دجيدي مادجيا.. كتابة أخرى لصمت اللغات

27 فبراير 2019
(دجيدي مادجيا في بورن، 2017)
+ الخط -

رغم أن علاقتي بالشعر الصيني وطيدة منذ عقود بفضل ترجماته إلى الفرنسية، فقد اكتشفت أنّ الشعر الصيني الحديث، الشّعر القديم قصة أخرى، قارة جديدة تماماً على عالمنا العربي. فهذا الشعر لا يمثّله فقط باي داو، ديوديو أو سونغ لينغ، بل ثمّة مئات أو آلاف الشعراء الصينيين الذين يعيشون في الصين ولا تُترجَم أعمالهم للغات أجنبية، نظراً لاعتبارات أديولوجيّة ربّما منحت الأسبقية لشعرية معينة.

تمتح خصوصية شعر دجيدي مادجيا قوّتها من ثقافته الصينية المتعدّدة؛ فالشاعر ينتمي إلى إثنيّة "يي"، وهي "أقليّة" يتجاوز عدد سكّانها سبعة ملايين نسمة، وتعيش غالباً في الجبال في أقاليم سيشوان، ويونان، وغويزهو، وغواغشي في الجنوب الغربي للصين.

وتعتبر هذه "الأقليّة" السادسة عدديّاً في منظومة "الأقليّات" الصينيّة التي تبلغ ستة وخمسين إثنيّة. وهي "أقليّات" لم يُعتَرف بها إلاّ في ظلّ جمهورية الصين الشعبية. وتُشكّل الحياة الجبليّة والطبيعة والصيد، والنسور، والأيائل، والاحتفاء بالإنسان والوطن عصب إثنية يي ونفَس شعر دجيدي مادجيا المميّز.

يأخذنا الشاعر من أيدينا بحبّ، ليكشف لنا "طفولة العالم" التي تسكن ثقافة شعب يي العظيم. ويقدّم لنا شعراً خرائطُه مغايرة تقطع مع شعريات كثيرة في العالم من أميركا اللاتينية إلى آسيا مروراً بالعالم العربي. خرائط تنسّب رؤيتنا للمفاهيم، والحدود، والأنساق الثقافية ومعنى الحياة. فالشعب، والإثنية، والقدح- النسر، ووشاح الحب، والأنهار– الأحلام، والزواج، وغارسيا لوركا دماء جديدة تسري في جسد الشعر العالمي المفتوح دون غرائبية أو تصنّع.

حينما ترجمتُ قصائد دجيدي مادجيا من الفرنسية، لم أشعر أبداً أنني ابتعدت كثيراً عن روح الشاعر الساكن في حوصلة نسر شعب يي. كنتُ أتساءل كشاعر كيف يمكن لي أن أُنصِت إلى هذه الأنهار الهادرة، والنسور المحلّقة، وقمم الجبال العالية وأنقلها إلى لغتي العربية التي تتحدّث كل اللغات. لن أدّعي السهولة؛ فالترجمة كتابة أخرى لصمت اللغات الأصلية.

ترجمة الشعر، كما نعرف، هي البعير المعبد في عالمنا العربي، والشعرُ الصيني، رغم غناه الرهيب، لا نعرف عنه الشيء الكثير. ورغم قراءتي لبعض الترجمات الشعرية المتواضعة من اللغة الصينية مباشرة إلى العربية والصادرة هنا وهناك في العالم العربي، فإنني أعتقد أنه من الضروري الزيادة في وتيرة هذه الترجمات لتقوية علاقتنا الشعرية بثقافة عظيمة مثل الثقافة الصينية.

المساهمون