بلغة بصرية تمزج بين الرمزية والهزل، يتناول الفنان الألماني دانيال م. ثوراو Daniel M Thurau موضوعات تاريخية وأسطورية في رسوماته التوضيحية، التي درسها كتخصّص جامعي وطوّر أدواته وأسلوبه فيها عبر الممارسة التي اقترب من خلالها من مفهوم اللوحة، مستنداً إلى مصادر متعدّدة.
يضمّ معرضه، الذي افتتح أمس السبت في فضاء "فريمد" في برلين، أعمالاً جديدة سيتناولها في حديثه عن العملية الإبداعية، حيث يلتقي زائرَين اثنَين تباعاً، وفق ما أعلنه المنظّمون، في ظلّ عودة المتاحف وصالات العرض الألمانية لاستقبال جمهورها بشكل تدريجي.
يطوّر ثوراو (1974) نوعاً جديداً من التقنية باستخدام صبغات نقية وخليط من زيت التربنتين والطلاء الذي يتيح له الرسم بشكل أسرع، كما فعل خلال الأعوام الأخيرة بشكل مفرط عن طريق رسم معظم المناظر الطبيعية والبيوت في أحياء سكنية، مولياً اهتمامه بالتلوين كعنصر أساسي في لوحته التي تميل إلى الغرائبية وإبراز عمق المشهد بشخصياته والأحداث التي تدور فيه.
لا يُبنى العمل بشكل صارم، بل ثمّة تقصُّد في الابتعاد عن كتلة مركزية تحددّ تكوينه، ما يجعل الألوان تتداخل بتدرُّجاتها المتنوّعة، حيث يمتزج الأزرق الفيروزي بالبنفسجي في رسم براعم الحمضيات الملوّنة التي تُجاور الأزهار الوردية وسط غسق الليل الذي يُظهر السماء زرقاء عميقة تلّف كلّ هذا المنظر.
لا فاصل بين الخيال والواقع لدى ثوارو الذي يعتقد بوجود لاوعي جمعي يمتلكه المتلقّي والمتابع لتاريخ الفن، حيث يشير في لقاء صحافي سابق إلى الدور الذي رُسم للفنون خلال مئات السنوات، في أوروبا تحديداً، والمتعلّق بتوضيح الأفكار والعقائد الدينية أو تعليمها، ولا يزال تأثيره ماثلاً إلى اليوم.
كما يركّز على البعد النفسي لتلك الرموز والأبطال الخارقين الذين يختارهم من التاريخ، ويضمّنهم في لوحاته مثل توظيفه لأسطورة الخلق وغيرها، ويمنحها شحنة عاطفية يجعل من الممكن تقبّل حضورها كمفردة نافرة أو غريبة عمّن حولها، ضمن سعيه الدائم إلى توظيف عناصر تبدو للوهلة الأولى متناقضة، في محاولة للتوفيق بين ثقافة النخبة والذائقة الشعبية للفن من خلال إيجاد تلك "الدعابة"، بحسب تسميته، التي تربط بينهما واستخدامها كحلقة وصل.
لا يغيب عن تجربة ثوارو تأثّرها بعدد من الفنانين التعبيريين في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وفي مقدّمتهم النرويجي إدفارت مونك (1863 - 1944) بلوحته الشهيرة "الصرخة" التي تعكس انفعالاً مكثفاً عند مشاهدتها لم يتغيّر منذ رسمها عام 1893.
وتُذكّر لوحته أيضاً بالفنان والشاعر الألماني ماكس إرنست (1891 - 1976) بتقديم المناظر الطبيعية بمسحة غامضة وتقترب من أجواء سوريالية تُخفي بحثاً فلسفياً في مفهوم الطبيعة وارتباطه بسياقات اجتماعية وتاريخية وأسطورية، وليس كتجريد لوني على سطح الكانفاس.