دلال أبو آمنة: سأغنّي "أم كلثوم" بموسيقى إلكترونية غربية

14 يناير 2015
دلال أبو آمنة (العربي الجديد)
+ الخط -

تسعى الفنانة الفلسطينية، دلال أبو آمنة، إلى "إعادة صياغة التراث العربي والفلكلور برؤية عصرية تناسب ذائقة الجديد، دون الإخلال بأصالة التراث". أو على الأقلّ هذا ما تطمح إليه، بحسب حوارها مع "العربي الجديد".

فهي تؤكّد أنّها اختارت موّال كوكب الشرق أم كلثوم "برضاك" لتقديم رؤيتها المعاصرة، عبر مشروع غنائي موسيقي مرئي "تمّ تصويره بأحدث التقنيات وبمعايير سينمائية عالمية. فما نقدّمه في "برضاك" يختلف تماماً عن الفيديو كليبات المتبعة في عالمنا العربي. المشروع هو "Art Clip" مبني على التعبير الدرامي في الأداء على مستوى الغناء والموسيقى والتصوير".

تراهن أبو آمنة على مشروعها الذي أخرجه الفنان كارم مطر، بكاميرا أسامة غزالين. العمل الذي سيطلق نهاية فبراير/شباط المقبل تم تصويره في مناطق البحر الميت وأريحا.

وهي تقول إنّها قرّرت تقديم العمل، بوصفه إحدى القطع الفنية المهمة من تراثنا العربي الأصيل، ضمن قالب عصري يخاطب الجيل الشاب والمستمع الغربي: "انطلاقا من هذا الجانب، تم اختيار "برضاك يا خالقي". وهو موّال ملحّن على مقام الحجاز من التراث العربي القديم، من شعر بيرم التونسي، وألحان الموسيقار زكريا أحمد، وغناء كوكب الشرق أم كلثوم".

الموّال غنّته أم كلثوم في فيلم "سلامة" عام 1944. وتدور قصّته حول راعية الأغنام سلامة (أم كلثوم)، التي تدعو ربّها ليرضى عنها، فهو "مالك أمرها" و"مصوّر أعضائها"، وهو من وهبها الصوت الجميل الذي من خلاله تستطيع أن تبلغ أمنياتها بمناجاة ربّها وشكواها حالها له.

أشهر المووايل في تاريخ الموسيقى العربية

تؤكّد أبو آمنة أنّ موّال "برضاك" هو أحد أشهر المواويل في تاريخ الموسيقى العربية، وذلك لما يحويه من قيمة فنية كبيرة، جعلت منه جواز دخول إلى عالم الطرب يتسابق على تأديته أصحاب الأصوات الرخيمة. وتبرز خصوصية هذا الموال في أنّه يحتاج إلى صوت عريض ومرونة تساعد على التنقّل بين المقامات العديدة التي يحويها وإلى مساحة صوتية كبيرة. فضلا عن كون الموّال يدمج بين الأسلوب الطربي القديم وبين الغناء الصوفي. ويعتبر هذا الموّال إحدى الوسائل التي يتمكّن من خلالها المطرب الجيّد من إظهار موهبته الحقيقية البعيدة عمّا نراه اليوم في المشهد الفني العربي.

خصوصية

تعترف أبو آمنة بخطورة المشروع وأهمّيته في آن معاً. وتردّ ذلك إلى عدم دمج لونين أقلّ ما يقال عنهما إنّها متناقضان موسيقياً، وهما الطرب العربي القديم، بما يحمله من تقنية غنائية عالية وتعريبات صوتية جيّاشة، مع موسيقى إلكترونية غربية، بما تتضمّنه من آليات غير بشرية تعكس عالمنا المليء بالتكنولوجيا والروبوتية.

وبرأي أبو آمنة، فإنّ "دمج لونين مختلفين مع الحفاظ على الانسجام والتناغم الموسيقي، يشكل تحدّياً كبيراً للفنان، وهو أمر بات محبّباً على مستوى الموسيقى العالمية، لما يقدّمه من تحدٍّ، ويدلّ على انفتاح الفنان على ثقافة الآخر. الأمر الذي بات إجبارياً في ظلّ عصر العولمة الذي نعيشه".

وعن سبب اختبار هذا الموّال بالذات، تجيب أبو آمنة: "اخترناه بسبب مضمونه الموسيقي وكلامه الراقي، وبقالب موسيقي عصري، وبصياغة موسيقية إلكترونية حديثة، مع الحفاظ على الأصالة والتطريب في الغناء والارتجال الصوتي".

وتهدف أبو آمنة من المشروع إلى "تسليط الضوء على الطرب العربي الأصيل. وهو أسلوب غنائي قلّ تداوله بين الفنانين العرب الشباب". وتريد "إعادته إلى المقدّمة، وكذلك التعريف به عالمياً، لما فيه من خصوصية للحضارة العربية على مستوى شعوب العالم".

موضوع قديم متجدّد

تلفت أبو آمنة النظر إلى قيمة أخرى في هذا المشروع، إذ تكشف لـ"العربي الجديد" عن اختيار موّال "برضاك" رغبة منها في تسليط الضوء على موضوع قديم، لكنّه ما زال يلقي بظلاله على واقعنا اليوم: "فهو يطرح موضوع شرعية غناء المرأة في مجتمعنا الشرقي، وحقّها في التعبير عما يختلج في صدرها من مشاعر من خلال صوتها".

لأنّ دلال أبو آمنة تعتبر أنّنا "ما زلنا نعاني في مجتمعنا من تيّارات متشدّدة تنادي بتحريم غناء المرأة، وتحاول منعها من التعبير عن مكنوناتها من خلال الموسيقى والفنون المتنوّعة، وهنا تكمن أهمية هذا الموّال من ناحية الموضوع، حيث إنّ الله لم يخلق الصوت الجميل عبثاً، بل لاستخدامه في نقل رسائل إنسانية توعوية وهادفة لنشر المحبة والألفة بين البشر".

كليب العمل

مخرج العمل، الفنان كارم مطر، قال لـ"العربي الجديد" إنّ "الفنانة دلال أبو آمنة أرادت إيصال العمل إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس، فاختارت أن تصوّر الدمج الموسيقي والموضوع الجدلي للموال بمعدّات حديثة وتقنيات تصوير متطوّرة غير متّبعة في الكليبات الغنائية في عالمنا العربي. وقد تمّ التصوير بتقنية التحرّك البطيء (Slow Motion) لالتقاط تفاصيل دقيقة تتماشى مع انسيابية الموّال والموسيقى المرافقه له".

ويضيف المخرج: "صوّرنا هذا العمل بطريقة سينمائية تعتمد على استخدام الرمزيّة، وليس المباشَرَة في تصوير الواقع، وعلى استخدام تقنيات تصوير "الكرين" من على ارتفاع في تصوير المكان. وتم تصوير المشاهد في مدينتي حيفا وأريحا وفي منطقة البحر الميت، لرغبتنا في تكريس جمالية طبيعة فلسطين وتنوّعها في هذا العمل".

معروف أنّ دلال أبو آمنة فنانة فلسطينية وباحثة في علم الدماغ، من مدينة الناصرة الجليلية شمال فلسطين. احترفت الفن في عمر الـ16، وعُرِفَت بأدائها المتقن لأغنيات الطرب القديم، وشهد لها كبار موسيقيي العالم العربي وأشادوا بصوتها. وتؤمن دلال بالفنّ الإنساني الملتزم المبني على الطرب الرفيع، كما تعمل على تطوير الفنّ الفلسطيني والارتقاء به لنشره في أرجاء العالم كافّة، كوسيلة لترسيخ الهوية الفلسطينية، ودعم قضايا الشعب الفلسطيني. 

شاركت دلال في مهرجانات عالمية وعربية مهمّة، مثل مهرجان جرش، ومهرجان الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية، وقامت بتمثيل فلسطين في أوبريتات عربية، منها "أرض الأنبياء" 2012، وأوبريت "نداء الحرية" 2014. كما تشارك بشكل دائم في أمسيات ثقافية وفنية محلياً وعربياً ودولياً، بالإضافة إلى مشاركاتها ضمن فرقتها الخاصة.

دلال هي المغنية الرئيسية في الأوركسترا العالمية MESTO، وتقدّم من خلالها أغنيات التراث العربي والفلسطيني، بمرافقة موسيقيين غربيين، وبتوزيع أوركسترالي. وأصدرت أغنيات منفردة، حظيت بشهرة واسعة في فلسطين، منها: "أنا قلبي وروحي فداك" 2001، و"بكره جديد" 2003، و"خلّيني في بالك" 2003، و"رغم اللي صار" 2010. وأصدرت ألبومين بعنوان: "كريم يا رمضان" في 2007، ومؤخراً ألبوم "عن بلدي" في 2013، وهو يحكي عن فلسطين بجوانبها المختلفة، وبأساليب غنائية متنوّعة. ويحافظ على روح الطرب الأصيل، لكن بطابع معاصر وحيوي يخاطب جيل الشباب.

وتملك دلال جانباً خفياً لا يعلم الكثيرون عنه. فإلى جانب الفنّ، تعمل دلال كباحثة دكتوراة في علوم الدماغ والأعصاب في كلية الطب بمعهد التخنيون في مدينة حيفا المحتلّة.

المساهمون