في صيف عام 2017، قام عالم البيئة، جاستن سوراسي، بتركيب 25 مكبّر صوت في منطقة غابات حرجيّة في جبال سانتا كروز بكاليفورنيا في الولايات المتّحدة الأميركيّة. أصدر سوراسي أصواتًا، وهي عبارة عن نصوص مسجّلة، من المكبّرات، غطّت تقريبًا مساحة كيلومتر مربّع واحدٍ. وكانت ردود فعل الحيوانات الموجودة في نطاق حيّز التجربة تجاه هذه الأصوات البشريّة المسجّلة مختلفة. بعض الحيوانات أصبحت عصبيّة، وتركت تماماً عملية البحث عن الطعام. بعض الحيوانات الأخرى، لجأت إلى الهرب كردّ فعلٍ على سماع الأصوات.
ورغم أنّ الأصوات المنبعثة من الراديو هي لطيفة عادة بالنسبة للأذن البشريَّة، إلا أنّ الأسود الجبلية، مثلاً، شعرت بالضيق الشديد لمّا سمعت أصوات المكبّرات. ولا يتعلّق الأمر بنوعية الأصوات البشريَّة، ولكنّه يعود بدرجة أساسيَّة إلى الخوف العام من الناس، الخوف الذي تعلّمته الحيوانات على مدار قرون. تؤكّد تجربة سوراسي، أنّ الإنسان هو أخطر كائن على سطح كوكب الأرض. رغم أنَّه يدّعي خشيته وخوفه من القطط الكبيرة.
أراد العالم البيئي في جامعة كاليفورنيا، تأكيد نظريّة علميّة باستخدام الصوت. ووصل سوراسي إلى نتيجة بأنَّ خوف الحيوانات من أعدائها، يؤثّر على سلوكها وحركتها وتغذيتها، وبالتالي يمكن أنّ يسبب ذلك ضررًا عميقًا في النظام البيئي، إلى درجة خروج هذا النظام عن التوازن. وأكّد سوراسي أنَّ خوف الأسد الجبلي من أصوات المكبّرات، يشبه تماماً "خوف الفريسة من صيّادها". ولمّا كان الصوت يخرجُ من مكبّرات الصوت، كانت القطط الكبيرة تغيّر طريقها فورًا، وتتوقّف بشكل متكرّر وفوضوي، وبشكل عام تشعر بالضيق الشديد. ولكنّ المثير في الأمر، هو أنَّ الحيوانات في نطاق التجربة المكاني، لم تشعر بالضيق، لما وضع صوت نقيق الضفادع على المكبّرات. نشرت نتائج الدراسة في مجلّة Ecology Letters العلمية المحكمة.
من جهة أخرى، فإنَّ الفئران لم تتأثر بالأصوات أبدًا، لأنَّ من يصطادونها غادروا المكان فورًا بسبب الأصوات، وبالتالي صارت الفئران تأكل طعامها بسلام من دون خوف، وهذا بالضبط هو الخلل في نظام التوازن البيئي. وقد درس الباحثون العلاقة بين التغيّر في السلوك الجماعي للحيوانات، وبين نوعيّة المؤثر الخارجي الصوتي. النتيجة كانت صادمة، إذْ إنّ الأصوات البشريّة تثير الرعب في الحيوانات أكثر حتّى من أصوات أعدائها الطبيعيين في الطبيعة. نباح الكلاب يجعلها تشعر بالتوتر، في حين أنّ عواء الذئب لم يؤثّر عليها أبدًا. أمّا الأصوات البشريَّة، فهي تصيبها فعلاً بالرعب.
وأشار جوراسي إلى أنّ الأسود الجبلية، مثلاً، طوّرت ردود الفعل هذه، بسبب تاريخ الصيد الذي تعرّضت له في كاليفورنيا، أي أنّ الحيوانات تطوّر ردود الفعل اعتمادًا على خبرات قادمة من تجاربها السابقة. وبسبب هذا التاريخ، لم تعد الأسود تميّز إذا ما كان الواحد منّا صيادًا يبحث عنها أو شخصًا يتنزّه في الغابة.