ليته سكت، ليته لم يقدم وعوداً جديدة، ليته لم يتلاعب بعواطفنا ويخاطب عقولنا، قالها ملايين المواطنين المصريين، اليوم الأحد، ثلاث مرات وفي نفس واحد، وذلك عقب سماعهم وعوداً جديدة من السيسي بعدم ارتفاع أسعار السلع داخل السوق رغم قفزات الدولار المتواصلة والتي أوصلته قبل أيام لحاجز الـ12 جنيها للدولار الواحد.
ولو أنه سكت عن إطلاق وعود جديدة لكان ذلك أفضل، لأن الأسواق والأسعار لا تُدار بالتصريحات السياسية، أو بالأماني والوعود البراقة، أو بالريموت كنترول، بل تدار بالمعايير الاقتصادية المتعارف عليها دولياً والتي على الجميع احترامها. وأبرز هذه المعايير آلية العرض والطلب، ومدى توافر السلعة المطلوبة للاستهلاك في الأسواق المحلية، وحجم الطلب على السلع المختلفة وحجم المعروض منها.
وفي حال عدم توافر السلع محلياً وتوافرها في الأسواق العالمية، فإن الأمر يتوقف على مدى توافر النقد الأجنبي لدى الدولة لاستيراد هذه السلعة للمستهلك والمنتج بالكلفة المناسبة للمواطن وفي التوقيت المناسب.
كما تتوقف اتجاهات الأسعار داخل الأسواق على معايير أخرى، منها حجم المخزون لدى الدولة خاصة من السلع الضرورية، والدعم الحكومي المقدم للسلع الجماهيرية، خاصة الأغذية والمشروبات، وحجم الاحتكارات داخل السوق خاصة بالنسبة للسلع المتعلقة بالجمهور، ومدى قدرة الحكومة على ضبط السوق وتطبيق القانون على المخالفين وملاحقة المتلاعبين بالأسواق والأسعار.
القاصي والداني يعرف أن الأسعار في مصر شهدت ارتفاعات قياسية خلال الفترة الماضية، وأن الزيادة في بعض السلع الضرورية بلغت 200% وربما أكثر، وأن الزيادات امتدت لسلع حياتية، وهو ما أثّر سلباً على الوضع المعيشي للمواطنين، خاصة الفقراء ومحدودي الدخل والعاملين بالجهاز الإداري للدولة.
حدثت القفزات المستمرة في أسعار السلع والخدمات رغم حدوث تطورين مهمين كانا من الممكن أن يدفعا الأسعار إلى أسفل لا إلى أعلى كما هو الحال الآن، الأول هو تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بنسبة 70%، علما بأن مصر مستورد رئيسي للمشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وغيرها، وهذا التراجع وفّر للموازنة المصرية 70 مليار جنيه في عامين، حسب الأرقام الحكومية، وكان من الممكن الاستفادة من هذا الوفر الضخم في خفض أسعار السلع التي شهدت ارتفاعات قياسية، وكذا في خفض عجز الموازنة العامة للدولة.
والتطور الثاني تمثل في استمرار تراجع أسعار الغذاء عالمياً، علماً بأن مصر تعد في مقدمة دول العالم استيراداً للأغذية، فهي أكبر دولة استيراداً للقمح والذرة الصفراء، كما تستورد كميات كبيرة من اللحوم والسكر والألبان غيرها، وبالطبع فإن التراجع العالمي في الأسعار، حسب أرقام منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، قلّل من كلفة واردات مصر من الأغذية.
ورغم هذين التطورين المهمين، إلا أن أسعار السلع داخل الأسواق المصرية واصلت مستويات قياسية من الارتفاع، لعدة أسباب، أبرزها الارتفاع المجنون لسعر الدولار مقابل الجنيه والبالغ نحو 30% خلال العام الجاري 2016، ومن هنا فإن وعد السيسي بعدم ارتفاع الأسعار رغم زيادة الدولار هو كلام غير منطقي وغير قابل للتطبيق.
وفي دولة مثل مصر لا يمكن حل أزمة الأسعار إلا بطريقين، الأول هو تحسين قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، والثاني زيادة الإنتاج، وهو ما يؤدي لتوافر السلع محلياً وتقليص الاعتماد على الخارج.