خفض الجنيه المصري يرفع الأسعار ويعرقل الاستثمارات

15 سبتمبر 2015
موجة ارتفاع أسعار جديدة تضرب الأسواق المصرية (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

حذر محللون وتجار ومستوردون في مصر من تداعيات استمرار خفض الجنيه المصري مقابل الدولار على السوق المحلية وعلى أسعار السلع المتداولة به، وأكدوا أن هذه الخطوة ستؤدي إلى موجات من التضخم في الأسعار، وتؤثر سلباً على الاستثمار، وترفع من خدمة الدين الحكومي العام.

وتضاربت التصريحات الحكومية خلال الفترة الأخيرة حول اتجاهات السياسات النقدية للبلاد وتحركات العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ففي الوقت الذي أكد فيه وزير الاستثمار المصري أشرف سليمان، في حكومة إبراهيم محلب المستقيلة، الأسبوع الماضي، ضرورة خفض قيمة الجنيه أمام الدولار بهدف تشجيع الاستمارات الخارجية وزيادة الصادرات، أكد محافظ المصرف المركزي، هشام رامز، أنه لا توجد توجهات حالية لخفض سعر العملة المحلية، مشيراً إلى أن مصرفه المختص بهذا الأمر.

وكانت الحكومة المصرية قد تركت الجنيه ينخفض أكثر من مرة منذ بداية العام الجاري، حيث تراجع سعره أمام الدولار، من 7.15 جنيهات إلى 7.83 جنيهات رسمياً، في حين قفز في السوق السوداء إلى أكثر من 8.20 جنيهات، قبل أن يتراجع قليلاً خلال اليومين الأخيرين.

وقال مدير إحدى شركات الصرافة، ناصر عبد الفتاح، لـ"العربي الجديد"، إن معظم الشركات تشتري الآن الدولار ولا تبيعه انتظاراً لارتفاع سعره رسمياً، مشيراً إلى عدم استقرار سوق العملات خلال الفترة الأخيرة.

وحسب محللين لـ"العربي الجديد"، ستصيب الأسواق موجة تضخمية في حالة أي خفض رسمي للجنيه في الفترة المقبلة، حيث ستشهد السلع الضرورية ارتفاعات كبيرة.

زيادة الأسعار

وقال رئيس شعبة المستوردين بالاتحاد المصري للغرفة التجارية أحمد شيحة، لـ"العربي الجديد"، إن الارتفاع المتواصل للدولار في السوقين الرسمي والسوداء، سيؤدي إلى زيادة في أسعار السلع الأساسية، وسيؤثر سلباً على معدلات التضخم، وسيؤدي أيضاً إلى ركود في الإقبال على شراء السلع الكمالية، لارتفاع أسعارها تأثراً بالدولار.

وأضاف أن المستهلك وحده هو من سيدفع الثمن، خاصة وأن فاتورة الواردات ستقفز بشكل كبير نتيجة شح الدولار وصعوبة تغطية خطابات الضمان بالكامل من جانب الجهاز المصرفي.
 
وفي نفس السياق قال مساعد مدير صندوق النقد الدولي السابق، فخري الفقي، لـ"العربي الجديد"، إن تراجع قيمة الجنيه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، خاصة أن مصر تعتمد على السلع المستوردة بما يمثل نحو 60% من استهلاكها.

وأضاف أن زيادة سعر صرف العملات الأجنبية سيؤثر أيضاُ على خدمة الدين العام، والمتوقع ارتفاعها بنفس نسبة تغير سعر الصرف خاصة الدين الخارجي، مشيراً إلى أنه عندما تم تعويم الجنية تأثر الدين العام وارتفع بنفس نسبة زيادة سعر الصرف الدولار.

وحسب الإحصائيات الرسمية، بلغت الديون الخارجية نحو 46 مليار دولار تشمل 6 مليارات دولار ودائع خليجية قدمت مؤخراً، كما قفز الدين المحلي إلى أكثر من ملياري جنيه (255 مليار دولار).

اقرأ أيضاً: زيادة الأسعار وتفاقم الأزمات المعيشية في العام الأول للسيسي

وقال الفقي، إن تراجع سعر العملة المحلية سيؤثر بشكل سلبي على استثمار الأجانب في أدوات الدين الحكومي على المستوى القصير، بسبب الخسائر المتوقعة في ظل عدم استقرار السياسات النقدية.

وأكد أن سعي الحكومة إلى تخفيض قيمة الجنيه سوف يخلق ضغوطاً تضخمية كبيرة على المجتمع، الذي يعاني من تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة أسعار السلع الضرورية والخدمات في ظل ثبات الأجور.

تفاقم العجز

وقال الخبير الاقتصادي مصطفى النشرتي، لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات وزير الاستثمار تؤكد نية الحكومة خفض قيمة الجنيه دون دراسة وضع السوق بشكل جيد، أو التأثيرات التي ستنجم عن هذا الخفض.

وأوضح أن هبوط سعر الجنيه سيكون سلبياً على موازنة الدولة المتفاقم عجزها، مطالباً بضرورة إعداد خطة حكومية لمواجهة ارتفاع الأسعار والتضخم، بالإضافة إلى العمل على تقليل الواردات من خلال إجراءات حمائية.

وتوقع النشرتي، زيادة معدلات التضخم لتصل إلى نحو 13%، وهو الأمر الذي سيتسبب في إضرار لمحدودي الدخل والفقراء في ظل العديد من الأزمات التي يعانون منها، إلى جانب انخفاض إنتاج القطاعات الصناعية التي تدخل نسبة من السلع المستوردة في إنتاجها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تخفيض أعداد العمالة وزيادة معدلات البطالة.

وأضاف أن تخفيض الجنيه لن يؤثر بالإيجاب على الصادرات المصرية لكون غالبيتها صادرات غير مرنة بمعنى أنها صادرات تقليدية يتم تسويقها لأسواق تقليدية بأسعار أقل من قيمتها في السوق المحلية، ويقتصر تأثر الصادرات بظروف الدول المستوردة في أوروبا.

أما الخبيرة المصرفية بسنت فهمي، لـ"العربي الجديد"، فترى أن الجنيه في وضع يستدعي التخفيض لمستويات أقل بكثير من سعره الحالي، متوقعه انخفاضه في السوق الرسمي إلى مستوى 8 جنيهات للدولار بنهاية العام الجاري.

وكانت شركة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية توقعت مؤخرا أن يواصل الجنيه المصري انخفاضه، ليصل إلى 8.25 جنيهات للدولار، بحلول نهاية 2015.

وأشارت فهمي، إلى ضرورة الاعتماد على سعر صرف أكثر مرونة يصل بالجنيه إلى قيمته الحقيقية، ما يساعد على توفير العملة الأجنبية وتقوية المنافسة ومساندة الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبي.

ولفتت فهمي، النظر الي أن تعويم العملة المحلية يجب أن يتم تدريجياً بالتزامن مع تحفيز الصناعات كثيفة العمالة في السوق المحلية لزيادة معدلات التشغيل، ما يحد من الآثار السلبية على المصانع والفئات الفقيرة ومحدودة الدخل.

وحسب تقارير لاتحاد الصناعات المصرية، ستكون الصناعة في مقدمة القطاعات المتضررة من ارتفاع سعر الدولار، حيث تعتمد معظم المصانع على استيراد المادة الخام من الخارج.

وتأتي أزمة تراجع العملة المحلية أمام الدولار، رغم المساعدات والمنح الخارجية البالغة أكثر من 36 مليار دولار خلال العامين الماضيين.

وحسب المحللين، يعد تراجع مصادر الدخل الأجنبي ومنها السياحة وتحويلات العاملين في الخارج والصادرات، أهم أسباب نقص الدولار في السوق.

وكان تقرير صدر مؤخراً عن المصرف المركزي كشف عن تراجع أرصدة المصارف المحلية الدولارية لدى المؤسسات المصرفية في الخارج، بمقدار 40.31 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) في مايو/أيار الماضي.

وشهد الاحتياطي النقدي تراجعاً حاداً بمقدار 1.5 مليار دولار خلال شهر، ليصل إلى نحو 18.5 مليار دولار، ويتوقع المحللون استمرار تراجع الاحتياطي خلال الفترة المقبلة في ظل ضغوط الالتزامات المالية المستحقة على مصر.


اقرأ أيضاً:
الغلاء يضرب ميزانيات العائلات المصرية
جهاز حكومي مصري يعترف بزيادة الأسعار في مايو

دلالات
المساهمون