع في أحضان الديكتاتوريات، فيسعى إلى رضا المستبد، ولسان حاله: قولوا عني بأني متخاذل عن دوري ومتراجع عن مبادئي أفضل من أن تنعوني.
تعيث "داعش" فساداً في الأرض سورياً، كما "بوكو حرام" نيجيرياً. جهل متجذّر في الأمر الديني، وطمعٌ لا حدود له، وغيبيات لا أساس لها. في المقابل، يستفيد كثيرون من هذه الفوضى الأخلاقية والمرجعية من طغاة السياسة وتجار السلاح وأعداء الإسلام من الإسلاموفوبين الغربيين، أو المتأزّمين الشرقيين. والصمت عن الجريمة بالمطلق جريمة بذاته. وصمت أصحاب الشرعية في المجال الديني عما يقوم به الجهلة من إصدار فتاوى مسيئة، ومن ممارسات إجرامية، هو مشاركة موصوفة في الجريمة.
أبو بكر هذا، يخرج في أشرطة الفيديو، كما أسامة ابن لادن سابقاً وأيمن الظواهري حالياً، لينقل "أفكاره"، ويعبّر عن مواقفه، إثر كل جريمة ترتكبها عصابته. وخلافاً عن الآخريْن، اللذيْن يأخذان مواقف أقرب للجديّة شكلاً، على الرغم من هزالها الفكري، يهرّج زعيم "بوكو حرام" أمام الكاميرا، ويوزع الابتسامات يميناً وشمالاً، بطريقة استفزازية، تذكّر بمشاهد أفلام الرعب البوليودية، ويطلق التهديدات المبنية على ترّهات مشوّهة للدين، ومرتبطة بهلوسات مالية، بعيداً عن أية مواقف سياسية أو مطلبية. وهو يحظى، على أقل تقدير، بكره شعبي عام، وبحاضنة لافظة داخل المناطق التي ينشط بها مع عصابته. في المقابل، هو يملك مصادر تمويل هائلة، تسمح له بإفساد مجموعات مؤثّرة داخل القوى المسلحة وقوى الشرطة، ما يساعده على القيام بعملياتٍ، لا تعيقها مقاومة شديدة في غالب الأحيان، أو أنه يحصل على معلومات مهمة، تتعلق بتحركات القوات المسلحة، ليستبق الأحداث، ويوقع في صفوفها ما تيسّر من الضحايا، إضافة إلى المدنيين الذين يقتلهم باستمرار.
رأت تعليقات أن هذه المجموعة تقترب في أدائها من "طالبان" في أفغانستان، إلا أن هذا التحليل متسرّع، على الرغم من المشترك في التفاصيل. فالأفغان، من طُلّاب الموت والأذيّة، يحملون، ولو بشكل جزئي ومشوّه، مشروعاً "سياسيا/دينياً"، يتصورونه الأنسب. ومارسوه عندما حكموا البلاد بالحديد وبالنار، تحت مسميات دينية متعددة. أما النيجيريون من بُغاة البشر، فهم يتصرفون كعصابات إجرامية مجرّدة من كل أيديولوجيا، حتى أتفهها أو أدناها شأناً، أو أسوأها استغلالاً للمفاهيم الدينية. فعندما يخرج زعيمهم، معلناً أنه سيبيع الطالبات في سوق النخاسة، لا يبدو أنه يستند، في ذلك، إلى أي فقه شرعي، مهما كان مشوّهاً.
كل المجموعات "الدينية" المتطرفة، وبعيداً عن تقاطع مصالحها الموضوعي مع الحكومات المستبدة، مهما كانت تدّعي، أو توصم، بالعلمانية، تعتمد في سطوتها على عوامل عدة، تجمع "طالبان" بـ"داعش" بـ"القاعدة" بـ"بوكو حرام"... وبالتأكيد، أنها ليست المرجعيات الفكرية، أو القواعد الفقهية، أو الإيديولوجيات. إنها الديكتاتوريات التي حكمت الشعوب، وأفقرتها وجهّلتها. إضافة إلى استغلال شيطاني للأديان من الحكومات أو الأفراد أو الجماعات. إضافة إلى استقالة رجال الدين وعلمائه من دورهم التوعوي والتنويري والأخلاقي، ويكاد يكون صمتهم عما ترتكبه هذه الجماعات باسم الأديان مشبوهاً وداعياً إلى أكثر من التساؤل. يُضاف إلى ذلك مصادر تمويل متدفّقة لا تنقطع، وممارسات متطورة في السرقة المباشرة، أو الاستيلاء على مصادر أساسية للموارد (النفط لدى داعش والمخدرات لدى طالبان).
إذا سلّمنا بأن موقع الدين أساسي في هذه المجتمعات، وبأنه يلعب دوراً مهماً في تنوير أفرادها، أو دفعهم في سراديب الظلمات، فإن تأخّر المعنيين بالشأن الديني، تأطيراً واجتهاداً وتفسيراً، عن لعب دورهم الوظيفي والأخلاقي، هو المعضلة الكبرى. وكون جزء منهم منتفعاً، مادياً أو معنوياً، من الجهل المستتب، يحدّ بالتأكيد من هوامش حركتهم وفكرهم. أما جزؤهم القابع في أحضان الديكتاتوريات، فيسعى إلى رضا المستبد، ولسان حاله: قولوا عني بأني متخاذل عن دوري ومتراجع عن مبادئي أفضل من أن تنعوني.
تعيث "داعش" فساداً في الأرض سورياً، كما "بوكو حرام" نيجيرياً. جهل متجذّر في الأمر الديني، وطمعٌ لا حدود له، وغيبيات لا أساس لها. في المقابل، يستفيد كثيرون من هذه الفوضى الأخلاقية والمرجعية من طغاة السياسة وتجار السلاح وأعداء الإسلام من الإسلاموفوبين الغربيين، أو المتأزّمين الشرقيين. والصمت عن الجريمة بالمطلق جريمة بذاته. وصمت أصحاب الشرعية في المجال الديني عما يقوم به الجهلة من إصدار فتاوى مسيئة، ومن ممارسات إجرامية، هو مشاركة موصوفة في الجريمة.