ما زالت أزمة النفايات في لبنان على حالها، على الرغم من مرور أربعة أشهر. الفارق أن الانبعاثات المسرطنة تزداد في الأجواء، في ظل إصرار البعض على حرقها
يتزايد قلق اللبنانيين مع توارد المعلومات عن زيادة معدل المواد المسرطنة في هواء العاصمة بيروت إلى 400 ضعف، جراء حرق النفايات المتراكمة منذ أربعة أشهر في الغابات وأسفل الجسور. دخانُ الحرق هذا يعبق في أجواء مختلف المناطق اللبنانية، مع دخول أزمة النفايات شهرها الرابع.
تحوّلت كلّ بقعة تتكدّس فيها نفايات إلى هاجس لدى السكان القريبين منها، خشية اشتعالها بفعل فاعل أو عن طريق الخطأ. انتشرت لافتات كتب عليها: "ممنوع الحرق" في الشوارع، وكان بعضها "تحت طائلة المسؤولية".
وقد تدرّج خيار حرق النفايات خلال هذه الأشهر الأربعة من إشعال النار في حاويات النفايات احتجاجاً على الأزمة، وحرق تلال النفايات المكدسة في محيط المنازل وأسفل الجسور من قبل مجهولين، وصولاً إلى حرق البلديات للنفايات التي جمعتها في أراضٍ ضمن نطاقها، في محاولة يائسة للتخفيف من كمية النفايات المتراكمة.
وبرر عدد من رؤساء البلديات، الذين أعلنوا تبني هذا الخيار، الأمر بعدم القدرة على تأمين أراض إضافية لجمعها بانتظار إقرار خطّة حكومية لمعالجة الأزمة.
هكذا تحولت الأراضي التي خصّصتها البلديات لجمع النفايات إلى محارق دائمة سوداء اللون، بعدما كانت مجرد مكبات عشوائية. وما إن تنجح فرق الإطفاء في السيطرة على حرق تلة نفايات في خراج بلدة سبلين (جنوب بيروت) مثلاً، حتى يندلع حريق آخر تحت جسر الزلقا شمال العاصمة، على الرغم من إصدار الوزارات المعنية بحل أزمة النفايات قرارات وتحذيرات من مخاطر حرق النفايات على الصحة العامة والبيئة والبنى التحتية للجسور التي أحرقت النفايات أسفلها. وبدا وكأن الوزارات تتقاذف المسؤولية أمام الرأي العام، في ظل الفشل الحكومي في حل الأزمة.
محارق
ومع استمرار تراكم النفايات، تسعى مجموعة بلديات لبنانية إلى شراء محارق للتخلص من النفايات، بترويج من أحزاب سياسية فاعلة في هذه البلديات. وزير التربية الياس بو صعب، ممثل تكتل "التغيير والإصلاح" في الحكومة، أعلن عن تشغيل "محرقة نفايات من الجيل الرابع" في بلدته الأم ضهور الشوير. فيما تبنّى رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل خيار شراء محرقتين لمعالجة النفايات في بلدته بكفيا وجوارها. خيارٌ تبناه معظم أبناء هذه المناطق من دون البحث في آثاره البيئية والصحية. وتؤكد مصادر بيئية متابعة لأزمة النفايات أن الترويج السياسي للمحارق لا يخلو من تحقيق مكاسب مالية وانتخابيّة.
في هذا السياق، تقول مسؤولة السلامة البيئية والكيميائية في الجامعة الأميركية في بيروت سمر خليل، إن "أثر المحارق على الطريقة اللبنانية يمتد من المحرقة إلى المياه الجوفية والتربة والمواشي وصولاً إلى الإنسان. فالمحارق ليست، كما يتصور البعض، مجرد ثقوب سوداء تبتلع النفايات من دون ترك انبعاثات". وتؤكد أنه "حتى الجنين في بطن أمه مُعرّض لمخاطر الانبعاثات المتنوعة للمحارق".
تستخدم خليل تعبير "الطريقة اللبنانية" استناداً إلى تجربة محرقة ضهور الشوير التي "أدخلت إلى لبنان على أنها آلة صناعية. لم تخضع لدراسة تقييم الأثر البيئي التي تفرضها وزارة البيئة على آلات معالجة النفايات، كذلك، شغّلت في منطقة مصنفة كغابة في المخطط التوجيهي للبلدة، وقطعت أشجار من محيطها في مخالفة لقرار وزارة الزراعة". هذه المخالفات أدت إلى مشكلة أكبر، ليعلق العمل بها بقرار من وزارة البيئة اللبنانية.
وعلى الرغم من وصف بو صعب محرقته بأنها من الجيل الرابع، تؤكد خليل أن المحرقة المذكورة خالية من آلات تنقية الانبعاثات التي تصدرها عملية الحرق، وهي سامة تحتوي على مواد مُسرطنة بنسب مُرتفعة، وتحتاج كل منها إلى مجموعة أجهزة تنقية، ما يضاعف من حجمها وكلفتها. وتقدر كلفة المحرقة غير المجهزة بأجهزة تنقية بنحو 340 ألف دولار أميركي، ليرتفع ثمنها إلى 700 ألف دولار أميركي في حال شراء أجهزة التنقية".
وتؤكد أن شراء المحارق اللاحقة سيكون من دون أجهزة تنقية، وذلك بعد تواصلها مع الشركة البريطانية المُصنعة لها. بالتالي، ستمتدّ رقعة الانبعاثات السرطانية لتغطي عدداً كبيراً من المناطق اللبنانية. وتشير خلاصة دراسة منشورة على موقع الجامعة الأميركية في بيروت إلى ارتفاع نسبة مادة "الديوكسين" المسرطنة في الهواء، وتداول عدد من الناشطين اللبنانيين معلومات عن ارتفاع هذه النسبة 400 مرة في الأشهر الأخيرة، نتيجة حرق النفايات الصلبة.
وبالإضافة إلى كلفة أجهزة التنقية، تؤكد أن المختبرات المحلية غير مجهزة بتقنيات مراقبة انبعاثات المحارق، علماً أن هذا شرط من شروط وزارة البيئة لتشغيل المحارق. هكذا تُضاف كلفة إجراء هذه الفحوصات في مختبرات أوروبية، وتقدّر بين 9 و12 ألف دولار أميركي، إلى كلفة تشغيل المحارق.
في المحصّلة، توقفت المحرقة عن العمل وتوقف البحث في اقتراح تصدير النفايات خارج لبنان، لتستمر الأزمة. وتعيد خليل التأكيد على أهمية حل متكامل لملف معالجة النفايات من خلال "تخفيض كمية النفايات واعتماد الفرز وإعادة التدوير والاستخدام ثم الحرق أو الطمر ضمن شروط صحية وبيئية سليمة".
اقرأ أيضاً: كارثة صحيّة على الأبواب
يتزايد قلق اللبنانيين مع توارد المعلومات عن زيادة معدل المواد المسرطنة في هواء العاصمة بيروت إلى 400 ضعف، جراء حرق النفايات المتراكمة منذ أربعة أشهر في الغابات وأسفل الجسور. دخانُ الحرق هذا يعبق في أجواء مختلف المناطق اللبنانية، مع دخول أزمة النفايات شهرها الرابع.
تحوّلت كلّ بقعة تتكدّس فيها نفايات إلى هاجس لدى السكان القريبين منها، خشية اشتعالها بفعل فاعل أو عن طريق الخطأ. انتشرت لافتات كتب عليها: "ممنوع الحرق" في الشوارع، وكان بعضها "تحت طائلة المسؤولية".
وقد تدرّج خيار حرق النفايات خلال هذه الأشهر الأربعة من إشعال النار في حاويات النفايات احتجاجاً على الأزمة، وحرق تلال النفايات المكدسة في محيط المنازل وأسفل الجسور من قبل مجهولين، وصولاً إلى حرق البلديات للنفايات التي جمعتها في أراضٍ ضمن نطاقها، في محاولة يائسة للتخفيف من كمية النفايات المتراكمة.
وبرر عدد من رؤساء البلديات، الذين أعلنوا تبني هذا الخيار، الأمر بعدم القدرة على تأمين أراض إضافية لجمعها بانتظار إقرار خطّة حكومية لمعالجة الأزمة.
هكذا تحولت الأراضي التي خصّصتها البلديات لجمع النفايات إلى محارق دائمة سوداء اللون، بعدما كانت مجرد مكبات عشوائية. وما إن تنجح فرق الإطفاء في السيطرة على حرق تلة نفايات في خراج بلدة سبلين (جنوب بيروت) مثلاً، حتى يندلع حريق آخر تحت جسر الزلقا شمال العاصمة، على الرغم من إصدار الوزارات المعنية بحل أزمة النفايات قرارات وتحذيرات من مخاطر حرق النفايات على الصحة العامة والبيئة والبنى التحتية للجسور التي أحرقت النفايات أسفلها. وبدا وكأن الوزارات تتقاذف المسؤولية أمام الرأي العام، في ظل الفشل الحكومي في حل الأزمة.
محارق
ومع استمرار تراكم النفايات، تسعى مجموعة بلديات لبنانية إلى شراء محارق للتخلص من النفايات، بترويج من أحزاب سياسية فاعلة في هذه البلديات. وزير التربية الياس بو صعب، ممثل تكتل "التغيير والإصلاح" في الحكومة، أعلن عن تشغيل "محرقة نفايات من الجيل الرابع" في بلدته الأم ضهور الشوير. فيما تبنّى رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل خيار شراء محرقتين لمعالجة النفايات في بلدته بكفيا وجوارها. خيارٌ تبناه معظم أبناء هذه المناطق من دون البحث في آثاره البيئية والصحية. وتؤكد مصادر بيئية متابعة لأزمة النفايات أن الترويج السياسي للمحارق لا يخلو من تحقيق مكاسب مالية وانتخابيّة.
في هذا السياق، تقول مسؤولة السلامة البيئية والكيميائية في الجامعة الأميركية في بيروت سمر خليل، إن "أثر المحارق على الطريقة اللبنانية يمتد من المحرقة إلى المياه الجوفية والتربة والمواشي وصولاً إلى الإنسان. فالمحارق ليست، كما يتصور البعض، مجرد ثقوب سوداء تبتلع النفايات من دون ترك انبعاثات". وتؤكد أنه "حتى الجنين في بطن أمه مُعرّض لمخاطر الانبعاثات المتنوعة للمحارق".
تستخدم خليل تعبير "الطريقة اللبنانية" استناداً إلى تجربة محرقة ضهور الشوير التي "أدخلت إلى لبنان على أنها آلة صناعية. لم تخضع لدراسة تقييم الأثر البيئي التي تفرضها وزارة البيئة على آلات معالجة النفايات، كذلك، شغّلت في منطقة مصنفة كغابة في المخطط التوجيهي للبلدة، وقطعت أشجار من محيطها في مخالفة لقرار وزارة الزراعة". هذه المخالفات أدت إلى مشكلة أكبر، ليعلق العمل بها بقرار من وزارة البيئة اللبنانية.
وعلى الرغم من وصف بو صعب محرقته بأنها من الجيل الرابع، تؤكد خليل أن المحرقة المذكورة خالية من آلات تنقية الانبعاثات التي تصدرها عملية الحرق، وهي سامة تحتوي على مواد مُسرطنة بنسب مُرتفعة، وتحتاج كل منها إلى مجموعة أجهزة تنقية، ما يضاعف من حجمها وكلفتها. وتقدر كلفة المحرقة غير المجهزة بأجهزة تنقية بنحو 340 ألف دولار أميركي، ليرتفع ثمنها إلى 700 ألف دولار أميركي في حال شراء أجهزة التنقية".
وتؤكد أن شراء المحارق اللاحقة سيكون من دون أجهزة تنقية، وذلك بعد تواصلها مع الشركة البريطانية المُصنعة لها. بالتالي، ستمتدّ رقعة الانبعاثات السرطانية لتغطي عدداً كبيراً من المناطق اللبنانية. وتشير خلاصة دراسة منشورة على موقع الجامعة الأميركية في بيروت إلى ارتفاع نسبة مادة "الديوكسين" المسرطنة في الهواء، وتداول عدد من الناشطين اللبنانيين معلومات عن ارتفاع هذه النسبة 400 مرة في الأشهر الأخيرة، نتيجة حرق النفايات الصلبة.
وبالإضافة إلى كلفة أجهزة التنقية، تؤكد أن المختبرات المحلية غير مجهزة بتقنيات مراقبة انبعاثات المحارق، علماً أن هذا شرط من شروط وزارة البيئة لتشغيل المحارق. هكذا تُضاف كلفة إجراء هذه الفحوصات في مختبرات أوروبية، وتقدّر بين 9 و12 ألف دولار أميركي، إلى كلفة تشغيل المحارق.
في المحصّلة، توقفت المحرقة عن العمل وتوقف البحث في اقتراح تصدير النفايات خارج لبنان، لتستمر الأزمة. وتعيد خليل التأكيد على أهمية حل متكامل لملف معالجة النفايات من خلال "تخفيض كمية النفايات واعتماد الفرز وإعادة التدوير والاستخدام ثم الحرق أو الطمر ضمن شروط صحية وبيئية سليمة".
اقرأ أيضاً: كارثة صحيّة على الأبواب