خير في الشوارع

01 يناير 2016
ثلاثة، اثنان، واحد.. دقت ساعة بيغ بين (Getty)
+ الخط -

لنا ولادتان كلّ عام. ذلك اليوم الذي وُلدنا فيه، وذلك الذي ولد فيه العالم، ونحن جزءٌ منه. ليلة أول من أمس كان عيد العالم، وقد شاخ كثيراً بالمقارنة مع أعمارنا المتواضعة. شاخ حتى فقد صوابه. لكنه يكبر. يقول إنه يكبر بنا أو لأجلنا. هراء. كلمات لا معنى لها. كلّنا نكبر. وفي المناسبتين، نحتفل بنضجٍ أو إنجاز أو عائلة أو طفل أو رقم. نحتفل لأننا لا نخاف الأرقام. عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو خمسون عاماً. لا نخشى كل تلك الأعوام. نأكل الكعكة ونتمنى. أحياناً، نقطع أمنياتنا بالسكين. ونستغرب أنها لا تتحقق.

الكونُ لا يتمنى. لا يضمر شيئاً لكوكبه زحل، أو المريخ، أو نجماته التي تضيء سقفه ليلاً. تلتقي سماواته بين الشرق والغرب. أضواء ومفرقعات وضجيج. الكونُ يكبر فينا.

جردةٌ؟ ليس ليلة العيد. نملك وقتاً كافياً. سنة بطولها، بأيامها الـ 365. نختبئ حين تصرخ ساعة بيغ بين. إنها الثانية عشرة. نغطي وجوهنا بوجوه أخرى تبدو أكثر تمرداً. داخلها، نكون أكثر قدرة على الصراخ والجنون. لا نعرف سبب كل هذا الصراخ والعناق.

رأس السنة؟ يعني رقماً يزحف إلى الأمام. يعني ماضياً أكثر كثافة ومستقبلاً ناقصاً. يعني مزيداً من البحث عن معنى كونٍ لم ينسجم مع مخلوقاته الدنيا، التي لا تملك ملكة التحليق.

جردةٌ؟ هراء. ماذا فعلنا وماذا سنفعل؟ أكلنا ما قلنا إننا لن نأكله، وكسبنا وزناً حسبنا أننا لن نكسبه. وبعدُ، فعلنا أقلّ من المخطط. والمخطط ليس كبيراً. بضعةٌ من حقّ أرواحنا علينا، تلك القابعة بين الأرض والسماء. نصفها في أجسادنا ونصفها الآخر في الكون. سلبي وإيجابي وسنة إضافية ورقم جديد، نحتاج نصف عام لنحفظه، ونصف عام آخر لمراجعة أمنياتنا.

وفي اليوم الأخير، تسقط فوق رؤوسنا. ثقيلة هي. لكننا نحتفل ونغني ونتعانق ونصرخ. عامٌ جديد وحياة جديدة وخير. الكثير من الخير.

والخيرُ يزدحم في الشوارع. في ليلة العيد يدعو الناس بالخير. والخير يسقط على تفاصيلنا. خيرٌ على عائلاتنا وأطفالنا. خيرٌ على أراضينا وبيوتنا، وخيرٌ على دواخلنا التي لا تخرجُ إلى الكون، مهما ظنّنا أن كلماتنا تكشفها. هي بعضٌ من كل، والكل عميق جداً، مثل كلّة في بئر.

ما فعلنا وماذا سنفعل؟ أرق كل عام جديد وكلّ ولادةٍ جديدة. وفي الولادتين، نراكم الأشياء. نكدّس تفاصيل لا يمكن نقلها إلى مستقبل يشيخ. بعض التفاصيل لا تغادر وقتها. وإذا ما مر من أمامها، تنفصل عنه وتبقى مكانها.

ثلاثة، اثنان، واحد.. دقت ساعة بيغ بين. لا نرى ولا نسمع غير المفرقعات. وفي قلوبنا، نتمنى كل الخير، قبل أن تقطعه سكاكيننا.

اقرأ أيضاً: هدايا لأطفال القبور
دلالات
المساهمون