يصل أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، اليوم الثلاثاء، إلى جدة، للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، ومنها ينتقل مباشرة إلى الدوحة، حيث يلتقي أميرها، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في إطار اتصالات يقوم بها أكبر زعماء منطقة الخليج سناً (88 عاماً)، محاولاً الاستفادة من رصيد الاحترام الذي يمتلكه في المنطقة، لمحاولة تهدئة الأجواء المتوترة، إثر مجموعة القرارات التصعيدية التي اتخذتها الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة ضد الدوحة.
وعلم "العربي الجديد" أن اتصالات وزيارات أمير الكويت ومساعيه، تنطلق من رفض فرض الوصاية السياسية على قطر وعلى قراراتها الوطنية وسياساتها الخارجية، وهو سقف وضعته الدوحة منذ اللحظة الأولى لفرض الإجراءات التصعيدية ضدها، والتي وصلت إلى حد قطع العلاقات وإغلاق الحدود البرية معها، ومنع المواطنين الخليجيين من التوجه إليها، وإرغامهم على مقاطعة الإعلام القطري.
وكان أمير الكويت قد طلب من أمير قطر، في اتصال هاتفي أجراه معه مساءً، تأجيل خطاب كان مقرراً أن يلقيه الشيخ تميم مساء الإثنين، ويوجهه إلى الشعب، وذلك لإتاحة الفرصة لمزيد من الاتصالات التي يجريها، وهو ما حصل بالفعل.
ومساء الإثنين، استقبل الشيخ الصباح في الكويت، مستشار الملك السعودي، خالد الفيصل، وعلم "العربي الجديد" أن الزيارة تخللتها مطالب نقلها خالد الفيصل إلى الكويت لتضغط بدورها على الدوحة لتقديم "تنازلات" ترفضها السلطات القطرية، وتعتبرها مساً بسيادتها وبقرارها الوطني.
وقد رفضت الكويت، منذ انطلاق الحملة الإعلامية ضد قطر، الانخراط في معسكر الرياض - أبوظبي. وأعرب مسؤولون فيها عن انزعاج كبير إزاء موجة التلفيق والإهانات التي تخللتها حملة وسائل إعلامية محسوبة على الرياض وأبوظبي والقاهرة. ويحاول الشيخ الصباح، في جدة اليوم، إقناع القيادة السعودية بتخفيف لهجة الخطاب ضد قطر وتقليل التصعيد، ثم يطلب في الدوحة من الشيخ تميم القبول بالوساطة التي يعرِضها.
وكان أمير الكويت قد استبق حراكه الدبلوماسي بمجموعة اتصالات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين، والرئيس السوداني عمر البشير، وهي الأطراف التي عرضت وساطة بين الدوحة وحلف أبوظبي-الرياض.
وسبق لأمير الكويت أن قام بوساطات مشابهة عام 2011 بين الإمارات وعُمان، حينما اعتقلت السلطنة خلية تجسس إماراتية على أراضيها، مما حدا بأمير الكويت أن يقوم بجولة زيارات مكوكية في حينها بين أبوظبي ومسقط لتقريب وجهات النظر. كما قام الأمير بنفسه بالإشراف على اتفاق الرياض بين الدوحة ومعسكر أبوظبي ــ الرياض عام 2014.
الكويت وموقفها من الأزمة
وتتمتع الكويت من بين الدول الخليجية الأخرى بوضع خاص، بسبب الاختلافات الجيوسياسية عن محيطها الخليجي، حيث تطل على مياه الخليج العربي، ولها حدود مشتركة واسعة مع أكبر ثلاث دول في المنطقة هي العراق والسعودية وإيران. هذه الحدود المشتركة، بالإضافة إلى التنوع الديني والطائفي والعرقي والسياسي في الكويت، حتّم عليها لعب أدوار سياسية مختلفة عن بقية الدول الخليجية، إذ تتمتع الأقلية الشيعية في الكويت بكافة حقوقها السياسية، كما تتمتع الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون، بحق التمثيل البرلماني، كما أن الكويت استضافت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح.
هذه العوامل المتداخلة في الكويت فرضت عليها عدم الانجراف خلف معسكر أبوظبي-الرياض ضد الدوحة، مما عرّضها إلى انتقادات حادة من أقلام ومسؤولين في صحف سعودية رسمية وإماراتية، عشية الإعلان عن سحب السفراء من الدوحة وقطع العلاقات معها، لمطالبة الكويت بحذو حذوها ضد الدوحة، وهو ما سبب امتعاضاً واسعاً داخل دوائر الحكم الكويتية وبين الأحزاب والتيارات الكويتية التي رفضت، عبر بيانات علنية، فرض الوصاية على الكويت من قبل أي طرف كان.
انطلاقاً من ذلك، وبحسب دوائر مقربة من وزارة الخارجية الكويتية، فإن صناع القرار في الكويت يتخوفون من أن رضوخ قطر لإملاءات معسكر أبوظبي-الرياض، سيعني أن الكويت قد تصبح مرشحة لأن تكون ضحية حملات مشابهة لما تتعرض له الدوحة اليوم، خصوصاً أن موقع الكويت المكشوف جغرافياً مع الحدود العراقية يفرض عليها حسن الجوار وسياسة عدم التصعيد مع المحور الإيراني.
كما أن الإملاءات الخارجية ضد السياسة الكويتية الداخلية قد تصل إلى تعطيل وجود مجلس الأمة الكويتي الذي يشكل هاجساً لعدد من دول الخليج، خصوصاً أنه يضم جماعات يصنّفها محور أبوظبي-الرياض بأنها "إرهابية" مثل الإخوان المسلمون، وهو ما يهدد، في حال حصوله، باضطراب داخل الكويت وباختلال في توازن بنية الدولة الدستورية، خصوصاً أن الكويتيين يرفضون المساس بعمليتهم الانتخابية من أي طرف، أي أن أي إملاء خارجي على السياسة الداخلية للكويت مستقبلاً، كما يحدث الآن ضد قطر، قد يهدد وجود الدولة نفسها، وهو أمر تعيه القيادة السياسية في الكويت.
وساد الغضب أرجاء الشارع السياسي الكويتي عقب الكشف عن تسريبات سفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، والتي تضمنت تحريضاً مباشراً للأميركيين على الكويت نفسها، بوصفها دولة "تدعم الإرهاب" برفقة قطر. هذه التسريبات، بالإضافة إلى مراقبة الكويت الدؤوبة لمحاولات أبوظبي دعم صحف محلية كويتية محسوبة عليها، وتحريضها للهجوم على قطر من داخل الكويت، سبب إحراجاً لها قد يؤثر بشكل كبير على الجهود الكويتية الحالية، خصوصاً أن القيادة الكويتية طلبت من جميع الصحف الكويتية ووكالة الأنباء الرسمية (كونا) عدم الانجرار في هذه الحرب الإعلامية وعدم المساس بقطر وأميرها وشعبها.