كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، مُقربة من اللجنة المعنية بالملف الليبي، عن خلافات حادة شهدتها اجتماعات نواب من برلمان طبرق شرق ليبيا في القاهرة الأسبوع الماضي، ما تسبب في فشل تلك اللقاءات في التوصل إلى الهدف الأساسي من انعقادها، وهو التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بديلة لحكومتي الوفاق، المعترف بها دولياً، وحكومة عبد الله الثني، غير المعترف فيها، والتي تتخذ من مدينة البيضا شرق ليبيا مقراً لها.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن انقساماً حاداً شهدته الاجتماعات التي جرت في العاصمة المصرية على مدار ثلاثة أيام، بدعوة من اللجنة المعنية بالملف، موضحة أن النواب انقسموا إلى ثلاث مجموعات، بعضهم رفض تشكيل حكومة بديلة، وطالب بوقف العملية العسكرية التي بدأها اللواء خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، في إبريل/ نيسان الماضي، والحد من توغل العسكريين على السياسة، مؤكدين ضرورة العودة إلى الاتفاق السياسي، وتهيئة المناخ لعقد المؤتمر الجامع، الذي شن حفتر هجومه على العاصمة قبل انطلاقه بأيام قليلة.
وأوضحت المصادر أن الفريق الآخر تمسّك بحشد الدعم الدولي لحكومة عبد الله الثني في شرق ليبيا، مع إدخال تعديلات عليها، مؤكدين عدم جدوى تشكيل حكومة جديدة بالكامل، فيما تجاوب فريق ثالث، يتضمّن عدداً من النواب، مع مقترح تشكيل حكومة جديدة، تحت مسمى "حكومة الوحدة الوطنية". وأشارت المصادر إلى أنه وعلى الرغم من أن أعضاء مجلس النواب في طبرق الذين رفضوا تحركات حفتر العسكرية لحسم الصراع كانوا قلة، إلا أن موقفهم أسهم بشكل كبير في تعطيل التوصل إلى حل، لأنه كان مطلوباً أن تخرج نتائج الاجتماع بالإجماع، لذلك تم اللجوء إلى صيغة توافقية حول مجموعة بنود ممثلة لكل من شاركوا في الاجتماع.
وقال مصدر سياسي في اللجنة، لـ"العربي الجديد"، "لمسنا أن هناك محاولة من عدد ليس بالقليل من النواب، لتعظيم دور المجلس في العملية السياسية في ليبيا، وعدم الاكتفاء بدور توفير شرعية لقوات حفتر فقط"، مضيفاً "ربما هناك حالة من الغضب المكتوم بين مجلس النواب والقيادة العامة بسبب تحركات جرت أخيراً من جانب حفتر، استهدفت نفوذ مجلس النواب، وعدداً من أعضائه البارزين، وفي مقدمتهم رئيس المجلس عقيلة صالح، الذي بدا أن العلاقات بينه وبين حفتر ليست في أفضل صورها". وتابع "للمرة الأولى نسمع تلميحات عن تغوّل حفتر على السلطة من جانب أعضاء في مجلس النواب كانوا من أشد الداعمين له ولتحركاته في السابق. والبعض تحدث بشكل صريح بضرورة أن يكون هناك توازن في توزيع السلطة، خصوصاً وأن مجلس النواب هو أحد جناحين معترف بهما دولياً في ليبيا، وهما حكومة الوفاق والمجلس". وأشار المصدر إلى أن كافة المحاولات من جانب القيادات المصرية التي التقت النواب، وعلى رأسهم رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، فشلت في التوصل إلى رؤية موحدة، لذلك تم إرجاء البتّ في النتائج لاجتماع لاحق في ليبيا، مشيراً إلى أن مصر والإمارات ستسعيان خلال الفترة المقبلة للتوصل إلى حل للخلافات التي تضرب معسكر شرق ليبيا وحسمها سريعاً بشكل يرضي كافة الأطراف.
يأتي هذا في الوقت الذي شهدت فيه مدينة بنغازي، الواقعة تحت سيطرة مليشيات حفتر، الأربعاء الماضي، اختطاف النائب سهام سرقيوة من قبل مسلحين هاجموا منزلها واعتدوا على زوجها. وجاءت عملية الخطف بعد معارضتها لما دار في اجتماعات القاهرة، ورفضها لتحركات حفتر العسكرية ومحاولات اقتحامه العاصمة طرابلس. وكان 70 من أعضاء مجلس النواب في طبرق اختتموا، الإثنين الماضي، اجتماعات بدأوها في القاهرة السبت الماضي، بالتأكيد على مدنية الدولة، وأن أي حل للأزمة الليبية لا بد أن يكون من خلال مجلسهم، لافتين إلى عقد اجتماع لاحق للتشاور بشأن تشكيل "حكومة وحدة وطنية".
وكانت مصادر مصرية باللجنة المعنية بالملف الليبي قد قالت، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن الهدف من الاجتماعات هو التوافق بشأن إطلاق حكومة جديدة، بديلة لحكومة الوفاق الوطني، وحكومة عبد الله الثني الموجودة بشرق ليبيا، مضيفة أنه لا بد من التوصل إلى آلية أو أدوات سياسية، تدعم التحرك العسكري الذي قاده حفتر نحو طرابلس في إبريل/ نيسان الماضي. وبحسب المصادر فإن التحركات السياسية، التي تقودها مصر بشأن إطلاق حكومة، تعترف بها مليشيات حفتر، وعدد ولو ضئيلاً من نواب الغرب الليبي، باتت حتمية، لعدم إصدار قرار دولي ضد التدخل العسكري الأخير من جانب حفتر ضد حكومة الوفاق والقوات الموالية لها، كاشفة أن تلك الخطوة جاءت بعد نصائح من أطراف غربية، لحلفاء حفتر، بأن الصمت الدولي نحو العمليات الحربية، التي استهدفت في قطاع كبير منها المدنيين، لن يستمر طويلاً، خصوصاً مع فشل حفتر في تحقيق أي نجاحات على الأرض، على عكس ما كان مخططاً له.