تغيّر الوضع بين النيجر ومجموعة "أريفا" الفرنسية، لأن الاتفاقيات التي كانت تُجدَّد، بطريقة شبه أتوماتيكية في بداية 2000، أصبحتْ، من الآن، تمر عبر مفاوضات حقيقية. وقد استبقها الرئيس النيجيري، مامادو إيسوفو، بالتأكيد على أنها ستكون مفاوضات بين طرفين متساويين.
ومع عودة الديموقراطية إلى هذا البلد الأفريقي، أصبحت مثل هذه المحادثات تتمّ على مرأى وضغطِ قسمٍ من الرأي العام النيجيري والنُّخَب ومنظمات غير حكومية متيقّظة. وقد رأى الأمين العام لوزارة المَعادِن النيجيرية أنّ ما يحدُثُ حول هذه المفاوضات سيُتيح تعزيز الشفافية حول كلّ الاتفاقات المقبلة مع الشركات المتخصصة في استخراج المعادن. ويرى هذا المسؤول أن هذا القرار، الذي يُطبّق على البترول، يجب أن يَشْمَل باقي المَصَادِر كاليورانيوم والفحم والذهب والحديد أو الصفيح.
وأصبحت شركة "أريفا"، التي تموّن 58 مفاعلاً نووياً فرنسياً باليورانيوم، منذ سنة، محط انتقاداتٍ تتهمها بـ"الكولونيالية الجديدة" أو "انعدام الشفافية"، بل وحتى "النهب" لثروات البلد. وقد ظهر هذا، جلياً، في تظاهرات عديدة في نيامي وأغاديز، أكبر مدن الشمال القريبة من معادن اليورانيوم. وكان آخرها، يوم 20 مارس/ آذار الجاري، حين هتف فيها آلاف الطلبة بشعارات: "لتسقط الحكومة"، و"ليسقط النوّاب"، المتهمين بالتفاوض مع شركة "أريفا" في "انعدام تام للشفافية".
وعلى الرغم من أن هذه التظاهرات لا تزال بعيدة عن تعبئة الكثير من المواطنين، لكنها تُسبِّبُ حَرَجاً للحكومة النيجيرية التي تجد نفسها في وضعية صعبة، إذْ تحرِص على زيادة أرباحها مع تجنب رؤية مجموعة "أريفا" تَحزِم حقائبها. كما أن هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، التي تعتبر رابع بلد منتج لليورانيوم، تريد زيادة عائداتها من هذه المادة كي تموّل عملية التنمية، وخاصة أن دولة النيجر تعتبر، إلى جانب جمهورية الكونغو الديموقراطية، الأخيرة في ترتيب برنامج الأمم المتحدة من أجل التنمية الذي نشر سنة 2013 في ما يخص ميادين الصحة والتعليم والعائدات.
وأطلق الرئيس النيجيري برنامجاً لاجتثاث المجاعات أطلق عليه اسم "النيجيريون يُطعِمون النيجيريين"، وهو يعلم أنّ لا معجزة يمكن انتظارُها من اليورانيوم، إذ لا تؤمّن 400 طن من هذه المادة سنوياً سوى 5 في المئة من ميزانية البلد. وينتقد برنامج الأمم المتحدة للتنمية حجم الإعفاءات الضريبية التي تحصل عليها المجموعات الأجنبية ويُطالِب بـ"عقلنتها". وتصطدم المفاوضات بموضوع النظام الضريبي، حيث يريد النيجر تطبيق القانون الخاص بالمعادن لسنة 2006، الذي يرتأي فرض ضريبة تصل إلى 12 في المئة من قيمة المعدن المستخرج، بينما لا تدفع شركة "أريفا" سوى 5 في المئة.
ويبدو أن السلطات النيجيرية قد ليّنت من موقفها الأصلي، بسبب انخفاض ثمن اليورانيوم في السوق الدولية والذي سيهدد الحياة الاقتصادية لقطاع يؤمّن 6000 وظيفة عمل مُباشِرَة. والرئيس إيسوفو، الذي كان مهندساً وكادراً سابقاً في شركة "أريفا"، واعٍ بالأمر، على الرغم من كونه مضطراً لأخذ موقف الرأي العام الوطني المتشدد في الاعتبار. وحسب تدقيق أجراه مكتب بيرنينغ بوانت، سنة 2013، فإن تطبيق القانون الضريبي الجديد سيضع منجمَيْ سومير وكوميناك أمام "عجز ثقيل وقاتل".
والمناجم لا تعطي دوماً المردودية نفسها، فمناجم النيجر قديمةٌ ووسائل الاستخراج فيها مُكلفة، بالمقارنة مع مناجم كازاخستان وكندا.
كما أن الخلاف بين "أريفا" وحكومة النيجر يدور حول موضوع آخر متعلق بافتتاح الأشغال في منجم ضخم في إيمورارن، الذي يفترض أن ينتج 5000 طن كل سنة خلال مدة 35 سنة. فالنيجر يريد رؤية بداية التشغيل السريع في نهاية 2016، في حين أن الشركة الفرنسية، التي ستستثمر فيه ما يقرب من ملياري يورو، تنتظر بسبب انخفاض الطلب وأسعار اليورانيوم. وربما سيدوم هذا الأمر عدة سنوات، بسبب عدم معرفة تاريخ إعادة تشغيل المفاعلات النووية اليابانية الثمانية والأربعين.
وثمة أيضاً كثير من الملفات موضِع النقاش، ومنها تعزيز طريق اليورانيوم التي تتيح نقله من المواقع النيجيرية إلى ميناء كوتونو بدولة بينين، وتعزيز حضور النيجيريين في تسيير الشركات المشتركة وبناء مقر اجتماعي جديد لشركة "أريفا" في نيامي، الذي سيعطي الانطباع بأن المجموعة الفرنسية ستظل في البلد لفترة طويلة.
الحكومة الفرنسية نشطة ولكنها تعمل بخفاء. وقد أعلن الوزير الفرنسي المنتدب للتنمية في بداية شباط/ فبراير أن مَطالب النيجر "شرعية"، وهو ما أثار حفيظة مجموعة "أريفا"، فاضطر الوزير إلى التذكير بوجوب تأمين مصالح "أريفا" في النيجر. وتراهن المجموعة الفرنسية على العلاقات الشخصية الممتازة بين الرئيس النيجيري، العضو السابق في الاشتراكية الدولية، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ومع زير الدفاع الفرنسي جان-إيف لي دريان.
وتتابع المفاوضاتِ هيلين ليغال، مستشارة الإليزيه في قضايا أفريقيا، وأيضاً الأمين العام للخارجية، بيير سيلال، لأن فرنسا لا تريد إغضاب مستعمرتها السابقة التي أصبحت نقطة مركزية للوجود العسكري الفرنسي منذ إطلاق عملية سيرفال في جمهورية مالي في نهاية 2012. وتوجد، منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول، في نيامي طائرتا المراقبة من دون طيار، اللتان اشترتهما فرنسا من الأميركيين. وقد وسّعت فرنسا القاعدة الجوية التي ستكون قادرة على استقبال طائرات رافال وأتلانتيك 2 وغيرهما. كما أن قوات فرنسية عسكرية خاصة تعمل في شمال هذا البلد. ويعترف وزير الدفاع الفرنسي بالدور الاساسي للنيجر في محاربة الحركات الإسلامية في الساحل، ويؤكد أن الجيش الفرنسي سيظل فيها لفترة طويلة، على الرغم من أن وزارة الدفاع الفرنسية ومجموعة "أريفا" تؤكدان عدم وجود أيّ ترابط بين الملفين.