أستطيع أن أقول جازمة إنّ لا أحد يحب زيارة طبيب الأسنان. وقد نتغاضى عن لمعة خفيفة تصيب السن ونتجاهل وجعاً خفيفاً، إلى أن يفاجئنا ليلاً ولا يعود ينفع معه أي مسكّن، فنذهب صاغرين مجبورين إلى طبيب الأسنان، لنسمع تأنيبه لنا بسبب إهمالنا، من دون أي قدرة لنا على الرد، مستسلمين بين يديه وأدوات الحفر المتسلّطة علينا بصوتها المرعب.
الكذبة التي نصدقها في الطفولة تبدأ مع سقوط "سن الحليب" الذي نرميه صباحاً، مردّدين "يا شمس.. يا شمس.. خذي سن الحمار وأعطني سن الغزال"، ظنّاً أنّ الأسنان التي ستحلّ مكان السابقة، أجمل ودائمة كنصب تذكاري وخالدة كأهرامات. وسنعرف بعد ذلك، تسوّس هذه الأسنان التي وثقنا بها والوجع الناجم عنه، وستبدأ زياراتنا للطبيب، التي ستستمر عمرنا كله، لينقذنا من الوجع ومن خسارة أسناننا.
قبل زمن ليس ببعيد، لم يكن الحفاظ على الأسنان في الفم هو المهم، بل التخلّص من الألم، والقلع هو الحل الأنسب لدى الحلاق الذي يعمل في الوقت نفسه كمطهّر للأطفال وقالع للأسنان. وعملية القلع هذه أشبه بعملية تعذيب تمارس من دون مسكنات للألم، وبكلاّبات بدائية يخرج منها الإنسان كالناجي من الموت وبفم موصوم بالفراغات. بالطبع، لم تعد زيارة طبيب الأسنان وحشية بهذه الطريقة، لكن الرعب منها ناتج، على ما أعتقد، بسبب ذاكرة جماعية قديمة.
على الرغم من تضحيتنا بأسناننا في سبيل التخلّص من الألم، إلاّ أنها مؤلمة لا تحصل بطيب خاطر، فهي تشويه لجمال الوجه والضحكة ودليل على التقدم في العمر. وإلاّ، لماذا كانت المرأة التي تخسر أسنانها تغطي فمها بيدها إذا ضحكت؟ أعتقد أنّ التطور الذي وصل إليه طب الأسنان المعاصر، أغلب أسبابه جمالية، من دون نسيان فكرة محاربة الزمن وتركيب أسنان بدل وجبة اصطناعية.
أكيد أنّ آلام الأسنان اليوم لا تقارن بتلك الحاصلة في أزمنة سابقة. فبدل كبش القرنفل الذي كنّا نفركه على اللثة، حصلنا على أدوية مسكنة. حتى زيارة طبيب الأسنان نفسها لم تعد حفلة تعذيب. فإبرة البنج، تساعدنا على تحمّل الحفر والتلبيس والتركيب وسحب عصب. بقي الصوت، صوت آلة الحفر (الخربر)، هذا الصوت الذي ينخر السن والدماغ معاً، لنخرج بعد ذلك بإحساس مَن تعرّض للضرب المبرح.
أحسد أولئك الذين يهتمون بأسنانهم ويذهبون من دون رعب لزيارة طبيب الأسنان، لا لسبب ملحّ وألم لا يُحتمل، وإنّما لمجرد الاطمئنان دورياً على صحة فمهم. هم أكثر حداثة مني، ويسمحون للطبيب بالعمل على أسنانهم لمجرد حاجات تجميلية، كالحصول على ما يُطلق عليه اليوم بـ"ابتسامة هوليوود"، أي تلك الابتسامة اللامعة التي نراها على الأسنان البيضاء المصفوفة كحبات اللؤلؤ في أفواه نجوم السينما.
بعد كل هذا التاريخ من الوجع والعذاب المرتبط بالأسنان، لم أفاجأ حين علمت أنّ الأميركي ألفرد ب. ساوثويك، مخترع كرسي الإعدام الكهربائية، كان طبيب أسنان!
قبل زمن ليس ببعيد، لم يكن الحفاظ على الأسنان في الفم هو المهم، بل التخلّص من الألم، والقلع هو الحل الأنسب لدى الحلاق الذي يعمل في الوقت نفسه كمطهّر للأطفال وقالع للأسنان. وعملية القلع هذه أشبه بعملية تعذيب تمارس من دون مسكنات للألم، وبكلاّبات بدائية يخرج منها الإنسان كالناجي من الموت وبفم موصوم بالفراغات. بالطبع، لم تعد زيارة طبيب الأسنان وحشية بهذه الطريقة، لكن الرعب منها ناتج، على ما أعتقد، بسبب ذاكرة جماعية قديمة.
على الرغم من تضحيتنا بأسناننا في سبيل التخلّص من الألم، إلاّ أنها مؤلمة لا تحصل بطيب خاطر، فهي تشويه لجمال الوجه والضحكة ودليل على التقدم في العمر. وإلاّ، لماذا كانت المرأة التي تخسر أسنانها تغطي فمها بيدها إذا ضحكت؟ أعتقد أنّ التطور الذي وصل إليه طب الأسنان المعاصر، أغلب أسبابه جمالية، من دون نسيان فكرة محاربة الزمن وتركيب أسنان بدل وجبة اصطناعية.
أكيد أنّ آلام الأسنان اليوم لا تقارن بتلك الحاصلة في أزمنة سابقة. فبدل كبش القرنفل الذي كنّا نفركه على اللثة، حصلنا على أدوية مسكنة. حتى زيارة طبيب الأسنان نفسها لم تعد حفلة تعذيب. فإبرة البنج، تساعدنا على تحمّل الحفر والتلبيس والتركيب وسحب عصب. بقي الصوت، صوت آلة الحفر (الخربر)، هذا الصوت الذي ينخر السن والدماغ معاً، لنخرج بعد ذلك بإحساس مَن تعرّض للضرب المبرح.
أحسد أولئك الذين يهتمون بأسنانهم ويذهبون من دون رعب لزيارة طبيب الأسنان، لا لسبب ملحّ وألم لا يُحتمل، وإنّما لمجرد الاطمئنان دورياً على صحة فمهم. هم أكثر حداثة مني، ويسمحون للطبيب بالعمل على أسنانهم لمجرد حاجات تجميلية، كالحصول على ما يُطلق عليه اليوم بـ"ابتسامة هوليوود"، أي تلك الابتسامة اللامعة التي نراها على الأسنان البيضاء المصفوفة كحبات اللؤلؤ في أفواه نجوم السينما.
بعد كل هذا التاريخ من الوجع والعذاب المرتبط بالأسنان، لم أفاجأ حين علمت أنّ الأميركي ألفرد ب. ساوثويك، مخترع كرسي الإعدام الكهربائية، كان طبيب أسنان!