يوم الجمعة، في الثالث عشر من مارس/ آذار الماضي، أدخلت سيدة لبنانية إلى المستشفى في حالة طارئة لكسر في الورك. الكسر يتطلب زرع جهاز طبي مساعد. وبينما يسمح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتغطية العملية والإجراءات الطبية المرافقة بنسبة كبيرة، فإنّه لا يغطي ثمن الجهاز.
الحديث ليس عن هذه النقطة بالذات التي تتطلب أيضاً ضغطاً في اتجاه تعزيز التغطية الصحية للمواطنين اللبنانيين كافة، نوعياً وكمياً. وليس الموظفون والموظفات فقط من يسمح لهم الضمان الاجتماعي بتغطية أولادهم، وزوجاتهم/ أزواجهن، وآبائهم وأمهاتهم بالإضافة إلى أنفسهم. الحديث هو عن المعاملات الإدارية والأثر الذي تركه زمن فيروس كورونا عليها.
يوم الأحد، في الخامس عشر من مارس الماضي، أعلنت التعبئة العامة في لبنان، وهي سلسلة تدابير حكومية وقائية وإجرائية لمواجهة الفيروس الذي كان قد تسبب حتى ذلك الحين بتسعين إصابة وثلاث وفيات في البلد الذي يضم أكثر من 7 ملايين نسمة، ما بين مواطنين وغير مواطنين.
بينما كان مرافقو السيدة التي أجرت جراحتها قبل يوم واحد ينتظرون إنجاز معاملة "الموافقة المتأخرة" من الضمان الاجتماعي، في المستشفى وفي دوائر الضمان المختصة - وهي معاملة اختبروها من قبل وتتطلب مستندات كثيرة ومروراً في عدد من المكاتب المزدحمة لا يقلّ عن ثمانية، وفي مناطق مختلفة أحياناً - بدأ تطبيق التعبئة العامة، وأقفلت أبواب كلّ تلك المكاتب، بل إنّ مندوب الضمان وطبيب الضمان اللذين يفترض أن يداوما في المستشفى، لم يأتيا في مطلع الأسبوع يوم الإثنين. والحلّ كان استبدال كلّ المعاملات الورقية بالمعاملات الإلكترونية، أو على الأقل إنجاز ما يمكن إنجازه إلكترونياً.
بالفعل، تمكنت السيدة من الخروج من المستشفى بعد الجراحة بأيام قليلة، وبعدما سدد مرافقوها ثمن الجهاز للمستشفى، بالإضافة إلى مبلغ آخر تُرك كتأمين في مكتب المحاسبة، بانتظار إنجاز المستشفى معاملة الضمان.
بعدها بأسبوعين، تواصل مكتب المحاسبة عبر "واتساب" مع أحد المرافقين هؤلاء، وطلب منه ببساطة إرسال بعض المستندات المتعلقة بالمعاملة، مصوّرة بكاميرا الهاتف لا أكثر. وفي منتصف مايو/ أيار الجاري، اتصل مكتب المحاسبة بالشخص نفسه، وأبلغه أنّ المعاملة أنجزت، ويمكنه أن يمرّ بالمكتب لاسترجاع مبلغ التأمين.
سمح كورونا بتبيان أنّ مسألة التعقيدات الإدارية في لبنان ليس من المستحيل تسهيلها، في أضعف الإيمان. بل يدفع ذلك إلى التساؤل - في المقابل- عن سرّ تعقيدها، وإن كان المتسائل يعلم أنّه يتطرق هنا إلى إشكالية الوظيفة الرسمية نفسها في لبنان بدهاليزها المذهبية، ومحاصصاتها الحزبية- الطائفية- المناطقية، والفساد الذي يوازي كورونا في خطورته المعلن عنها، وربما كان أشدّ.