وأشارت الدراسة التي صدرت اليوم الأحد عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى أن تعاظم مظاهر التوتر والتنافس بين الولايات المتحدة من جهة وكل من روسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي يدفع هذه القوى لتبني سياسات تتعارض مع مصالح إسرائيل وتسهم في تقليص هامش المناورة المتاح أمامها إقليميا ودوليا.
ولفتت الدراسة التي أعدها إلداد شفيت، الذي عمل مساعدا لقائد لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، ومديرا لقسم الأبحاث في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، إلى أن المواجهة الصفرية التي يتبناها ترامب في العلاقات الدولية يمكن أن تمس بمكانة الولايات المتحدة الدولية، وهو ما سينعكس سلبا على إسرائيل ويقلص من قدرتها على تحقيق أهدافها في الساحتين الدولية والإقليمية.
وأوضح شفيت أن التوتر بين الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى جاء في أعقاب إصرار ترامب على نسف مسلمتين حكمتا السلوك الأميركي في الساحة الدولية: الأولى- أن تتولى الولايات المتحدة وحدها الكلفة التي تفرضها مكانتها كقوة تقود الساحة الدولية، والثانية- تشكيل مؤسسات وقيادتها وفرض قواعد لعبة في الساحة الدولية تضمن تحقيق مصالح الولايات المتحدة وقيمها. وحسب الدراسة، فقد وضع ترامب حدا لهاتين المسلمتين من خلال تشبثه قولا وفعلا بشعار "أميركا أولا"، وذلك عبر تشديده على أن القوى الدولية تستغل الولايات المتحدة وأن الأخيرة مطالبة بالحرص على مصالحها فقط.
ولفتت إلى أن توجه ترامب دفع الولايات المتحدة للانسحاب من الكثير من الاتفاقات والمؤسسات الدولية، سيما الانسحاب من اتفاق المناخ، والاتفاق النووي مع إيران، واتفاق تفكيك الأسلحة النووية متوسطة المدى وغيرها. ويرى شفيت أن ترامب مس بأسس العلاقات الدولية عندما عمد إلى فرض ضرائب وقائية على الصادرات من الصين وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام اندلاع حرب تجارية. وأشار إلى أن العلاقة الأميركية الروسية باتت في الحضيض على الرغم من رغبة ترامب الواضحة في إصلاحها وذلك بفعل التحقيق الذي يجرى حاليا في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ مشيرا إلى أن هذه العلاقة مرشحة لمزيد من التدهور بفعل العقوبات التي يمكن أن يفرضها الكونغرس على روسيا.
ولفتت الدراسة إلى أن ترامب وجه ضربة قوية للدول المتحالفة مع الولايات المتحدة عندما أعلن بشكل لا يقبل التأويل أن مواصلة أميركا حماية هذه الدول تتوقف على مدى استعدادها لتغطية نفقات هذه الحماية. وأشارت إلى أن ترامب اتبع نسقا واضحا في السياسة الخارجية من خلال توجيه الانتقادات والتهديدات للدول والقادة والمنظمات، مستدركة أنه عمد في الوقت ذاته إلى تجنب استخدام الخيارات العسكرية. وشدد معد الدراسة على أن أنماط سلوك ترامب في الساحة الدولية تفضي إلى عزلة الولايات المتحدة وتراجع مكانتها الدولية، وهو ما يسهم في تقليص قدرة تل أبيب على تحقيق مصالحها. ويرى أن بعض سياسات ترامب الخارجية يمكن أن تشكل تهديدا لمصالح إسرائيل مثل قرار الانسحاب من سورية، أو أنها تجعل هذه المصالح عرضة لحالة من انعدام اليقين مثل قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.
وحسب الدراسة، فإنه على الرغم من أن موقف ترامب من الاتفاق النووي قد عزز موقف إسرائيل واستجاب لمطالبها، إلا أن وقوف معظم القوى الدولية ضد الموقف الأميركي يرسم علامات من الشك حول إمكانية نجاح السياسة الأميركية تجاه طهران. وأوضحت أنه لا يوجد ما يضمن عدم حدوث انقلاب في مواقف إدارة ترامب من إيران، محذرة من المخاطر الناجمة عن أي لقاء قمة يمكن أن يعقده ترامب مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، على غرار اللقاءات التي يجريها مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وأوضحت أن ما يفاقم الأمور أن الرهانات الكبيرة التي علقتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سيما انطلاق كل من تل أبيب وواشنطن من افتراض مفاده أن السعودية تحت حكمه يمكن أن تلعب دورا رئيسا في مواجهة إيران وتمرير مشروع السلام الإقليمي، تبين أنها رهانات في غير مكانها.
ولفت معد الدراسة إلى أن أنماط سلوك بن سلمان، سيما بعد حادثة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي تدفع للتشكيك بإمكانية أن تقوم الرياض بالدور المنوط بها.
ورأى شفيت أن حرص إدارة ترامب على تبني مواقف حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب من القضية الفلسطينية، وإقدامها على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها أدى إلى تعقيد العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، ناهيك عن أن هذا السلوك يردع الدول العربية للتعامل بشكل إيجابي مع خطة التسوية الأميركية المعروفة بـ "صفقة القرن".