دراسة: إنسان النياندرتال متطور مثل إنسان العصر الحجري

30 مارس 2020
إنسان النياندرتال كانت له معرفة بظاهرة المد والجزر (Getty)
+ الخط -
"فعلياً، لم يتبقَ أي سلوك نفعله نحن الآن في حياتنا الحالية، لم يكن إنسان النياندرتال يفعلها. لا يوجد اختلاف كبير بين هذا الإنسان وبين الإنسان المعاصر الذي بدأ في العصر الحجري"، بهذه القناعة، يبدأ الباحث من جامعة غوتنغن، ديريك هوفمان، كلامه. إذْ يبدو أنّ الافتراضات السابقة حول إنسان النياندرتال، وخصوصاً الاعتقاد بالقدرات العقلية المنخفضة له، بدأت تسقط واحدةً تلو الأخرى. إذْ تشير العديد من الأبحاث إلى أنّ أبناء عمومتنا المنقرضين كان لديهم نفس الشعور بظاهرة الفن مثلاً، كما هو لدينا. 

فحتّى وقتٍ طويل، كان يُعتقد بأنّ إنسان النياندرتال بالكاد كان يأكل المأكولات البحرية، ولكن دراسة جديدة أثبتت عكس هذا الكلام. قام هوفمان وزملاؤه بنشر نتائج دراستهم في مجلة "العلوم" Science العلمية المحكمة، من خلال المعلومات التي جمعوها في كهفٍ في البرتغال، والتي أكّدت بأنّ إنسان النياندرتال كان يأكل المأكولات البحرية بكثرة!

وأجرى هوفمان دراسته في كهف Figueira-Brava فيجيريا برافا، والذي يبعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب لشبونة ويقع مباشرة على الساحل. كان هوفمان يبحث في هذا الكهف منذ عام 2010، إذْ تتدفق المياه مرارًا وتكرارًا إلى داخل الكهف من خلال الثقوب. ولأنَّ المياة تبقى ثابتة وتترسب، تشكّلت مع مرور الوقت في باطن الكهف طبقة رقيقة كلسية.

ووفقًا لهوفمان فإنّ الطبقات المتكلسة التي تم فحصها تتراوح أعمارها بين 106000 و86000 عام. وأثناء البحث في هذا الطبقات، وجد الفريق العديد من وجبات سكان الهدف آنذاك. ويتوقّع هوفمان أن يكون ساكن هذا الكهف هو مجرّد إنسان النياندرتال، رغم أنّ البشر الحديثين موجودون في مكان آخر بعيدٍ عن الكهف.

كان الكهف سابقًا يقع على مبعدة تتراوح بين 700 و 2000 متر من الشاطئ. وكان الناس يقيمون في الكهف بسبب الطقس البارد، والسبب في ذلك هو العصر الجليدي السابق على تلك الفترة. عندما ارتفع مستوى سطح البحر مرّة أخرى بعد انتهاء العصر الجليدي، دمّرت الأمواج جزءًا من الكهف، وبقيت فقط 5 بالمائة من محتويات الكهف الأصلية، والتي لم تكن ستختفي لولا ارتفاع الأمواج.

وتشير الدلائل إلى أنّ جزءًا كبيرًا من تغذية إنسان النياندرتال المقيم في هذا الكهف كان يأتي من البحر. إذْ وجد الباحثون عظام ثعابين وأسماك قرش، والتي كانوا يصطادونها في تلك البقعة الضحلة من الساحل.
كذلك وجد الباحثون عظام كثير من الحيوانات التي تعيش الآن في المناطق الأكثر برودة وفي أقصى شمال كوكب الأرض. لكنها آنذاك سبحت إلى المناطق الأكثر اعتدالاً قبالة سواحل البرتغال. حتّى عظام الدلافين تم اكتشافها. يؤكّد هوفمان: "كان إنسان النياندرتال مقيماً في هذا الكهف، كي يستطيع الخروج إلى البحر والقيام بالصيد".

ليس هذا فحسب، بل أشارت الدراسة إلى وجود بقايا سرطان مشوي في فضلات الطعام التي تم تحليلها في المخابر. لذلك، يقول هوفمان: "لقد كان إنسان النياندرتال ذكياً مثل الإنسان الموجود من نفس الحقبة على ساحل جنوب أفريقيا. إذْ استخدم موارد البحر بمهارةٍ هائلة".

إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أصدافاً بحرية، وهذا يدل على أنّ إنسان النياندرتال كانت له معرفة بظاهرة المد والجزر، لأنّ جمعها يتطلّب حكماً مراعاةً لهذه الظاهرة. ليس هذا فحسب، بل كان على إنسان النياندرتال أن يعرف في أي موسم تحتوي هذه المأكولات البحرية على مكونات سامة. وبالتالي، تبطل كل الاكتشافات في كهف فيجيريا برافا الحجج القديمة حول التفوّق المفترض لإنسان العصر الحجري الحديث. كما أنّ الطعام البحريّ غني بزيت سمك "أوميغا 3" الغني بالأحماض الدهنية التي تساعد على تنمية القدرات العقلية. ربما وصلت عقول النياندرتال إلى درجة تطور القدرات الفكرية لشعب العصر الحجري الحديث.
دلالات
المساهمون