دكان مهندس فلسطيني

13 يوليو 2015
سيكثر المهندسون في دكان والدهم (العربي الجديد)
+ الخط -

في وادي الزينة بضواحي صيدا، جنوب لبنان، دكان صغير يشبه غيره كثيراً، لكنّ مالكه لا يشبه نظراءه، فهو المهندس أحمد محمد العريض.

ولد العريض في قرية أم الفرج في عكا بفلسطين المحتلة، عام 1945. ترك بلده لاجئاً صغيراً في النكبة فلا يذكر منها شيئاً.

وعن حياته مع أهله في لبنان، فهو يذكرها كحياة قاسية صعبة، مرّت فيها أيام مريرة. ومع ذلك، تمكن العريض من تلقي تعليمه الأساسي، واستكمال تعليمه العالي بفضل التسهيلات التي قدمها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر للطلاب الفلسطينيين.

يقول عن تلك الفترة: "تعلمت في جامعة القاهرة هندسة الميكانيك، وتخصصت في فرع هندسة الطيران. وبعد رحلة طويلة مع العلم وتعبه ومشقة الدراسة، عدت إلى لبنان أحمل شهادة عليا في منتصف السبعينيات، فلم أجد فرصة عمل لي، فقط لأنني فلسطيني". يفسّر: "تقدمت بطلبات توظيف في العديد من الشركات، لكن تبين أنّ هناك قراراً بمنع التوظيف لغير حاملي الجنسية اللبنانية. فكان الخياران أمامي إما أن أدرّس في مؤسسات الأونروا، وكان الراتب في ذلك الوقت 400 ليرة لبنانية (200 دولار أميركي يومها)، أو أن أعمل مع والدي بالحمضيات في مدينة صور (جنوب)، وهو الأكثر ربحاً".

يقول إنّه كان يتوجب عليه العمل يومها فهو كبير إخوته الذين كانوا على أبواب الجامعات، فاضطر إلى عدم السفر للبحث عن فرصة أفضل في اختصاصه، وبقي معهم في مخيم البص للاجئين الفلسطينيين في المدينة حيث كانت تعيش العائلة. وعن ذلك يتمنى لو أنّه تخرج مهندساً زراعياً لكان استفاد من اختصاصه في العمل الزراعي الذي تابعه مع والده.

يقول العريض: "لم أتزوج حتى بلغت من العمر 42 عاماً. ومن هم في عمري أجداد اليوم. بقيت أقدم مجهودي لأهلي حتى اطمأنيت إلى إنهاء جميع أخوتي تعليمهم. ومن بعدها سافروا إلى أميركا لينالوا فرصاً أكبر". ويتابع: "تزوجت بعد ذلك وأنجبت خمسة صبيان، اثنان منهم تخرجا مهندسين، أحدهما مهندس مدني والآخر مهندس ميكانيكي، كما سيتخرج ابني الثالث العام المقبل مهندساً مدنياً من جامعة بيروت العربية".

يعترف العريض أنّ حياته أفضل وأكثر راحة من كثير من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات. فقد تمكن من شراء شقة ودكان تحتها بالتقسيط في محلة وادي الزينة (شمال صيدا). كما يؤكد أنّ إخوته يقدمون له بعض المساعدات، مع أنّ مساعداتهم لا ترقى لما قدمه لهم سابقاً، بسبب ظروفهم المادية المتواضعة.
وعن عمله الحالي، يقول: "لم أفكر بتأجير المحل لأحد عندما اشتريته. فحولته إلى دكان سمانة وبقالة استثمرته بنفسي. وأعمل فيه منذ سنوات". ومع ذلك، ما زال العريض قلقاً على أولاده. فهو لم يعمل باختصاصه، ويخاف عليهم من المصير نفسه. يقول: "أطلب من الدولة اللبنانية فتح مجالات العمل أمام الفلسطينيين".

ويتابع: "بالنسبة لي، لو فتحوا لي طريق العودة إلى فلسطين، سأترك كل شيء هنا، وأعود إلى وطني. السوري يمكنه أن يعود إلى وطنه متى شاء، لكن نحن ليس بإمكاننا الذهاب، والعرب يمنعوننا أكثر من الإسرائيليين". يضيف: "أنا ضد إعطاء الجنسية للفلسطيني، لكنه في الوقت نفسه ليس حشرة، بل هو إنسان، فلماذا لا يعطونه حقوقه؟ العرب يكذبون بأنهم يحملون القضية، وهم فعلياً تخلوا عن أبناء القضية. الواحد منا يدفع دم قلبه ليعلّم أولاده، وفي النهاية لا يجدون عملاً، ولا يعطَون تأشيرات إلى بلدان عربية بالرغم من حملهم شهادات عليا".

يتحدث العريض بحرقة عن هذا الأمر، ويقول: "يتعاملون مع الفلسطيني كما لو أنّه بات
يهودياً، واليهودي بات فلسطينياً". ويؤكد: "من جهتي، يقع عليّ واجب تربية وتعليم أولادي، وهو ما أتممته فعلاً وأسعى لاستكماله. لكنّهم في النهاية لن يتمكنوا من إيجاد فرص عمل تتناسب مع كفاءاتهم واختصاصاتهم بسبب التمييز الحاصل بحق الفلسطينيين في لبنان. وبالتالي فهم سيصبحون مثلي.. وسيكثر المهندسون في دكان والدهم، كما عملت بنفسي في حقل حمضيات والدي".

اقرأ أيضاً: فلسطينيّو وادي الزينة أفضل حالاً
المساهمون