دبي: انسجام التراث .. وناطحات السحاب!

04 أكتوبر 2014
مبنى أثريّ في دبي بعد ترميمه (العربي الجديد)
+ الخط -

ليست ناطحات السحاب والأبراج الشاهقة هي صورة دبي الوحيدة. ثمة صورة أخرى لا يراها الجميع. يأتي الزوّار عادة إلى دبي ويسكنون المباني الحديثة من دون أن يروا دبي القديمة، بل إنّ عدداً كبيراً من زوّارها يتساءلون عمّا إذا كان هناك مدينة قديمة.

لكنّ الأماكن التراثية في دبي، التي كانت متهالكة إلى الأمس القريب، يسمع العابر قربها أصوات مطارق وأزاميل تطلق نوعاً من الموسيقى. هذا لأنّ هناك من يعمل وراء الأسوار، وإذا سألت ستعرف أنّهم نخبة من آثاريين متخصّين وعمّال ماهرين يرممون المباني التاريخية التي تحرص دبي على صيانتها.

يشرح رئيس فريق الورشة المركزية والصيانة في إدارة "التراث العمراني في دبي"، المهندس، يعقوب يوسف آل علي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ مهمتّهم الأولى تركّزت "على إقناع الأهالي بإخلاء منازلهم مقابل تعويض ماديّ". فالقاطنون لا يعلمون أنّ بيوتهم تراثيّة، وقد دفعت الدولة نحو ملياري درهم كتعويض. وأشار المهندس إلى أنّ "اهتمام حكومة دبي بالآثار ليس جديداً، فقد بدأوا في هذه الحملة في عام 1980، لكنّ إنشاء وحدة ترميم المباني الأثرية في عام 1991 سرّع في إنجاز هذه المهمة".

وأوضح المهندس أنّ الإحصاءات تشير إلى وجود نحو 200 مبنى تراثي يُعاد ترميمه في إمارة دبي. ويصف العاملين بأنّهم "جنود مجهولون يعملون وراء الأسوار، ولا يكشفون عن عروستهم الجديدة إلى حين الانتهاء من الترميم الذي يتطلّب دقّة ومهارة، سواء في التصاميم أو في استخدام المواد الأصلية ذاتها في الترميم".
وفي جولة داخل هذه المباني، التقى "العربي الجديد" رئيس البنّائين في ورشة العمل في منطقة الشندغة، الذي أوضح أنّ الورشة "تواجه مشكلة كبيرة في العثور على المواد القديمة التي فُقدت من السوق الإماراتي فيضطرّون الى استيرادها من الخارج، مثل الحجر القديم المرجاني، الحجر الصدفي، ومواد الجفصين، والخشب والصاروج والنورة".
وروى أحد المتخصّصين في البناء القديم تعرّض المباني "لعوامل وظروف مناخية صعبة، كالرطوبة والحشرات الأرضيّة التي تأكل السقوف". وأوضح مدير إدارة التراث العمراني المهندس رشاد بوخش في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "ملكية هذه المباني التراثية تعود إلى أربع مؤسسات: سياحة دبي، هيئة ثقافة دبي، الأوقاف، وبلدية دبي". وتتم عمليات الترميم بالتنسيق بين هذه المؤسسات.

ويشرح بوخس "عن خطة تأهيل المباني كي تُمارَس الحياة الطبيعية داخلها، منها بيت الشيخ سعيد آل مكتوم، وقريتا الغوص والتراث، وبيت الشيخ عبيد بن ثاني، والعديد من المساجد التقليدية والأسواق، كما نسعى إلى تحقيق البعد التراثي في مناطق التنمية السياحية في الإمارة. وقد أصبحت منطقة البستكية والشندغة والمدرسة الأحمدية وسور دبي ومتحف دبي وحصن الفهيدي، بعد ترميمها، من المعالم البارزة في دبي".

هكذا يبدو أنّ دبي قرّرت فرض التعايش بين أبنيتها التراثية وناطحات السحاب والأبراج الشاهقة، دون أي تناقض، فكل منهما له سحره الخاص، وروّاده وعشّاقه.
المساهمون