28 ديسمبر 2021
خيبة الزمن التصالحي والمروق الأميركي
بين إصبع مندوبة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، في مجلس الأمن الدولي، إشارة إلى رفع سيف "الفيتو" في مواجهة 14 صوتا مؤيدا لمشروع القرار المصري في شأن القدس، واستشهاد إبراهيم أبو ثريا مقطوع الساقين، وهو يلوح بالعلم الفلسطيني بيد، وبشارة النصر باليد الأخرى، تكمن مفارقة "الزمن التصالحي" الفلسطيني، كما العربي، العاجز عن مصالحة ذاتية تعيد اشتقاق طريق كفاحي كفيل بإعادة ترسيم دروبٍ وأساليب تحررية، يمكن عبرها استعادة الحقوق، أو بعضها، إلى أصحابها.
هذا في وقت يجري فيه رمي "الزمن الصراعي" خارج كل أطر الصراع، ليجري استبداله بواقع من الشلل والعجز عن استمرار الصراع أو استئنافه، لا سيما أمام محطة مفصلية مهمة، عمدت خلالها الولايات المتحدة، بقيادتها الترامبية المحافظة جدا، والأقرب إلى الصهيونية الدينية والسياسية، إلى اتخاذ قرار إلحاق مدينة القدس بفلسطين التاريخية، واعتبار الوطن الفلسطيني كله أرضا محتلة مسلوبة ومنهوبة. ومن حق إسرائيل الكيان الغاصب والمحتل التصرّف بها، كما تشاء الرؤية التوراتية بخرافاتها وأساطيرها، ووقائعها الراهنة، بما تشكله اليوم من مشتركات اليمين الصهيوني المتطرّف والفرق المسيحية الصهيونية التي تنشط في الولايات المتحدة، وتلتف حول مسيحانيةٍ تؤمن بمعركة هرمجدون أسطورة توراتية بامتياز، يؤمن بها عتاة اليمين الأميركي من المسيحيين الصهاينة الإنجيليين، ويراد استدعاؤها اليوم لكي ينتصر ترامب، والمؤمنون به، "مسيحا دجالا" في عالم التجارة والعقارات والصفقات.
هكذا مرة أخرى جديدة، تنتقل الولايات المتحدة، بوصفها دولة عظمى إمبراطورية، تنكفئ على ذاتها، وتزداد عزلةً في ظل إدارتها الترامبية، إلى دولة مارقة، أكثر مروقا من إسرائيل دولة كولونيالية، وجدت من ينافسها على مروقها، ويضيف إلى هذا الخروج عن قيم المجتمع الدولي ومعاييره، ومن يتقاطع معها في سياساتها العدوانية، لتشكلا أكثر الدول مروقا في التاريخ المعاصر.
أفرزت سنوات الخيبة الأوسلوية ثلاثة مآزق، اجتمعت كلها دفعة واحدة في أوقاتٍ متفاوتة، نتجت من غياب وضع قيادي متماسك، لم يعد قائما للأسف، إلا نوعا من "تصريف أعمال" لا ينتج بدوره سوى مزيد من الأزمات المتراكبة في كامل الوضع الوطني، في الضفة الغربية كما في القدس وغزة وفي الشتات، وقد تركت العاصمة الأبدية لفلسطين التاريخية لمصيرها الذي يتجلى الآن في قرارٍ سياسيٍّ مارق، تقوده الولايات المتحدة، بطلب من حكومة نتنياهو اليمينية المتطرّفة، في وقت كان الفلسطينيون يضيعون أوقاتهم في مراهناتٍ على حصان الدولتين الخاسر، وعلى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، وأوهام تقسيم القدس إلى شرقية وغربية عاصمتين لدولتين؛ إلى أن جاءت اللطمة الترامبية الحالية ضربة قاضية لأوهام استسهال إطلاق الشعارات، وإحلال المتلازمات المرضية وتهيؤاتها محل الواقع الساطع في وضوحه، لمن يمتلك البصر والبصيرة، وينحاز إلى حق المصالح الوطنية في التغلب على باطل المصالح الشخصية، والزبائنية الخاصة.
تتحدد المآزق الثلاثة أولا بمأزق قيادةٍ لا تقود، يتفرّع منه مأزق مفاوضات غير جدية، ولم تعد قائمةً ولا خريطة طريق لها، ومأزق مقاومة لم تعد تستطيع المقاومة، بسبب فقدانها الخطة والبرنامج السياسي والقيادة السياسية والجماهيرية. ومأزق انتفاضة شعبية، لم تجد من يوجهها ويدعمها ويوفر لها الغطاء السياسي والبرنامجي، في ظل استمرار عنصر التنسيق الأمني عاملا مضادا، وعنصرا مهماً من عناصر الهيمنة الإسرائيلية، ليس على سلطة أوسلو السياسية، بل وعلى أدواتها الأمنية.
هذا كله، وهناك للأسف من يرى في قرار ترامب ما أسماها "صدمة إيجابية"، لكنها مخزية، ولن تعود بالنفع مطلقا على أيٍّ من قضايا هذه البلاد التي أضحت قضاياها تباع بالجملة، وبالدفع الذاتي من جيوبنا، لا من جيوب أعدائنا، فأي هوان أكثر من هذا الهوان، هوان أمة، بل أمم تنزلق بعض سلطاتها الحاكمة، أو معظمها، وبوعي كامل، نحو قيعان من التردّي وإهانة الذات وتزوير التاريخ، على ما درج بعض الأسلاف على شراء السلطة بالزيف والتزوير، وادعاء أوهام العظمة والتبجيل المرضي لذواتٍ أكثر انحطاطا، قايضت سلطانها وصولجانها برضى ترامب، الرئيس الذي لفظه أكثر من نصف شعبه، فيما بعض السفهاء منا يعتبره اليوم أيقونةً قياديةً تستحق التعظيم والتبجيل، فيما هو في الحقيقة رجل المروق الأميركي الأول، صاحب الصفقات البعيدة كل البعد عن القيم والأخلاق والمبادئ التي جرى رميها من قبل أن يصبح سيد البيت الأبيض، وقد جرى تلويث كل هذه الأقانيم والمعايير التي سبق وأن تعارف عليها المجتمع الدولي، وها هي اليوم تسقط من عليائها، ومن على منابر المؤسسات الدولية، كما تخرج طريدةً من أروقة قصور عديد من حكامنا العرب.
ليس هذا فحسب، فعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي والأكاديمي، هناك من انزلق هواه، نحو تأييد حكامٍ وسلطاتٍ هانت واستهانت، وأهانت قضاياها وقيم شعوبها وتراثها وإرثها وحقوقها التاريخية، هذا الانزلاق الذي أودى ويودي ببعض كائناتنا "الإنسانية جدا" لاختيار الاصطفاف إلى الجانب الترامبي – الإسرائيلي وهو يمضي، في تزييفاته التاريخية والتاريخانية، في جعل القدس عاصمة لكيان احتلال كولونيالي، وفي جعل "الحق التاريخي
لليهود في الشرق الأوسط" يعني حق إسرائيل في الوجود على حساب أرض الفلسطينيين ووطنهم، ونفيا لحقوقهم التاريخية، وتفكيكا لمجتمعهم، واعتداءً على حقهم الطبيعي والإنساني في العيش بكرامةٍ في وطن آبائهم وأجدادهم. أما الحق التاريخي لليهود في بلادنا فهو، من حيث المبدأ، حق مساو ومماثل لحقوق المسلمين والمسيحيين، وكل المنتمين إلى إثنيات وأعراق مختلفة، جميعهم يشكلون هويةً مواطنيةً واحدة، لها كامل الحقوق السياسية والمدنية، وفق دستور يساوي بين الجميع.
صحيح إن اليهود جزء من المنطقة وتاريخها، إلا أن إسرائيل، ككيان كولونيالي غاصب، ليست كذلك مطلقا، إلا إذا أردنا التعامي عن الحقائق، وإلغاء حاستي البصر والبصيرة، قبل إلغاء المشاعر والأحاسيس الوطنية، والتنكّر لكل هوية حتى الإنسانية، وهذا هو حال ترامب، وأمثاله من المسيحيين الصهاينة، ومن بات يعلن صهيونيته بدون خجل أو وجل من العرب.
في ظل خيبة "الزمن التصالحي" هذا، وتغوّل المروق الأميركي – الترامبي، المضاف إلى المروق الإسرائيلي، ومن لفّ لفهم من عرب خارج التاريخ، سوف يستمر هواننا مضاعفا، إلى أن تصبح "صفقة القرن" الترامبية من عوامل قصم ظهورنا جميعا؛ أنظمة وشعوبا، جماعات ومجتمعات. فإذا كان هذا الجمع كله لم يستطع أن ينقذ القدس من براثن الأعداء، فمن ينقذ بعض بقايا الأرض الفلسطينية من هيمنة الاحتلال الكولونيالي الآخذ بالتوسع، والذي سيتوسع أكثر فأكثر، وفق مخططات "صفقة القرن" إياها، وهم يحاولون إدخالها التاريخ، من أبواب شرعها "الزمن التصالحي" باجترائه على إلغاء "الزمن الصراعي"، واجتزاء حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي، والاجتراء على مقدّساته ومقدّسات الأمة والعالم أجمع.
هذا في وقت يجري فيه رمي "الزمن الصراعي" خارج كل أطر الصراع، ليجري استبداله بواقع من الشلل والعجز عن استمرار الصراع أو استئنافه، لا سيما أمام محطة مفصلية مهمة، عمدت خلالها الولايات المتحدة، بقيادتها الترامبية المحافظة جدا، والأقرب إلى الصهيونية الدينية والسياسية، إلى اتخاذ قرار إلحاق مدينة القدس بفلسطين التاريخية، واعتبار الوطن الفلسطيني كله أرضا محتلة مسلوبة ومنهوبة. ومن حق إسرائيل الكيان الغاصب والمحتل التصرّف بها، كما تشاء الرؤية التوراتية بخرافاتها وأساطيرها، ووقائعها الراهنة، بما تشكله اليوم من مشتركات اليمين الصهيوني المتطرّف والفرق المسيحية الصهيونية التي تنشط في الولايات المتحدة، وتلتف حول مسيحانيةٍ تؤمن بمعركة هرمجدون أسطورة توراتية بامتياز، يؤمن بها عتاة اليمين الأميركي من المسيحيين الصهاينة الإنجيليين، ويراد استدعاؤها اليوم لكي ينتصر ترامب، والمؤمنون به، "مسيحا دجالا" في عالم التجارة والعقارات والصفقات.
هكذا مرة أخرى جديدة، تنتقل الولايات المتحدة، بوصفها دولة عظمى إمبراطورية، تنكفئ على ذاتها، وتزداد عزلةً في ظل إدارتها الترامبية، إلى دولة مارقة، أكثر مروقا من إسرائيل دولة كولونيالية، وجدت من ينافسها على مروقها، ويضيف إلى هذا الخروج عن قيم المجتمع الدولي ومعاييره، ومن يتقاطع معها في سياساتها العدوانية، لتشكلا أكثر الدول مروقا في التاريخ المعاصر.
أفرزت سنوات الخيبة الأوسلوية ثلاثة مآزق، اجتمعت كلها دفعة واحدة في أوقاتٍ متفاوتة، نتجت من غياب وضع قيادي متماسك، لم يعد قائما للأسف، إلا نوعا من "تصريف أعمال" لا ينتج بدوره سوى مزيد من الأزمات المتراكبة في كامل الوضع الوطني، في الضفة الغربية كما في القدس وغزة وفي الشتات، وقد تركت العاصمة الأبدية لفلسطين التاريخية لمصيرها الذي يتجلى الآن في قرارٍ سياسيٍّ مارق، تقوده الولايات المتحدة، بطلب من حكومة نتنياهو اليمينية المتطرّفة، في وقت كان الفلسطينيون يضيعون أوقاتهم في مراهناتٍ على حصان الدولتين الخاسر، وعلى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، وأوهام تقسيم القدس إلى شرقية وغربية عاصمتين لدولتين؛ إلى أن جاءت اللطمة الترامبية الحالية ضربة قاضية لأوهام استسهال إطلاق الشعارات، وإحلال المتلازمات المرضية وتهيؤاتها محل الواقع الساطع في وضوحه، لمن يمتلك البصر والبصيرة، وينحاز إلى حق المصالح الوطنية في التغلب على باطل المصالح الشخصية، والزبائنية الخاصة.
تتحدد المآزق الثلاثة أولا بمأزق قيادةٍ لا تقود، يتفرّع منه مأزق مفاوضات غير جدية، ولم تعد قائمةً ولا خريطة طريق لها، ومأزق مقاومة لم تعد تستطيع المقاومة، بسبب فقدانها الخطة والبرنامج السياسي والقيادة السياسية والجماهيرية. ومأزق انتفاضة شعبية، لم تجد من يوجهها ويدعمها ويوفر لها الغطاء السياسي والبرنامجي، في ظل استمرار عنصر التنسيق الأمني عاملا مضادا، وعنصرا مهماً من عناصر الهيمنة الإسرائيلية، ليس على سلطة أوسلو السياسية، بل وعلى أدواتها الأمنية.
هذا كله، وهناك للأسف من يرى في قرار ترامب ما أسماها "صدمة إيجابية"، لكنها مخزية، ولن تعود بالنفع مطلقا على أيٍّ من قضايا هذه البلاد التي أضحت قضاياها تباع بالجملة، وبالدفع الذاتي من جيوبنا، لا من جيوب أعدائنا، فأي هوان أكثر من هذا الهوان، هوان أمة، بل أمم تنزلق بعض سلطاتها الحاكمة، أو معظمها، وبوعي كامل، نحو قيعان من التردّي وإهانة الذات وتزوير التاريخ، على ما درج بعض الأسلاف على شراء السلطة بالزيف والتزوير، وادعاء أوهام العظمة والتبجيل المرضي لذواتٍ أكثر انحطاطا، قايضت سلطانها وصولجانها برضى ترامب، الرئيس الذي لفظه أكثر من نصف شعبه، فيما بعض السفهاء منا يعتبره اليوم أيقونةً قياديةً تستحق التعظيم والتبجيل، فيما هو في الحقيقة رجل المروق الأميركي الأول، صاحب الصفقات البعيدة كل البعد عن القيم والأخلاق والمبادئ التي جرى رميها من قبل أن يصبح سيد البيت الأبيض، وقد جرى تلويث كل هذه الأقانيم والمعايير التي سبق وأن تعارف عليها المجتمع الدولي، وها هي اليوم تسقط من عليائها، ومن على منابر المؤسسات الدولية، كما تخرج طريدةً من أروقة قصور عديد من حكامنا العرب.
ليس هذا فحسب، فعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي والأكاديمي، هناك من انزلق هواه، نحو تأييد حكامٍ وسلطاتٍ هانت واستهانت، وأهانت قضاياها وقيم شعوبها وتراثها وإرثها وحقوقها التاريخية، هذا الانزلاق الذي أودى ويودي ببعض كائناتنا "الإنسانية جدا" لاختيار الاصطفاف إلى الجانب الترامبي – الإسرائيلي وهو يمضي، في تزييفاته التاريخية والتاريخانية، في جعل القدس عاصمة لكيان احتلال كولونيالي، وفي جعل "الحق التاريخي
صحيح إن اليهود جزء من المنطقة وتاريخها، إلا أن إسرائيل، ككيان كولونيالي غاصب، ليست كذلك مطلقا، إلا إذا أردنا التعامي عن الحقائق، وإلغاء حاستي البصر والبصيرة، قبل إلغاء المشاعر والأحاسيس الوطنية، والتنكّر لكل هوية حتى الإنسانية، وهذا هو حال ترامب، وأمثاله من المسيحيين الصهاينة، ومن بات يعلن صهيونيته بدون خجل أو وجل من العرب.
في ظل خيبة "الزمن التصالحي" هذا، وتغوّل المروق الأميركي – الترامبي، المضاف إلى المروق الإسرائيلي، ومن لفّ لفهم من عرب خارج التاريخ، سوف يستمر هواننا مضاعفا، إلى أن تصبح "صفقة القرن" الترامبية من عوامل قصم ظهورنا جميعا؛ أنظمة وشعوبا، جماعات ومجتمعات. فإذا كان هذا الجمع كله لم يستطع أن ينقذ القدس من براثن الأعداء، فمن ينقذ بعض بقايا الأرض الفلسطينية من هيمنة الاحتلال الكولونيالي الآخذ بالتوسع، والذي سيتوسع أكثر فأكثر، وفق مخططات "صفقة القرن" إياها، وهم يحاولون إدخالها التاريخ، من أبواب شرعها "الزمن التصالحي" باجترائه على إلغاء "الزمن الصراعي"، واجتزاء حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي، والاجتراء على مقدّساته ومقدّسات الأمة والعالم أجمع.