درعا تنزلق إلى الفوضى

12 يونيو 2019
أجزاء كبيرة من درعا مدمّرة (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تتصاعد المؤشرات والعوامل التي تدفع محافظة درعا إلى مزيد من الفوضى والفلتان الأمني، بعد أكثر من عشرة أشهر من سيطرة النظام السوري بشكل كامل على المحافظة بموجب اتفاق مصالحة بضمانة روسية. وعادت في الفترة الأخيرة عمليات الاغتيال بشكل ملحوظ، مستهدفة بشكل خاص قيادات سابقة في المعارضة كانت قد وقّعت على اتفاق المصالحة مع النظام، وكان آخرها مقتل خالد أبو ركبة، الذي كان قد تم اختياره كعضو في اللجنة المركزية المكلفة بالتفاوض مع روسيا والنظام إبان وجود فصائل المعارضة المسلحة في المحافظة، قبل أن تتمكّن قوات النظام وروسيا من السيطرة عليها بشكل كامل.

كذلك من العوامل التي قد تدفع باتجاه توترات أمنية إضافية في المحافظة، هو انتهاء مهلة الستة أشهر التي حددها اتفاق المصالحة من أجل التحاق من وقّع على الاتفاق بالخدمة الإلزامية للشباب ممن هم ضمن سنّ الخدمة، الأمر الذي يرجح قيام قوات النظام بحملة اعتقالات ودهم من أجل سوق الشباب إلى الخدمة الالزامية، مع توقعات بألا يستجيب للحملة معظم شباب المحافظة، خصوصاً أن كل المؤشرات تشير إلى أنه سيتم سوقهم إلى جبهة إدلب ومحيطها لمواجهة من كانوا رفاق الأمس. ومما يزيد الموقف سوءاً الاتهامات المتبادلة بين عناصر المصالحة من أبناء درعا الذين تطوعوا ضمن "الفيلق الخامس"، وجرى إلحاقهم بمعارك إدلب، وعناصر الدفاع الوطني، إذ يتهم عناصر المصالحة قوات النظام بزجهم في الصفوف الأمامية في المعارك من أجل التخلّص منهم، في حين يحمّل عناصر في الدفاع الوطني عناصر المصالحات المسؤولية عن التقدّم الذي أحرزته المعارضة في الآونة الأخيرة بسبب ما سموه تخاذل هذه العناصر. ويأتي كل ذلك في ظل غياب سلطات النظام عن توفير أي خدمات لأهالي المحافظة.

وفي جديد التطورات الأمنية، قام مجهولون ليل الإثنين الماضي بإطلاق النار على خالد أبو ركبة أمام منزله في درعا، ما أدى إلى مقتله على الفور. وبحسب مصادر محلية من المحافظة، فإن أبو ركبة عمل في وقت سابق مع المخابرات الجوية التابعة للنظام، قبل أن يتسلم مهمة قيادية في فرقة "أحرار نوى"، ثم قام بعد ذلك بعملية تسوية مع النظام وعاد للعمل ضمن صفوف قواته في درعا. ورجحت المصادر قيام ما تُعرف باسم "المقاومة الشعبية" بقتله، إذ قامت هذه المجموعة في السابق بقتل العديد من الشخصيات من قياديين وعناصر ممن أجروا في الآونة الأخيرة تسويات مع قوات النظام وعادوا للعمل معه، بعد سيطرته بشكل كامل على درعا وريفها وإخراج فصائل المعارضة منها.

وكشفت المصادر أن مجهولين شنّوا هجوماً مسلحاً على حاجز أمني يتبع للفرقة الرابعة على الطريق الواصل بين بلدة المزيريب ومنطقة العوجا في ريف درعا، لافتة إلى أن هذه الحادثة تبعتها حالة استنفار كبير لقوات النظام ونشر العديد من الحواجز في المنطقة. كذلك أكّدت مصادر محلية في مدينة جاسم تعرض الحاجز التابع لقوات النظام جنوب المدينة لهجوم آخر مسلح من قبل مجهولين، فيما لم يتضح حجم الخسائر البشرية في صفوف قوات النظام أو المهاجمين.


وتأتي هذه العمليات ضمن سلسلة من الأحداث التي تشير إلى فلتان أمني واضح في محافظة درعا، ينذر بتصاعد هذه الحالة، بعد أن شهدت مدينة درعا الأحد الماضي احتجاجات ضد نصب قوات النظام نقاط تفتيش وحواجز جديدة في المنطقة، وشنّها عمليات دهم واعتقالات طاولت العديد من المدنيين في مدينة داعل.

وشهدت محافظة درعا العديد من عمليات الاغتيالات خلال الشهر الماضي، إذ قام مجهولون في 3 مايو/ أيار الماضي بإطلاق النار على عنصر سابق في صفوف "لواء المعتز بالله"، كان قد أجرى عملية تسوية مع قوات النظام، وذلك بالقرب من بلدة طفس، ما أسفر عن مقتله على الفور. تبع ذلك في 9 مايو/ أيار انفجار عبوة ناسفة بعد منتصف الليل بسيارة قائد الشرطة الحرة السابق في درعا البلد، أحمد رضوان الفالوجي، الذي قام بإجراء عملية مصالحة مع النظام، ما أسفر عن مقتله بالإضافة إلى أحد مرافقيه. وفي 22 مايو/ أيار قام مجهولون في أطراف بلدة المزيريب بإطلاق النار على عنصر سابق في "لواء المعتز بالله" التابع لفصائل المعارضة المسلحة، قام بإجراء تسوية مع قوات النظام. وفي 26 مايو/ أيار قام مجهولان يستقلان دراجة نارية بإطلاق النار على عنصر من الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام بالقرب من المسجد العمري في درعا البلد، وهو كان سابقاً في صفوف فصائل المعارضة.

بالإضافة إلى ذلك، كان تنظيم "داعش" قد تبنّى في 4 يونيو/ حزيران الحالي عملية ضد قوات النظام في ريف درعا. وتحدث ناشطون سوريون عن إعلان التنظيم تفجير عبوتين ناسفتين، استهدفتا قوات النظام على الطريق الواصل بين بلدتي نامر وخربة غزالة في ريف درعا الشمالي الشرقي، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف هذه القوات. غير أن ناشطين شككوا بصحة ذلك، مشيرين إلى سرعة حذف الحسابات التي أعلنت عنها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويكاد يقتصر حضور سلطات النظام في المحافظة على الاعتقالات والاغتيالات ومضايقة الأهالي، من دون تقديم الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ومحروقات وسلع أساسية. وكانت مصادر محلية قد كشفت الشهر الماضي أنه جرى في مدينة داعل بريف درعا الأوسط توزيع مناشير مناهضة للنظام، على خلفية حملته العسكرية في إدلب.