في ظلّ محاولات رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، تمديد فترة حكمه، تلوح بوادر انفصال مدينة السليمانية (المحسوبة سياسياً على نفوذ الرئيس السابق جلال الطالباني)، إلى إقليم مستقلّ، كخيار لا بدّ منه بالنسبة لعدد من أركان الطيف السياسي العراقي الكردي، الذي يرى أن سعي البارزاني إلى الانفراد بالسلطة، وتجييرها لمصلحة أفراد عائلته، بات أمراً يصعب إيقافه، إلا بإعلان الانفصال. ولا تغيب الاتهامات في هذا الصدد لإيران، بـ "السعي إلى بث الانقسام في الصف الكردي، عبر استخدام حزب جلال الطالباني، المقرّب منها"، والذي يسيطر على السليمانية، كبرى محافظات إقليم كردستان العراق.
وأكد في هذا الصدد، برلماني كردي، رفض الكشف عن اسمه، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "الخلافات بشأن مشروع تعديل دستور الإقليم، تدور حول بند الرئاسة، لارتباط البارزاني وعائلته المتمثلة بنجله مسرور وابن شقيقه رئيس الوزراء الحالي للإقليم نجيرفان البارزاني، بمصالح فيها. ولا يُمكن حلّ المشكلة في ظلّ أجندة البارزاني الحالية، التي تستهدف احتكار السلطة والثروة معاً".
وأشار البرلماني المذكور، إلى أن "قوى كردية محايدة تسعى إلى حلّ الخلافات، لكن المساعي تواجه صعوبات، بسبب إصرار البارزاني على الترشح مرة ثالثة أو تمديد ولايته الحالية، في مقابل رفض حزب الاتحاد بزعامة الطالباني وحزب التغيير والحزب الإسلامي الكردي ذلك، لأن تعديل الدستور يسمح للبارزاني في البقاء بالسلطة لفترة محددة، مع حصر جميع الصلاحيات الأمنية والاقتصادية بيده". وأضاف المصدر أن "القيادات السياسية في السليمانية ترفض أن تكون مجرد ديكور شكلي، للتغطية على تفرّد البارزاني، الأمر الذي سيؤدي إلى تقسيم الإقليم، وسط دفع ودفق إيراني للخلاف الحاصل".
وكان البارزاني الذي تنتهي ولايته في 19 أغسطس/آب المقبل، أكد أن "التهديد بتشكيل إقليم السليمانية، مؤامرة لا بدّ من إيقافها"، مبدياً قلقه من استهداف الإعلام الكردي وحدة الإقليم في الآونة الأخيرة. واعتبر أن "انفصال السليمانية مجرد أضغاث أحلام".
وازدادت الخلافات حدة، مع بدء تزويد الدول الغربية الأكراد بالسلاح، فأعلن قادة الأحزاب معارضتهم آلية توزيع الأسلحة من قبل البارزاني، مؤكدين أنه "حرم قوات البيشمركة في السليمانية من السلاح والذخيرة، وحصره بمقاتلي البارتي (مقاتلو البيشمركة التابعين لحزب البارزاني)".
اقرأ أيضاً: بارزاني يستبعد مشاركة إيران وتركيا في معركة الموصل
وفي السياق، قال عضو كتلة "التغيير" الكردية أمين بكر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الإقليم يواجه حالياً أزمة دستورية خطرة، تتمثل بانتهاء الفترة الثانية لرئاسة البارزاني، لأن الدستور حدد فترتين لرئاسة الإقليم ولا يجوز تمديدهما، في ظلّ وجود رغبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، بمنح البارزاني فترة ثالثة عبر تغيير الدستور، وهو الأمر الذي ترفضه عدة قوى سياسية كردية". وأشار بكر إلى أن "الأموال وثروة الإقليم محصورة بيد عائلة البارزاني، والسليمانية تتجه الآن، وفق المعطيات الواقعية إلى تشكيل إقليم منفرد، بتأييد ودعم من الحكومة الإيرانية".
ولا ترحّب إيران بالبارزاني كرئيس للإقليم المجاور لها، لأسباب عدة، أبرزها قيادته مشروع الإصلاح والتطبيع مع الجارة تركيا، وفتح ثلاث قواعد عسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، بهدف تدريب القوات الكردية، فضلاً عن رعايته مشروع "رؤيا الغد" المتضمن تنظيم استفتاء شعبي داخل الإقليم، لإعلان الانفصال عن العراق وتأسيس الدولة الكردية.
بناءً عليه، تدعم طهران السليمانية، ممثلة بحزب الطالباني، وحزب "التغيير" خصوصاً بفعل العلاقات التاريخية بين الطرفين، التي بدأت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988). من جهته، أعلن الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار البيضاني، في تصريحاتٍ إلى "العربي الجديد"، أن "الصراعات الداخلية ما زالت قائمة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، والأحزاب الإسلامية من جهة أخرى، والصراع المقبل على السلطة والثروة وحتى الحدود سيحرق الإقليم وينهي وحدته".
وأوضح أنه "في كل مرة تظهر هشاشة الاتفاق المعلن بين هذين الحزبين، لكن الخلافات هذه المرة تُنذر بانهيار هذا الاتفاق بسبب احتكار السلطة من قبل عائلة البارزاني، التي قبضت على مقاليد الحكم وازدادت سطوتها بعد تعرّض غريمه الطالباني لأزمة صحية، أبعدته بشكل تام عن العمل السياسي، ما أحدث اختلالاً في المعادلة بين الطرفين".
وأكد البيضاني، أن "استمرار إمساك البارزاني وأبنائه بالقرار الحكومي في الإقليم، سيجعله ساحة حربٍ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، والأنسب لشعب كردستان، يبقى إفراز أحزاب جديدة ومنفتحة على الجميع".
وكان الباحث والكاتب الصحافي المقيم حالياً في السويد خالد يونس خالد، قد نشر في عام 2010 مقالاً أشار فيه إلى أن "التاريخ الكردي تحوّل من الانتفاضات والثورات إلى الحروب والعداوات، وقاتلت القوى القيادية الكردية بعضها بعضاً، ونشطت التصفيات الجسدية والحرب النفسية، في ظلّ تشويه السمعة في الإعلام المتهور. كما أن ضعف وهزالة هذه القوى تظهر في مواجهة مؤامرات الأعداء، لا بل تتعاون أحياناً مع جهات معادية لتصفية بعضها بعضا".
وسبق أن شهد إقليم كردستان حرباً أهلية بين الفصائل الكردية المتناحرة في تسعينيات القرن الماضي، وكان أبرز فصيلين فيها، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. سقط في هذه الحرب، آلاف الضحايا الأكراد بين قتيل وجريح، وتدخلت خلالها فصائل كردية إيرانية وسورية وتركية مع جانبي الصراع.
انتهت الحرب بتوقيع هدنة ثم اتفاقية، لتقاسم مناطق النفوذ وظلت حالة الانقسام حتى احتلال العراق عام 2003، ونجاح الولايات المتحدة في جمع الطرفين على طاولة واحدة، واضعة حدّاً للاقتتال الداخلي، كما وحّدت الإقليم، مع احتفاظ أربيل بمركز القرار الكردي.
اقرأ أيضاً: برلمان العراق ينتقد سيطرة إيران على السياحة