دماء على جدران الضاحية الجنوبية

14 نوفمبر 2015
+ الخط -
خرق التفجير المزدوج الذي هزّ الضاحية الجنوبية لبيروت، الخميس الماضي، الوضع العام في لبنان، خصوصاً أنه جاء بعد هدوء نسبي، نَعِم بها لبنان أكثر من سنة ونصف السنة تقريباً، لكن جديد هذا التفجير أنه جاء مزدوجاً، واستهدف عمق الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله)، على الرغم من الإجراءات الأمنية المشدّدة التي يتخذها الأمن اللبناني وحزب الله معاً في الضاحية، وعند مداخلها، وأنه، للمرة الأولى، يتبنّى "تنظيم الدولة" المسؤولية عن هذا التفجير، ويتعهد بالمزيد.
في دلالة المكان، اختار المفجّرون منطقة برج البراجنة، وهي في عمق الضاحية الجنوبية، ومكتظة بالسكان بشكل كبير، ولا تبعد كثيراً عن مستشفى الرسول الأعظم (المكان الذي يتلقى فيه مصابو حزب الله في سورية العلاج، وتشبه المستشفى العسكري)، ولا تبعد أيضاً سوى عشرات الأمتار عن مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، ما يعني الخرق الأمني الفاضح للمنظومة المعتمدة في حماية الضاحية ومراقبة الداخلين إليها، وربما أيضاً يعني إثارة ردة فعلٍ سلبيةٍ، تجاه مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً أنه شاع أن اثنين من المنفذين فلسطينيان، وتم تناقل أنباء عن تعرّض المخيم لإطلاق نار من أبنية مجاورة.
وفي دلالة الزمان، جاء التفجير بعد قرابة أسبوع من انفجارين في بلدة عرسال البقاعية الحدودية؛ استهدف الأول لقاء لمشايخ من هيئة علماء القلمون، كانوا يعقدون قراناً لأحد اللاجئين، وأدّى إلى مقتل أربعة منهم. والثاني بعد أقل من أربع وعشرين ساعة، استهدف دورية للجيش اللبناني في المنطقة، وأدّى إلى جرح جنود. كما تبع الانفجارين، في اليوم الثالث، إصدار مرئي باسم مؤسسة الصمود، باسم "تنظيم الدولة"، يتوعد شخصيات قيادية لبنانية ومرجعيات دينية رسمية وشعبية "سنّية". كما جاء التفجير في الضاحية في وقت تزايدت فيه خسائر حزب الله البشرية في سورية، وتزايد الضغط على فصائل سورية مسلحة، منها "تنظيم الدولة".
وتتجه القراءة السياسية الأكثر رجحاناً إلى فرضية دخول التفجير في إطار الحرب والمواجهات المفتوحة بين حزب الله والفصائل السورية على تنوّعها، في وقت أراد المفجّرون من زيادة حجم الضغط على البيئة الحاضنة للحزب، خصوصاً مع تزايد الخسائر البشرية في الحزب، وقد أوردت مواقع إخبارية في بيروت، في الأسابيع الماضية، تقارير تفيد بأن بيئة حزب الله الداخلية ضاقت ذرعاً بتدخّله في سورية، والخسائر التي يُمنى بها، وباتت تسأل عن موعد العودة، خصوصاً أنها باتت تنظر إلى ما يجري في سورية باعتباره "لعبة كبار" بين الأميركيين والروس، يدفع ثمنها أبناؤهم. ومن هنا، يزيد التفجير المزدوج في عمق الضاحية من حجم الضغط على الحزب داخل بيئته، فضلاً عن أنه يربك حسابات الحزب، بعد أن شعر، في الفترة الأخيرة، أنه بات في حالة من الطمأنينة، جرّاء الإجراءات الأمنية التي اتخذت.
إلى ذلك، تتجه قراءة أخرى إلى القول إن التفجير يأتي في سياق الرد على تدخل حزب الله في سورية، وتتخوّف هذه القراءة، بالنظر إلى دلالات الزمان والمكان، من أن يكون هذا التفجير مقدمة لأعمال أخرى، تمهّد لتحويل لبنان إلى ساحة مواجهة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يتبنّى "تنظيم الدولة" عملية من هذا النوع. وتؤكد هذه القراءة أن الوضع في لبنان يتجه، في الشهور المقبلة، إلى مزيد من التأّزم، بل ربما المواجهات المفتوحة، خصوصاً في ظل انسداد أفق الحل السياسي في البلد، وفي ظل الانقسام العمودي القائم، ومع ضعف القبضة الأمنية، يوماً بعد يوم في مقابل زيادة حجم الغضب، وفي أوساط قسم كبير من اللبنانيين واللاجئين السوريين، وحتى الفلسطينيين، من تدّخل حزب الله بالقتال في سورية، ما يعني أن التدخل لن يستمر في اتجاه واحد، بل ربما قد نشهد في الشهور المقبلة تدخلاً باتجاه معاكس، أي من سورية باتجاه لبنان، وربما يكون مقدمته هذا التفجير المزدوج الذي أجمع اللبنانيون على إدانته، وجعل دماء لبنانية تلوّن جدران الضاحية الجنوبية، والخوف أن تلوّن جدران بقية المدن اللبنانية، إذا لم يتم التعامل مع حجم الأخطار بمزيد من الحكمة والتعقّل، وقبل وفات الأوان.