خلل توزيع الدخول في الجزائر: المسؤولية والحل

25 يونيو 2018
الأوضاع المعيشية لمزيد من التأزّم (Getty)
+ الخط -

يستاء العديد من المواطنين الجزائريين من عدم المساواة وﺍﻻﺨﺘﻼل ﺍﻟﻜﺒﻴﺭ ﻓﻲ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺍﻟﺩﺨل والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تهدد بتعميق الهوة بين الأكثر ثراءً والأكثر فقراً، في الوقت الذي لا يزال فيه التحرر من الريع النفطي تحديا جاثما على صدر الحكومة، لذلك من المألوف أن يُنسب اللوم إلى هشاشة الإطار المؤسساتي وضعف وتشوّه السياسات المعنية بإعادة توزيع الدخل.

والمستوى الذي آلت إليه اللامساواة في توزيع الدخل ما هو إلا محصلة عقود من الضعف المؤسساتي والسياسات غير الحكيمة، ولا يمكن إنكار دور الفساد في إنتاج الأزمة.

فقد اغتنى حائزو الثروات الخاصة وأصحاب النفوذ والسلطة خلال العشريات الأخيرة، لا سيما في فترات اﻧﺘﻌﺎش أﺳﻌﺎر اﻟﻨﻔﻂ من خلال استخدام نفوذهم والحصول على قروض بفوائد منخفضة، وهذا ما ساهم في انسلاخ جزء من الثروة العامة وانضمامها إلى ثرواتهم الخاصة.

وساهم الفساد في تثبيط تنامي ثروات الطبقة الوسطى، خصوصًا في ظل الوضع الراهن الذي شهد تحسن فرص الحصول على التعليم، لكن في الوقت ذاته، توجد ممارسات الفساد في الحصول على وظيفة كالواسطة والمحسوبية والرشاوى التي تحول دون حصول الأفراد في أسفل السلم الاجتماعي على وظائف برواتب عالية، وهكذا تبقى العديد من الإمكانات الشابة دفينة، ولا شيء سيكبح جماح اللامساواة في توزيع الدخل إذا استمر الحال على ما هو عليه.
وحتى الضريبة التصاعدية التي تعتبر حلاً ناجعاً لتخفيض مستوى عدم المساواة في توزيع الدخل لا تعرف طريقها نحو التطبيق الجدي والصارم في الجزائر، بسبب اصطدامها بعدة عراقيل، أهمها التهرب الضريبي والجنات الضريبية أو ما يعرف أيضاً بالملاذات الضريبية التي يخفي فيها الأغنياء ثرواتهم والتي زادت من صعوبة تقدير الثروات والمداخيل وإخضاعها للضرائب.

ووصل التهرب الضريبي إلى مستويات رهيبة بفضل استغلال "المتملصين" أو المتهربين من دفع الضرائب لثغرات النظام الجبائي، وطول مدة معالجة الملفات الضريبية، وعدم تكوين قضاة متخصصين في الجباية، علاوة على المجيء المتأخر للضريبة على الثروة ضمن طيات مشروع قانون المالية لسنة 2018 التي يستحيل تحصيلها أيضاً نظرا لتخلف النظامين البنكي والجبائي في الجزائر، وكذلك غياب المصداقية والشفافية، بالإضافة إلى انعدام البيانات حول حجم الثروات التي يمتلكها أثرياء السوق السوداء، وكل هذه العوامل ساهمت في إنشاء بيئة مضادة لتحصيل الضريبة التصاعدية الساعية إلى إحلال العدالة في توزيع الدخل والثروة.

تكاد تنعدم البيانات الحديثة حول عدم المساواة في توزيع الدخل والثروة في الجزائر، فقد فشلت المؤسسات الإحصائية في تقديم أحدث تلك الإحصائيات إلى مائدة النقاش العام، فنادراً ما تقوم الحكومة بإجراء المسوح الأسرية على المستوى الوطني من أجل تقدير الدخل والثروة للأفراد.

وحتى المسوحات التي يتم إنجازها من قبل باحثين مستقلين غالباً ما تكون غير شاملة وتنتهي بتقدير الثروة واللامساواة بأقل من قيمهما الحقيقية، وتساهم قلة الإحصائيات وعدم شفافيتها حتماً في اتساع الفراغ الديمقراطي، بل أكثر من ذلك تجعل أي دراسة حول موضوع اللامساواة في الجزائر مخالفة للوقائع.
تشير الإحصائيات المتاحة لدى البنك الدولي حول توزيع دخل الأسر إلى انخفاض درجة اللامساواة في توزيع الدخل في الجزائر، فقد انخفض مؤشر جيني (أكثر المقاييس شيوعاً في قياس عدالة توزيع الدخل) من 35.3 سنة 1995 إلى 27.6 سنة 2011، كما ارتفع نصيب أفقر 20 % (الخمس الأدنى على سلم توزيع الدخل) من 7% سنة 1995 إلى 9.4% سنة 2011، بينما انخفض نصيب أغنى 20 % (الخمس الأعلى على سلم توزيع الدخل) من 42.6% سنة 1995 إلى 37.2% سنة 2011، وانخفض نصيب أغنى 10 % (العشر الأعلى على سلم توزيع الدخل) من 26.9% إلى 22.9 % خلال الفترة نفسها.

لكن يبقى التفاوت في توزيع الثروة والدخل قائماً وبارزاً، والدليل على ذلك أن أغنى 20% يستحوذون على 37.2% من الدخل مقابل 9.4 % لأفقر 20% من الجزائريين، وهذا ما يؤكد أن الهوّة بين أفقر فئات المجتمع وأغنى فئاته ما زالت متسعة.

وحسب معطيات البنك الدولي لسنة 2011، كانت فئة تقدر بـ 0.5 % من السكان تئن تحت وطأة الفقر المدقع وتعيش بأقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، كما كانت فئة تقدر بـ 3.9 % من المواطنين تعيش بأقل من 3.20 دولارات للفرد في اليوم، وفقاً لتعادل القوة الشرائية لسنة 2011.

وقدرت نسبة السكان الذين يمثلون الطبقة الوسطى العليا والذين لا يتعدى استهلاكهم 5.50 دولارات للفرد في اليوم بـ 29.2 % في 2011، وهي نسبة معتبرة بالنظر إلى العدد الإجمالي للسكان المقيمين، ولا سيما بالنسبة إلى القدرات المتاحة لهذه البلاد؛ علاوة على ذلك، يُلاحظ وجود تفاوتات جهوية صارخة بين مختلف المناطق الكبرى من حيث مستوى المعيشة ونسب الفقر التي تحتد وترتفع في المناطق الجنوبية، لاسيما في الهضاب العليا.

كذلك سيشهد معدل نمو إجمالي الناتج المحلي انخفاضاً كبيراً في العام المقبل وسيجد صعوبة في تجاوز نسبة 1% بدءاً من 2022، وهو ما يعتبر أقل بكثير من الإمكانات البشرية الشابة لهذا البلد، بالإضافة إلى أنه يبث الذعر والهلع في نفوس العاطلين، إذ تفيد إحصائيات منظمة العمل الدولية لسنة 2017 بأن 1.226 مليون شخص يفتقرون إلى العمل.

والبطالة ما هي إلا فيروس يلتهم كل الجهود التي بُذلت في سبيل التخفيف من حدة الفقر ويساهم في تضاؤل الطبقة الوسطى وانزلاق شريحة كبيرة منها نحو براثن الفقر، وبكل تأكيد سيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما استمرت الأوضاع على حالها، خاصة مع سياسة الدعم غير العادلة وغير الناجعة التي تشمل الفقير والغني على حد سواء، بل يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل التضخم سيواصل ارتفاعه بشكل تدريجي، ليصل إلى 9.1% سنة 2021 و13.9 % سنة 2023، الأمر الذي سيزيد من تآكل القدرة الشرائية ويقوّضها، كذلك سيفاقم من سوء المستوى المعيشي للمواطن أكثر مما هو عليه، وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى اشتداد الغليان الاجتماعي والاحتقان الطبقي.

طبعاً، ليس هناك عصا سحرية لتحقيق المساواة في توزيع الدخل في الجزائر، لكن من المعقول جدا الوصول إلى مستوى مثالي من اللامساواة من خلال إيجاد المزيج المناسب والصحيح من السياسات مثلاً:

1-الحرص على توجيه الدعم للفئات التي تحتاج إليه من خلال التحويلات الاجتماعية.

2- العمل على جمع بيانات أكثر عن الدخل والثروة والحرص على شفافيتها.

3- ﺘﺤﺩﻴﺙ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﺠﺒﺎﺌﻲ، وتحسين جودة خدمات التعليم والرعاية الصحية المقدمة.

4- خلق مناصب شغل، ومكافحة الفساد.

لأنه إن لم تتم معالجة اللامساواة المتجذرة في توزيع الدخل والحيلولة دون تدهورها، ستجد الجزائر نفسها ضمن خانة الدول المعرضة للهزات والكوارث الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية خلال السنوات المقبلة.

المساهمون