تجدّد الاحتجاج مع صدور نتائج لجان الدعم الخاصة بالقطاعات الثقافية بوزارة الثقافة المغربية، ما بين الاتهام بالإقصاء والمطالبة بإعادة التفكير ومراجعة سياسة الدعم العمومي لقطاع الثقافة في المغرب. وبرزت حساسيات ومواقف وآراء مختلفة، منها ما يتّخذ لباساً نقابياً من خلال بيانات العديد من المنظمات والنقابات المهنية، والبعض يرتبط برؤية فرق وإطارات من المجتمع المدني، انتهاء بالعديد من الكتابات المعبر عنها عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
يعود إطلاق مشروع الدعم المسرحي الرسمي إلى العام 1998. ومن ذلك الوقت، تنظم لقاءات ويثار النقاش حول هذا الدعم العمومي، واستراتيجية وزارة الثقافة المغربية التي تركز دعمها على المسرح أكثر من باقي الفنون والآداب، فبمراجعة دقيقة لأبواب الدعم المخصّصة للقطاع الثقافي والفني في المغرب، تكشف الأرقام أن الوزارة الوصية على القطاع الثقافي تجد في المسرح بوابتها الرئيسية لتصريف "سياستها" العامة، سواء في الدعم أو من خلال "الترويج" لرؤيتها الخاصة.
ولكن عوض أن يؤدّي هذا إلى مزيد من تنشيط الحركة المسرحية، ظلت سياسة الدعم العمومي للمسرح تسجل في كل مرة إخفاقاتها، بحكم المراجعة المتواصلة لبنوده، بل لقد ذهب البعض الى اعتبار أن الدعم المسرحي، بالصيغة الموجود عليها اليوم، استنفد شروطه الموضوعية وعلى الدولة مراجعته في ظل ما يقترحه التوزيع الجهوي الجديد في المغرب، وفي ظل تزايد عدد الفرق المسرحية الممارسة وتزايد الخرّيجين من المعهد العالي للمسرح.
اليوم يتّجه الحديث الى المقاولة الفنية، وإلى قانون للفنان وفق التزامات مهنية وعقود شغلية، وإلى مجلس وطني يحدّد السياسة الثقافية بالمغرب. هذا السياق من التحوّلات، لم تلتقطه الوزارة الوصية على القطاع الثقافي "وليس المسرحي فقط". وظلت سياسة الدعم مشروطة بـ "مزاج" المرحلة السياسية، ووفق اشتراطات وتعاقدات بعيداً عن روح المسرح ورسالته.
اليوم، تطرح "العربي الجديد" سؤال سياسة الدعم المسرحي ومآلاته على بعض الفاعلين أنفسهم، لتتباين المواقف لكنها تظل تطالب بمراجعة سياسة الدعم العمومي للمسرح لأنه استنفذ بصيغته اليوم مهامه وفلسفته.
يرى المسرحي عبد الإله بنهدار أن دعم الحكومة للمسرح من خلال وزارة الثقافة كوصية على القطاع لا يمكن نكران نتائجه الإيجابية، وإن كانت لا ترقى إلى التطلعات، وذلك بسبب المسرحيين أنفسهم من جهة، والمسؤولين عن تدبير ملفات المسرح بوزارة الثقافة من جهة ثانية.
ويفترض بنهدار أن "الدولة إن أغلقت صنبور الدعم المسرحي، فالنتيجة لن تكون، بالنسبة إليه، إلا جفافاً تاماً على خشبات المسارح، وبطالة تامة". لكن السؤال الأهم، وفقاً لبنهدار هو: "عن أي مسرح نتحدث؟ وما هو تعريفنا للفرجة المسرحية؟ لأن الفرجة المسرحية عند كثير من الفرق هي الضحك والإضحاك، وهذه قمة السذاجة".
لكن هل استطاع الدعم أن يفرز لنا تجارب مسرحية رائدة اليوم تجاوزت من خلالها التجارب الخصبة لمسرح الهواة؟ يشير بنهدار إلى أن "التجارب الخصبة لمسرح الهواة لم يتعرف عليها معظم شباب خريجي المعهد العالي للمسرح، ولم يعيشوا تلك للحظات الممتعة والشيقة من تجربة مسرح الهواة. لذلك نجد البعض منهم يعتقد بأن المسرح المغربي سيبدأ مع الدفعات المتتالية لهؤلاء الخريجين، ومع الأسف بعض الأساتذة من المعهد يروّجون لطلبتهم مثل هذه الأكاذيب. كما أن البعض من المحسوبين على فترة مسرح الهواة يروّجون أن الدعم خلق أساساً لخريجي المعهد، وبترويجهم لمثل هذه الادعاءات يساهمون في أن يكون الدعم كذلك مستقبلاً".
ويضيف الكاتب المسرحي: "لم يعطنا الدعم تجارب مسرحية تستحق الاهتمام، بعض الفرق سقطت في اللغو وفي تكرار نفسها بسب أنانيتها المفرطة من جهة لأنها جعلت من الفرقة مزرعة عائلية، ومن جهة ثانية تذوقت طعم المال فأنساها طعم الإبداع. وما نعيشه اليوم يقول إن وجود المسرح في المغرب رهين بدعم وزارة الثقافة، إن استثنينا فرقاً مسرحية قليلة تحصل على الدعم من جهات أجنبية (كالمراكز الثقافية الأوروبية في البلاد)".
بالنسبة للباحث المسرحي أحمد بلخيري فـ "التقييم حصيلة سياسة الدعم الرسمي للمسرح من قبل الدولة، ولا بدّ من توفر واعتماد على معطيات متعلقة بهذه السياسة منذ بدايتها إلى اليوم، مع تحديد كافة التعديلات التي طرأت عليها في الصياغة القانونية المؤطرة لتنفيذها". من هنا، يتساءل بلخيري إن كانت هذه السياسة أدّت إلى تطعيم الحركة المسرحية بفنانين مسرحيين قادرين على إضافة بصمة في تاريخ المسرح المغربي على غرار ما حصل مع مسرح الهواة في الماضي".
رغم ذلك، يعتبر بلخيري أن دعم المسرح واجب على الدولة وحق للمسرحيين المبدعين، من خلال "الصندوق الوطني للعمل الثقافي"، ويلفت إلى أن المهم من تدعم وما هي معايير اختيار الأعمال الفنية التي تستحق الدعم، لا سيما أن الوسط المسرحي لا يخلو من تجّار مسرح وقنّاصي فرص، ومن يتخذون المسرح وسيلة لكسب العيش بغض النظر عن الطريقة والمضمون، هنا نقول المسرح ليس وظيفة قطاع عام تدفع عليها الدولة".
اقرأ أيضاً: تجارب نسائية في التابو: أسئلة المسرح نفسها